
الكاتب والسيناريست محمد بلال: المسلسل الريفي “الصفقة” يحمل موضوعاً كونياً، وتمردا على نوع من القيود
- أعد الحوار للنشر: أحمد بيضي
يتحدث الصحفي والسيناريست محمد بلال (°)، في هذا الحوار، عن مسلسله الجديد الريفي “الصفقة” (°°)، وواقع الدراما الأمازيغية وآفاقها، والإكراهات التي تواجهها، والتحول الذي تعشيه “القناة الأمازيغية” بعد تعيين عبد الله الطالب علي مديرا للقنوات الأمازيغية للشركة الوطنية للإذاعة والتلفزيون.
-
بداية، لماذا اخترت عنوان “الصفقة” بالذات لمسلسلك الريفي؟
- أعتقد أنه من واجبي ككاتب وسيناريست اختيار عنوان جذاب ولكنه في نفس الوقت عنوان يوحي بمضمون العمل، قد يبدو عنوانا مخادعا بادئ الأمر، ولكنه يختزل الدلالات والرسائل ومجريات أحداث المسلسل، ولذلك فإن مسلسل “الصفقة” يختزل في كلمة واحدة حمولة هذا العمل من تنامي الأحداث وتصاعدها.
-
وما انطباعك عن المسلسل بعد عرضه على شاشة القناة الأمازيغية؟
-
هناك تعدد الأذواق والميولات، وأنا بطبعي أحترم الآراء، لكن ما ينبغي نعرفه جميعا هو أن إرضاء الجميع غاية لا تدرك ومن الصعب تحقيقها، غير أن الشهادات والكتابات الصحفية المحايدة ونسب مشاهدة الحلقات جاءت مشجعة لفريق العمل، ولكنها قد تكون مخيبة لكل من يريد أن يحتكر الدراما الريفية ويجعلها حكرا لكل من يقيم في مدن الريف المغربي دون غيرها، علما بأننا نعيش في بلد واحد وتحت سقف واحد وكلنا مغاربة، كل ما يهمني في مسلسل “الصفقة” أنني احترمت ككاتب البناء الفني الدرامي كما هو متعارف عليه وجرى العرف عليه، وأنا متأكد من أني أعطيت للعمل ما يستحقه.
-
وماذا كانت الغاية من مسلسل “الصفقة”؟
-
الغاية من الأعمال كانت دائما ليس فقط في هذا المسلسل الريفي بل في جميع الدرامية التي قمت بكتابتها، هو أن تكون هذه الدراما بانوراما الحياة اعتمادا على الكلمة والحركة والتعبير.
-
أقصد أي علاقة بين مضمون مسلسل “الصفقة” والمجتمع الريفي؟
-
أنت تعلم جيدا بأن المشاكل واحدة، أبينا أم كرهنا، وقضايا الإنسان واحدة، ومن الصعب تجزيء هذه القضايا باعتبارها تهم الإنسان ككائن بشري أولا وأخيرا، والدراما، سواء الريفية أو السوسية أو الأطلسية أو غيرها، غير منعزلة تماما عن السياق العام للمجتمع المغربي ولقضايا الإنسان عامة، وبالتالي فالملاحظ أن هذه الدراما المحلية لا تتعارض وبأي لغة كانت مع ثقافة وعادات الإنسان السوسي أو الريفي أو الأطلسي أو الأمازيغي بشكل عام، فالمهم نحتاج في الدراما مسألة أساسية، وأنا هنا لست بصدد إعطاء الدروس، ولكن من باب التذكير فقط يجب أن نؤسس دائما ونتبنى دراما تبني الفكر ولا تهدم القيم
وبالنسبة “للصفقة” اخترنا موضوعا كونيا، موضوعا يمس الإنسان بشكل عام، وبمعنى آخر كان هناك تمرد على نوع من القيود التي كانت تقيد بها الدراما الريفية، ونظل دائما نتحدث عن الإنسان الريفي البسيط الذي يقطن في مدشر ويعيش دائما على البساطة، وبالعكس الإنسان الريفي الآن أصبح في مواقع المسؤولية، أصبح صاحب استثمارات وشركات ويساهم في دينامية المجتمع، وله مشاكل يعيشها وقضايا، وله آفاق وطموحات أخرى، ولم يعد ذلك الإنسان الريفي أو الأطلسي أو الأمازيغي الذي نريد أن نسجنه ونقيده في إطار بيئة ضيقة جدا، لذلك أردت أن يكون مسلسل “الصفقة” منفتحا على آفاق وقضايا أخرى.
-
وما هي دوافع خوضك بالتحديد في تجربة الدراما الريفية؟
-
حين تسألني لماذا خضت تجربة الدراما الريفية، كان من الممكن أن تسأل في نفس الوقت لماذا خضت تجربة الدراما الأطلسية أو السوسية؟، ومع ذلك أؤكد لك بأنني أعرف المجتمع الريفي جيدا، وزرت منطقة الريف، ولا أقول الحسيمة فقط التي كان لي شرف الإقامة فيها، بالإضافة إلى ذلك فإنه لدي من العائلة موجودين في منطقة الريف ولدي أصدقاء، وبدافع الفضول الصحفي لدي فكرة واضحة عن المجتمع الريفي والمجتمع السوسي والمجتمع الأطلسي الأمازيغي، لكن البعض يريد أن يحصر الكتابة عن الدراما الريفية أو السوسية أو الأطلسية حسب الحالة المدنية للكاتب، يراعى فيها موطن النشأة وليس خبرات الكاتب وتلاقح أفكاره وتجربته ومهنيته وهي مقاربة طبعا مرفوضة وغير مقبولة.
-
وكيف تتفاعل مع النقد ككاتب/ سيناريست؟
-
بإيجابية كبيرة، وأقصد النقد وليس الانتقاد، والذين كانوا قد تتبعوا كتاباتي سواء في المواقع الإخبارية أو الجرائد المكتوبة أو غيرها يدركون تماما أنني كنت دائما أقدم وجهة نظري بموضوعية وأتحدى أحدا يدعي أنني كنت أحمل المعول وأهدم ما يبنيه الآخر، بالعكس كنت أساهم في عملية البناء وما زلت وأنا أومن بأن الكتابة حرفة وأنا مسكون بالإبداع ولكن من المؤسف وأقولها كصحفي قضى أزيد من 36 بأن أغلب الكتابات (النقدية) أصبحت اليوم وسيلة لتصفية الحسابات، لأنها انتقلت من النقد الهادف والموضوعي بكل ما تتطلبه عملية النقد من معايير، إلى عملية الانتقاد لتصفية الحسابات وليس إلا.
-
هناك الآن من يدعو لتغيير لجنة انتقاء البرامج التي تتعرض للانتقادات، فما هو موقفك كصحفي وسيناريست؟
-
شخصيا، لم يسبق لي أن انتقدت أي عضو من هذه اللجنة أو سابقاتها، لأنني لست مؤهلا لمحاسبتها ولا أعرف حتى طريقة اشتغالها، فهناك دفتر للتحملات وجهات مسؤولة إداريا هي المنوطة بالتتبع والمحاسبة، فمهمتي تنحصر في إعداد المشاريع واقتراحها على شركات الإنتاج والدفاع عن هذه البرامج أمام هذه اللجنة والانتقادات لا تصدر إلا من الشركات التي لا تحظى مشاريعها بالموافقة، وهي نفسها الشركات التي قد تعود إذا لترمي اللجنة بالورود بمجرد فوزها بمشروع تقدمت فهناك شركات تلهث من أجل الربح و(الكعكة) والجودة آخر ما تفكر فيه وسخطها أو رضاها على اللجنة يتوقف على (الفوز) أو (الخسارة)، الناس لا تخجل… !
أقول من العيب أن نبخس حق الآخرين لا لشيء سوى كون هذا الكاتب أو آخر حظي بثقة لجنة انتقاء البرامج التلفزيونية، وحضي بالتالي عمله بالتأشير على تصويره، لأنه للأسف هناك من يريد أن يقول في بعض خرجاته للقائمين على شؤون التلفزيون وخاصة إدارة القناة الأمازيغية أنه الأحق بتصوير هذا المسلسل أو ذلك بداع واحد أن صاحب هذه الشركة بحكم أنه أمازيغي أو سوسي أو ريفي أو أطلسي أو أو أو… كأنه يريد أن يجزئ بلدنا العزيز الذي يعيش تحت راية واحدة ووحدة واحدة إلى مناطق وتبقى كتابات الأعمال فيها حكرا على المبدعين الذين ينحدرون من هذه المنطقة أو تلك.
وهذا هو الخطأ في تقديري وهي مسألة تدعو للسخرية وكأن بالبعض يريد أن يقسم أرض الله الواسعة ويرغب في حصولنا على فيزيا للعبور إلى منطقة الأطلس أو سوس أو الريف حتى يتسنى لنا بذلك الخوض في هذه التجربة الدرامية أو تلك.. وهو شيء مرفوض لأننا في بلد واحد، وحتى إذا افترضنا أنني لست سوسيا أو ريفيا فإن أبحاثي وثقافتي واحتكاكي مع المختصين بالمنطقة أضف إلى ذلك توفر المادة العلمية المعينة على ذلك في خزانات المملكة الشريفة، يمنحني الحق في خوض تجربة درامية في أي منطقة من بلدنا الحبيب.
-
وماذا تتوقع بهذا الخصوص بعد تعيين السيد علي عبد الله الطالب علي مديرا جديدا على القناة الأمازيغية؟
-
الرجل جدي، وصارم وحازم، والذين عايشوه عن قرب يعرفون بأنه إعلامي مهني، ويراهن على التغيير إلى ما هو أفضل، وهو إعلامي يحمل مشروعا وحتى شركات الإنتاج أصبحت ملزمة بمسايرة استراتيجيته، فنهجه الذي ينبني على شعار “الجودة” أولا، وتعيينه شخصيا أعتبر ربحا للقناة الثامنة وللغيورين على اللغة الأمازيغية بجميع روافدها. لا خيار لها اليوم إلا البحث عن الجودة ولعلمك فمديرها منفتح على الآخرين، يسمع ويحاور ويناقش، ويتفاعل مع كل ما هو إيجابي، لكنه في المقابل يرفض الوصاية والإملاءات لأنه ولد (الحرفة).. شعاره أغراس.. أغراس.
والمؤكد في تقديري كإعلامي أن الرجل وكما عبر عن ذلك منذ تعيينه مديرا جديدا للقناة الثامنة، فإنه لن يتوانى في الارتقاء ببرامج القناة بأنواعها المختلفة سواء الدراما أو غير الدراما، والمؤكد أكثر هو حرصه الشديد على حمل شعار الجودة أولا ولن يقبل عنها بأي بديل آخر، وهذا في حد ذاته مكسب بالنسبة لنا كتاب وإعلاميين وهو الرهان الذي كنا نطمح إليه دائما وأبدا، وأنا أعرف بأن مسألة الجودة قد أفزعت البعض وجعلته يعيد حساباته سواء على مستوى الدراما أو البرامج…
-
وكلمتك الأخيرة؟
-
سأقولها اليوم وغذا.. إن الخرجات الإعلامية التي تنم عن الغيرة المذمومة مرفوضة ولن تؤثر على قرارات لجنة الانتقاء، ولا إدارة القناة الأمازيغية التي أخذت على عاتقها مسؤولية تشجيع شركات الإنتاج المسؤولة والجادة التي تحمل مشاريع جادة بصرف النظر عن موطن النشأة لأننا كلنا (مغاربة، مغاربة) وأتمنى أن أسهم في الرقي بالمنتوج الدرامي الأمازيغي لأنني أمازيغي أصلا وكتابة السيناريو حرفتي بعد دراسته وممارسة الكتابة لسنين خلت وما زلت أجلس في كرسي المدرجات أتعلم من أساتذتي وألتقي بهم، وما يهمني أولا هو جودة المنتوج الذي أقدمه للمشاهد.
وأرجو ألا يفهم من هذا الكلام بأن ينقص من قيمة أحد بقدر ما وددت أن أشرح وأوضح بعض النقط الغامضة التي لا زالت تكتنف مشهد الدراما على مستوى شركات الإنتاج التي لا يهم البعض منها، بل أكثرها للأسف إلا هامش الربح وليس جودة المنتوج.
ــــــــــــــــــــــــــــــ