أهمية مؤسسة الأسرة في ضمان التماسك الاجتماعي والمؤسساتي

فريدة الزغاري

 الإجابة عن سؤال تشكل الدولة البدائية والأشكال المماثلة لها من المجتمع الطبقي الضخم، يجرنا إلى الحديث عن روابط القرابة وكيف كانت وما زالت الأسرة النواة الأولى للمجتمع، وذلك بفضل قدرتها الفعالة على بناء شخصيات أفراد المجتمع والأمة، وتوطيد أواصر العلاقات الاجتماعية. فبوجود الأسرة وتماسكها تتقوى المجتمعات؛ ليكون القول بأهمية دور مؤسسة الأسرة في ضمان التماسك الاجتماعي والمؤسساتي ذو بعد تاريخي وسوسيولوجي عميق، يجب أخذه بعين الاعتبار لتستمر الأمم ونحافظ على النسل البشري.
حَرص المغرب كباقي المجتمعات الإنسانية على العناية بهذه المؤسسة؛ إذ عمل صاحب الجلالة الملك محمد السادس منذ توليه العرش، على إحاطتها بكافة الضمانات الكفيلة بحمايتها اقتصاديا، اجتماعيا وقانونيا؛ بحيث أولى الأسرة عناية فائقة تجلت بوضوح في كافة ميادين الحياة السياسية والمؤسساتية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وكان من نتائجها أن تبوأت المرأة المغربية مكانة أرقى، أتاحت لها المشاركة الفاعلة في شتى مناحي الحياة العامة.
وتجسيدا لالتزامه المولوي بديمقراطية القرب والمشاركة، وتجاوبا مع التطلعات المشروعة للشعب المغربي، وتأكيدا للإرادة المشتركة التي تجمع كافة مكونات الأمة بقائدها، على درب الإصلاح الشامل والتقدم الحثيث، وتقوية الإشعاع الحضاري للمملكة. قد أبى صاحب الجلالة، إلا أن يجعل الأسرة المغربية؛ القائمة على المسؤولية المشتركة، والمودة والمساواة والعدل، والمعاشرة بالمعروف، والتنشئة السليمة للأطفال. لبنة جوهرية في دمقرطة المجتمع باعتبار الأسرة نواته الأساسية.
ولم يتوان صاحب الجلالة عن الإشارة إلى أن الإصلاحات التي يشهدها هذا القطاع يَجِبُ ألاّ يُنظر إليها على أنها انتصار لفئة دون أخرى، بل هي مكاسب للمغاربة أجمعين، لأنها تسعى إلى إنصاف المرأة، وحماية حقوق الطفل، وصيانة كرامة الرجل؛ وذلك تحت شعار من أجل مدونة أسرة عصرية منسجمة مع روح الدين الإسلامي الحنيف.
وعملاً بالاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب، وتفعيلاً لمنظومتي حقوق الإنسان والقانون الدَّوْلي، وللدستور المغربي الذي ينص في مادته 32 على أن: ” الأسرة القائمة على عَلاقة الزواج الشرعي هي الخلية الأساسية للمجتمع.
تعمل الدولة على ضمان الحماية الحقوقية والاجتماعية والاقتصادية للأسرة، بمقتضى القانون، بما يضمن وحدتها واستقرارها والمحافظة عليها…”.
حث صاحب الجلالة خلال خطابه السامي، بمناسبة عيد العرش المجيد يوم: السبت 30 يوليوز 2022؛ على العمل بتطبيق مقتضيات مدونة الأسرة على الشكل الصحيح، وطرد فكرة أن هذه المدونة خُصصت للنساء دون الرجال، بينما هي في الأصل مدونة للأسرة بكاملها لا لفرد دون آخر. ليصبح مطلب تفعيل المؤسسات الدستورية، المعنية بحقوق الأسرة والمرأة، وتحيين الآليات والتشريعات الوطنية، للنهوض بوضعيتها، أمرًا ملحًا وأنيًا.
إن مراجعة مضامين مدونة الأسرة بما يتلاءم مع مقتضيات الدستور والاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب، ينسجم وطموح النساء الاتحاديات حول تمكين المغربيات وتعزيز المساواة بين الجنسين؛ فتحت موضوع: مراجعة شاملة لمدونة الأسرة وحماية للمجتمع، سيعقد يوم السبت، من الشهر الجاري الذي يتزامن مع يوم الوفاء (الذي يحمل دلالات رمزية عميقة، تتجلى فيها قيم الاعتراف بالخدمات والتضحيات للمناضلين والمناضلات). ندوة وطنية، يشكل فيها موضوع مدونة الأسرة وعلاقتها بحماية المجتمع حجر الأساس.
ننتظر أن تتطرق الندوة وكذا المداخلات إلى أهم الاختلالات والسلبيات التي أحالت دون تفعيل المدونة على أرض الواقع، مع مراجعة بعض البنود في المدونة فيما يتوافق والتطور الذي يشهده العالم المعاصر بصفة عامة، والمجتمع المغربي بصفة خاصة. وذلك مع الأخذ بطابع الخصوصية التي يمتاز بها المجتمع المغربي بعين الاعتبار؛ طابعٌ يمازج بين ملامح الأصالة والمعاصرة، مع حضور التنوع الثقافي الذي يمتح من مختلف المشارب الثقافية: العربية والأمازيغية والصحراوية الحسانية…
إن قانون مدونة الأسرة يمكن اعتباره من أخطر القوانين التي يجب إحاطته بالعناية الفائقة والجدية البالغة؛ فهو ليس مجرد قانون ينظم العلاقات بين الأفراد، بل هو النواة الأساسية للمجتمع الذي يهدف بالدرجة الأولى إلى الحفاظ على النوع الإنساني وعلى مستقبل الأسرة المغربية، وإلى مساءلة إشكالية المساواة بين النساء والرجال داخل فضاء الأسرة. بهدف تحقيق التوازن الأسري واستيعاب التحولات التي يشهدها المغرب نتيجة ولوج المرأة سوق العمل، وخوضهن لغمار المجال العام وبلوغهن لمراكز القرار.
وفي الأخير؛ وتجدر الإشارة إلى أن الحاجة الملحة لتحيين مدونة الأسرة وتطوير بعض بنودها، لا يعني أنها في نسختها الماضية لم تحقق الأهداف المرجوة، بل العكس من ذلك تمامًا؛ فمنذ دخولها حيز التنفيذ شهد المجتمع المغربي تغيرا ملموسا على صعيد العلاقات الاجتماعية، عبر ترجمة حق تمدرس الفتيات، وولوج النساء إلى سوق العمل، وغيرها من الحقوق إلى أرض الواقع. غير أن المدونة في وقتنا الحالي لم تعد تستوعب التقلبات الاجتماعية التي بات يشهدها المغرب ويتطلب تأسيسًا جديدا لمطالب جديدة عن المجتمع المغربي، من قبيل: النيابة الشرعية عن الأبناء القاصرين، وهوية الأطفال دون نسب، وتعميم الخبرة الطبية بالنسبة لجميع الحالات، والتوزيع العادل للأموال المكتسبة أثناء قيام العلاقات الزوجية، والمسؤولية المشتركة للأزواج، والتأكد من السلامة النفسية للزوجين، وغيرها من المسائل المهمة التي تتطلب تطبيقًا جيدًا لمدونة الأسرة. مع العمل على تعميم ثقافة الإلمام ببنود المدونة على جميع الفئات الاجتماعية، بواسطة القيام بدورات تحسيسية وندوات تبسيطية وتوضيحية لبنودها، فالحفاظ على الأسرة المغربية ليس من أجل الطرف، بل هو ضرورة وواجب وطني؛ فالأسرة ركيزة من ركائز الأمم.