تقديم إصدار جمعية أجدير إيزوران بخنيفرة “الجبل الأمازيغي”، في ندوة الذكرى 19 لخطاب أجدير
أحمد بيضي
الأحد 18 أكتوبر 2020 - 11:38 l عدد الزيارات : 16459
أحمد بيضي
تحت شعار “روح أجدير بين اكراهات جائحة كورونا ورهانات المستقبل”، احتضنت الغرفة الفلاحية، بخنيفرة، ندوة لتقديم كتاب “الجبل الأمازيغي”، الصادر ضمن منشورات “جمعية أجدير إيزوران للثقافة الأمازيغية”، بمشاركة ثلة من الباحثين في التاريخ واللغة والسوسيولوجيا والأدب والتنمية، وحضور عدد من المهتمين والجامعيين والفاعلين المحليين والاعلاميين، حيث افتتح ذ. محمد ياسين أشغال اللقاء بوضع المشاركين والمدعوين في سياق الندوة التي تتزامن والذكرى 19 لخطاب أجدير، في السابع عشر من أكتوبر 2001، والقائم على الاعتراف بالتنوع الثقافي وبأهمية الثقافةالأمازيغيةوقيمتها ومكانتها الأساسية بين عناصر الهوية الوطنية.
الندوة التقديمية التي تمت، صباح السبت 17 أكتوبر 2020، بمشاركة مجموعة من الأساتذة الباحثين، افتتحت بكلمة ترحيبية للمسير الأستاذ محمد ياسين، أشار من خلالها لموضوع اللقاء، وللجمعية المنظمة، “جمعية أجدير إيزوران للثقافة الأمازيغية”، ومشروعها الفكري الثقافي والعلمي حول الثقافة الأمازيغية، ولمحور اللقاء المتضمن لتقديم كتاب “الجبل الأمازيغي” الذي يعود محتواه للندوة العلمية “الجبل الثقافة، الإنسان، التنمية المستدامة“، التي تخللت فعاليات النسخة الثانية لمهرجان أجدير ايزوران، بأجدير، إقليم خنيفرة، خلال الفترة الممتدة من 17 إلى 20 أكتوبر 2018.
ومن جهته انطلق ذ. حوسى جبور من دلالة ورمزية ذكرى خطاب أجدير، كمنعطف بارز في تاريخ الثقافة الأمازيغية، وما مثله من “تأسيس لبداية مغرب جديد يجمع كل مكوناته الثقافية واللغوية، وينهض بالأمازيغية في شتى المجالات، لغة وثقافة وتربية وهوية”، فيما لم يفت المتدخل التذكير بموقع أجدير وزيارة الملك الراحل محمد الخامس له، في يوليوز 1956، للقاء العديد من المقاومين وأعضاء جيش التحرير، والاشراف على عملية تسليم 500 جندي من أفراد وعناصر جيش التحرير لأسلحتهم، وانضمام العديد منهم لصفوف القوات المسلحة الملكية، وهي الزيارة التي جاءت اعترافا بما حققته قبائل المنطقة من انتصارات في مواجهة المستعمر الفرنسي.
وبعد تطرقه لتاريخ المقاومة الأمازيغية الأطلسية الزيانية، وما تلاها من انتفاضات ودينامية سياسية مناهضة للوجود الاستعماري، عاد ذ. حوسى جبور إلى أجواء الاستقبال الذي تم تخصيصه للملك الراحل محمد الخامس بحضور عدة قبائل من الأطلسين المتوسط والكبير التي نصبت الخيام على طول 32 كلم، مع تنظيم استعراض عسكري للقوات المسلحة الملكية، شارك فيه جنود جزائريون كانوا قد فروا من الجيش الفرنسي واستقروا بمركز جنان اماس، ليتوقف المتدخل عند زيارة الملك محمد السادس لأجدير والإعلان عن إحداث المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية عبر الخطاب التاريخي الذي “وضع قطيعة مع مرحلة إقصاء الأمازيغية” كلغة ورصيد حضاري وثقافي.
وبدوره، افتتح ذ. حوسى أزارو ورقته بمجموعة من التساؤلات القوية: هل التنمية مفهوم إداري خارجي، اقتصادي صرف، سياسي أو حقوقي، اجتماعي أم ثقافي؟، هل نحن أمام نمو أم تنمية؟، بل هل نحن أمام فعل التطوير أو التنزيل؟، كيف يمكن تنزيل البرامج التنمية ذات الأفق الحضري على المناطق الجبلية؟، قبل تحليق المتدخل بالحضور نحو مفهوم التنمية منذ ستينيات القرن الماضي، إلى التنمية الثقافية كعامل من عوامل التنمية الشاملة، ورأي بعض المنظمات الدولية في التنمية الاقتصادية، ومنها البنك الدولي في تحديده للتنمية الاقتصادية على المكون الاجتماعي أكثر من المكون الاقتصادي للتنمية المستدامة التي تمس مستوى المعيشة والتعليم وصحة الساكنة، وحماية البيئة.
وفي ذات السياق، رأى ذ. حوسى أزارو أنه “بالرغم الإمكانات والثروات التي تزخر بها المناطق الجبلية والقروية تبقى مساهمتها المباشرة في التنمية الاقتصادية محدودة جدا”، مؤكدا أن “إعادة الهيكلة والتقويم للتنمية الجبلية تقتضي الوقوف أساسا على ضرورة تطوير اقتصاد تضامني: محلي وجهوي ووطني في الدولة والمجتمع، والحد من الفقر والهشاشة، ومن المفهوم التقليدي للشغل المبني على نصف الإنتاج، ومن غياب العقلنة، مع ضرورة المقاربة الترابية للتنمية المعززة للعدالة المجالية، بين المركز والمحيط، بين السهل والجبل”، ثم تطوير السياحة الجبلية وأنماط العيش الجبلية، تثمين الموروث الثقافي للمجتمع المحلي وإغناؤه بالبحث العلمي.
وعلى خلفية الظروف الاستثنائية الناتجة عن تفشي وباء كورونا، لم يفت ذ. أزارو الاشارة الى “هذه الظروف كانت بمثابة إنذار للعمل من أجل تدبير أنجع لمخاطر الجوائح والأوبئة، والتخفيف منها لدى الساكنة الجبلية، والانكباب على تعادل مجالي بين الجبلي والحضري”، فيما تطرق للصناعة التقليدية التي رأى بأنها “ما تزال تراثية وضعيفة جدا على مستوى الانتاج والتسويق والتحفيز”، إلى جانب الموروث الثقافي الذي ينبغي الحفاظ على هويته، بما يخدم حماية التعدد والاختلاف ويحفظ للجبل غناه التاريخي والاقتصادي والجغرافي، إذ “لا تنمية بغير فعل اجتماعي دينامي، ولا بغير حكامة جيدة” أو قرارات سيادية تمكن من تجويد تدبير التنمية بالمناطق الجبلية.
أما ذ. امحمد أقبلي فانطلق من الزاوية القانونية، في مقاربة لموضوع روح أجدير، ورمزيتها التاريخية كمجال وقيمة لا مادية وتراث له دلالات قوية، قبل تركيزه على ما قد “يجعل من القانون رافعة للتنمية، ويدفع بالثقافة الأمازيغية لأن تكون رأسمالا وإرثا إنسانيا، دون أن يفوت ذ. أقبلي التطرق لما يعرف عن منطقة أجدير من ثروة أرزية (شجر الأرز)، وعدم قدرة النصوص القانونية على حماية هذه الثروة الطبيعية”، ليعود بالحضور إلى الحديث عن موقع أجدير الذي بفضله “تمت مأسسة اللغة والثقافة الأمازيغيتين”، وبينما دعا إلى جعل القيم الثقافية والتاريخية والجيولوجية رافعة للتنمية، أكد ذ. أقبلي على ضرورة إدماج السياسة العمومية والمجالس المنتخبة.
ومن جهته انطلق ذ. المصطفى تودي من خطاب أجدير وربطه ما بين المسألة الثقافية وإحداث المجتمع الديمقراطي الحداثي، رغم “بعض التراجع والتراخي في التنزيل الشامل لما جاء به هذا الخطاب الذي وصفه المتدخل بالخطاب السياسي الذي نجح في وضع قطيعة مع ماض من التهميش الهوياتي”، فيما رأى في الفتور المسجل على مستوى تنزيل الأمازيغية بالشكل المطلوب “شكلا من الفرملة في تفعيل المجتمع الديمقراطي الحداثي”، ومؤكدا أنه “لا يمكن لأي شخص التكلم حول الديمقراطية وهو غير متشبع بالإيمان بالاختلاف والرأي الآخر”، وكيف أن أجدير هو مجال لتغيير الكثير من المفاهيم والرواسب، ولتصحيح الماضي المتشبع بالتقاليد البالية.
وصلة بالموضوع، ركز ذ. تودي على مفهوم الهوية الثقافية وارتباطه بالسلوك الفردي والجماعي، بناء على النظام السوسيولوجي والبسيكولوجي، وعلى “ما يفرض الاعتماد على ما هو مبني على الاقصاء والعنف الرمزي والايديولوجي، طالما أن مجتمعنا ما يزال يتخوف بجلاء من ثقافة التعدد والاختلاف، ويتمسك بإرثه المغرق في الفردانية”، ليقول إنه من هنا “ينبغي أن نجعل من روح أجدير إدانة لثقافة التبخيس والتهميش والاقصاء، وأن نؤمن بأن الانتاج الثقافي ينبغي أن يكون مرتبطا بقيم الاختلاف”، فيما دعا إلى التفكير في المعيقات التي غالبا ما يتم تحليلها بالعوامل الموضوعية، بينما هناك عوامل ذاتية ذات طبيعة نفسية.
ولم يعلن ذ. محمد ياسين عن إغلاق اللقاء قبل تأكيده على أن “الرهان يسائلنا بحكم المعطيات التي تجسد المفارقات الصعبة التي نعيشها”، وأن “الثقافة الأمازيغية لازالت لم تجد التعدد المطلوب بالنظر لخلفيات ثقافية، اجتماعية وتربوية معينة”، مطالبا ب “تعزيز الوعي الجماعي من أجل بلورة اختيارات استراتيجية تنهض بالمكون الثقافي الأمازيغي كمشروع من المشاريع الأساسية”، دون أن يفوت ذ. محمد ياسين القول ب “أن بوابة البحث العلمي ما تزال مغلقة”، الأمر الذي يدعو كافة الفاعلين في المجال الثقافي إلى العمل باتجاه المأسسة الفعلية للعمل الثقافي على مختلف توجهاته وخطاباته المطلوبة ببلادنا.
ولم يفت رئيس الجمعية المنظمة، ذ. لحسن شيلاص، إبراز ما لمنطقة أجدير من وزن سياسي وتاريخي وطبيعي، داعيا عموم المثقفين والباحثين، والجمعويين والاعلاميين إلى “التفاعل من أجل جعل الجميع في مستوى هذا الخطاب قصد صياغة المشروع الثقافي الأمازيغي المنشود”، فيما أوضح “مدى كشف جائحة كورونا عن حجم مظاهر الفقر والهشاشة التي تعاني منها المناطق الجبلية وساكنتها”، ليؤكد على ضرورة “جعل هذه المناطق في صلب المخططات والبرامج الجارية، إذ من دون الاعتناء بها سنخسر الكثير من الرهانات والمشاريع التنموية”، قبل أن يتطرق ذ. شيلاص لمشروع المركز السوسيوثقافي الذي سيتم احداثه بأجدير والذي اعتبره مشروعا للجميع.
كما تناولت ذة. لالة حفيظة العلوي في مداخلة قصيرة موضوع المرأة الجبلية ومعاناتها الاجتماعية مع عدم تمتعها بحقها في الرفاه على غرار مثيلاتها بالوسط الحضري، ذلك لتؤكد ذة. العلوي أنه “بتغييب المرأة الجبلية لن يكتمل أي نقاش أو مشروع”، فيما دعت إلى “ضرورة إدماج هذه المرأة في المشاريع التنموية والمستقبلية، والبحث عما يمكن من الحلول لانتشالها من التقاليد القائمة ومظاهر التبعية للرجل”، ليتم اختتام برنامج الندوة بمداخلات بعض الحضور، وبعرض شريطي فيديو عبارة عن وصلتين فنيتين تم تصويرهما بقلب منتجع والنصب التذكاري لأجدير، بمشاركة فنانين وشعراء أمازيغ في لوحات تحسيسية بوباء كورونا.
وقبل توزيع نسخ من كتاب “الجبل الأمازيغي: التاريخ، الثقافة ورهانات التنمية”، تقدم ذ. محمد أمحدوك بكلمة سريعة حول هذا الكتاب الصادر عن منشورات “جمعية أجدير إيزوران للثقافة الأمازيغية”، وما يتضمنه من مواضيع فات لأصحابها المشاركة بها ضمن فعاليات مهرجان عام 2018، وما يحمله من مفردات أمازيغية مرتبطة بالثقافة والجبل واللغة الأمازيغية، باعتباره “مساهمة في جعل الجبل رافعة للتنمية، وخارطة طريق صوب صناعة ثقافية يمكن بلورتها في إطار خطة متكاملة”، مؤكدا أن خروج الكتاب من ندوات إلى أوراق هو دعوة صريحة إلى الرقي بالموضوع إلى نحو جامعات خريفية وطنية حول قضايا هامة، ومنها الجبل.
تعليقات
0