حزب العدالة والتنمية المغربي والتأرجح بين الموقف الدعوي و الموقف الوطني.
مشاركة
باريس: يوسف لهلالي
الصورة التي ترددت في وسائل التواصل الاجتماعيحولرئيس الحكومة المغربية عز الدين العثماني، وهو يوقعالاتفاق الثلاثيبين المغرب والولاياتالمتحدة الامريكية وإسرائيل، يبدو في احد المقاطع شارد الذهن، ليذكرهمسؤول البروتوكول بضرورة القيام وإبرازالاتفاق الموقع عليه امام الكاميرات الى جانبجاريد كوشنير المستشار الكبير للرئيس دونالد ترامبومائير بنشباطمستشار الامن القومي لإسرائيل.
هي صورةتعكس التردد الذي عبر عنهممثل حزب العدالة والتنميةفي هذا الاتفاق الثلاثي، هذا الترددالذي يعكستصور هذا الحزب للقضايا الوطنية الكبرى مثل القضية الاولى للمغاربة وهي استكمالالوحدة الترابية للمغرب،قضية الأقاليم الجنوبية التي تم استرجاعها من الاستعمار الاسباني، ويواجه البلداليومالتآمر الجزائريالذي يسعى جاهدا لعرقلة هذه الوحدة مند نصف قرن .
ردود فعل بعض أعضاء هذا الحزب ضد امينهم العاماو من شبيبة الحزب او بعض القياديينخرج الى وسائل التواصل الاجتماعي وكانتالردودعنيفة وضد قبولهذا الاتفاق الدولي التلاثي مع أمريكا واسرائيل الذييدخلفي اطار الاختصاصات الدستورية لرئيس الدولة. بل انه حسب عدة تسريبات، هدد السيدسعد الدين العثماني بالاستقالة اكثر من مرة. وتم في نفس الوقت تأجيل الدورة الاستثنائية للمجلس الوطني لهذا الحزب لتجنب الاصطدام بين مكوناته ولتجنب فقدان ثقة الدولة.
هذا التردد يعكس الثقافة السياسية لهذا الحزب ولجناحه الدعوي ، ونوعمن التذبذب في المواقفحول القضايا الكبرىوالمصيريةللمملكة . “الروابط الأخوية” لهذا الحزب مع عدد من التنظيمات التي لامته علىتوقيعه على هذا الاتفاقخاصة حزب الله الشيعياللبناني ،حركة حماس السنيةالفلسطينية.وكذلك التنظيم العالمي للإخوانحيث شنت اذرعه الإعلامية من تركيا حملة على المغرب بمناسبة هذا الاتفاق الثلاثي.
موقف الجناح الدعويللحزب “الإصلاح والتجديد” كانواضحا في رفضه لهذا الاتفاق، وعبر عنتشبته “بموقفه الرافض والمستنكر لكل محاولات التطبيع والاختراق”، وهو نفس الموقف الذي سارت عليه شبيبة هذا الحزب، في حين كان موقف الفريق البرلمانييتميز بالتردد. وهو ما يدعو الى طرح تساؤلات حول وضعية هذا الحزب وموقفه من القضايا الكبرى للبلد، هل هو موقفموحد لمؤسسة موحدة ام هو تقاسم للأدوار بين هذه الاطراف من اجل المحافظةعلى الاحتياطيالانتخابيلهذا الحزب، خاصة ان الاستحقاقات الانتخابيةاقتربت.
حزب العدالة التركيالذي يتزعمه طيباردوغان والذي يعتبر نموذجا للحزب للمغربي للعدالة، ليس له هذا المشكل مع القضايا الكبرى للأمة التركية، وعبر زعيمه مؤخرا علىرغبة بلده في علاقات افضل مع إسرائيل وذلك تماشيا مع مصالح تركياواستباق التحولات التي سوف تعرفها الإدارة الامريكية في نهاية هذا الشهر بتسلم الديموقراطي جون بايدنللبيت الأبيض بدلدونالد ترامب. ورغم توثر العلاقات بين تل ابيب وانقرة، فان العلاقات التجارية والأمنية والاستخباراتية لم تتوقف بين الجانبين. وحاجة تركيا الى الغاز الإسرائيلي سوف تسرع بعودة العلاقات الى طبيعتها.
حزب العدالة والتنمية التركي يضع دائما القضايا القومية الكبرى لتركيا فوقباقي الروابط” الأخوية” التي تجمعه ببعض الأحزاب في العالم العربي والإسلامي.
حزب العدالة والتنمية المغربيالذي رأى النورفي العقود الأخيرة، و لا ينتميالى الحركة الوطنية التي ولدت من رحمها الأحزاب المغربية الأساسية. بعدتوقيعه زعيمه علىهذا الاتفاق التلاثي و ورغم الترددالذي شاب ذلك، فانه بهذه الخطوة بين علىان القضايا المصرية للمغربكبلد وأمة لها تاريخ طويلوعريقتسبق كل الروابط الأخرى التي قد تجمعه بأحزاب إسلامية أخرى بالشرق او الغرب.
الزعيم السابق لهذا الحزب الذي له ماضي بشبيبة احد الأحزاب الوطنية، الاتحاد الاشتراكيللقوات الشعبية عبر عندعمهلقيادة حزبه، وبين عبد الاله بنكيران من خلال هذا الموقف عن نضجه السياسيكزعيم سابق ورئيس حكومة سابقة بالمغرب. وان القضايا الوطنية الكبرى هي قبلالروابط والقضايا” الاخويةوالدعوية” التي تجمعه بأحزاب ومنظمات خارج المغرب. ودافع عن منطق الدولة والمصلحة العليا للمغرب أولا. وبالتالي يسيرفي اتجاهحزب دولة بدلثقافته الاصلية كحزب دعوةدينية.
هذا الحزب، العدالة والتنمية، نال شرعيته الوطنيةلأول مرة من خلالمباركته من طرف الدكتور عبد الكبيرالخطيباحد الموقعين عن وثيقة الاستقلال سنة 1944و هو العقد الذي جمعالحركة الوطنية والملكية، وهو ما مكن مناعطاءجزءمن الشرعية لهذا الحزب الذي كان دعويا اكثر منه سياسي. وكان مهندس هذا العمليةالسياسية لإدماجهذا الحزبوزير الداخليةالراحل ادريس البصري.هذا الحزب اختار الالتحاق بالعمل السياسي من باب الشرعية الوطنية، وهو التعاقد الذي يجمع الأحزابالمنتمية لحركة الوطنية معالملكية بالمغرب. هذه الخطوة التي قام بها الخطيب قبل رحيله، سهلت دخول حزب العدالة والتنمية الىالتعاقد الوطني الذي يعني تغييبالمصلحة الخاصة امام القضايا الكبرى للبلد. ولنا في تاريخ الحركة الاتحاديةالمغربية مثال كبير على هذه العلاقة بالقضايا الكبرى للبلد. رغم وجودها في المعارضةفيعقد الستينات والسبعيناتلنظامالسياسي في حقبة سنوات الرصاص، كانت القضايا الوطنية خطا احمر في علاقتها بحلفائها خارج المغرب. وهو ماجعل قيادتهتبتعد عن الجزائر في عهد بومدين التي اختارت العداء للمغرب ودعم الانفصال.
اليوم المغربيوجد به اجماع بين كل قواهالسياسية حولتقوية ملف الوحدة الترابية واعتراف اكبر قوةعسكرية واقتصادية بالعالم بسيادته على الأقاليم الجنوبية هو مكسب استراتيجيانتظره المغرب مند عقود من هذا الحليف الصعب والذيتدفعه مصالحه الى تنويع الشركاء بالمنطقة.
العديد من اطر و ناخبيالعدالة والتنمية لا يعرفونالثمنالسياسي والاقتصادي الذي دفعه المغرب، سواءعلى المستوى الدولي والاقليميوالخسارة الاقتصادية بسبب هذا الاختيار وهو المسلسل الديموقراطي الذي جعل من حزب عبد الاله بنكيران الحزبالأول، واحقيته في قيادة الائتلاف الحكومي. وهو ثمن دفعه و يدفعه المغاربة وملكهم للاحتفاظ بسيادة قرارهم وإيمانهم بالمسلسل الديموقراطي، رغم الارتفاع الكبير للمديونية الخارجية للبلادفي حقبة ترؤس هذا الحزب للائتلاف الحكومي.وهو ثمن الاستقلالية، عكس ما حدث مع حكومة التناوب التوافقي الذي قادها الراحل عبد الرحمان اليوسفي والتي مكنت من جلب الدعم الخارجي والاستثمارات وتحويل جزء من المديونية لاستثمارات وهو ما مكن منالتراجع الكبير لمديونيته الخارجية في هذه الفترة. وهو الدعم الذيلم يجلبه حزب “الاخوان” حتى الان.
طبعا المغاربة وملكهم مند قرون عرفوا كيف يتجاوزون الصعوبات من اجل الحفاظ على استقلاليتهم وعلى وحدتهم الوطنية.الوطنية والمصلحة الكبرى اليوم هي التي تفرض على كل الأحزاب التخلي عن مصالحها الخاصة وعلىاذرعها الدعوية المرتبطة بالخارجمن اجل المصلحة الكبرى وهي وحدة وقوة المغرب.