تعدد الخطابات في رواية “حين يزهر اللوز” لكاتبها محمد أبو العلا
أحمد بيضي
الخميس 5 نوفمبر 2020 - 18:50 l عدد الزيارات : 25000
المحجوب عرفاوي
ازدانت مدونة السرد المغربية مؤخرا برواية قوية تحمل عنوان ” حين يزهر اللوز ” لمحمد أبو العلا الذي يشتغل في صمت في مجال المسرح ابداعا وتنظيرا ؛ وقد صدرت الرواية التي تمتد على مسافة 222 صفحة من الحجم المتوسط عن دار الفاصلة للنشر بطنجة ؛ وهي ذات منسوب هائل على مستوى شخوصها وقواها الفاعلة وأحداثها وفضاءاتها المكانية والزمانية ؛ كما أن قالبها الفني والجمالي على درجة كبيرة من الإدهاش ٠
العنوان : اضحت الدراسات النقدية الحديثة تولي العنوان اهمية كبيرة معتبرة إياه عتبة مهمة من خلالها نلج الى عالم النص الأكبر؛ وقد ألف الناقد الفرنسي جيرار جنيت كتابا بعنوان ” عتبات ” فكك فيه التص الموازي وهو كل مايحيط بالنص اي العنوان والصورة والاهداء والحواشي والتقديم والتذييلات واسم المؤلف والمقطع الذي يثبت على الغلاف ؛ وقد حدد له أربع وظائف :
— وظيفة تعيينية تعطي للكتاب اسما يميزه
— وظيفة تتعلق بمضمون الكتاب
— وظيفة تضمينية
— وظيفة اغرائية تسعى إلى إغراء القارئ٠
وبالوقوف عند عنوان “حين يزهر اللوز” نجد أنه:
— تركيبيا : جملة فعلية من فعل لازم وفاعل ( يزهر اللوز) تنهض على اقتصاد لغوي لافت ؛ يقر فيها الراوي بازهرار اللوز؛ أما حين الظرفية ففرضتها شعرية العنوان ٠
— معجميا: ينتمي إلى مجال الطبيعة باعتبار اللوز شجرة ذات لون قرنفلي رائق تزهر في وقت مبكر بالمقارنة مع أشجار فواكه أخرى؛ وتمتاز هذه الشجرة بصمودها في وجه الحرارة والجفاف ٠
— دلاليا : تحيل صيغة ” حين يزهر اللوز ” على موسم اللوز كموعد للفرح والانتشاء ؛ ولكن من يقرأ الرواية يجد ان الأمر يتعلق بخيية أمل وبربيع كاذب؛ وبذلك نكون أمام عنوان فخ ينهض على مفارقة صادمة !
تعدد الخطابات في الرواية :
ثمة خطابات كثيرة في رواية “حين يزهر اللوز” وسأحاول الوقوف على بعضها فقط :
الخطاب التاريخي :
يحتل مساحة كبيرة في الرواية ؛ وقد مارس السارد ادريس حفرا تاريخيا في بلدة المنجم يتعلق بتاريخها وبنضال أهاليها وبوعورة الطرق والمسالك والمنحدرات وبالثلج الذي يحاصر السكان شتاء وبارتفاع منسوب الأودية عندما تفيض مشكلة خطرا على الاشجار والحيوان والإنسان ؛ قدمه لنا في قالب روائي بديع ؛ نقرأ في الصفحة 10 “بعد قليل سيزيغ عداد الكون نحو الاسفل ليعم الصقيع وتلبس الجبال أكفان الجليد” ؛ ويتأسف السارد لأهالي الأعالي عندما يحاصرهم الثلج حيث يقول في الصفحة 27 “لا شيء يوحي بانهم أحياء إلا تلك المداخن البعيدة التي تلوح لك سحبها كل صباح على امتداد اليم الأخضر للغابة التي منها يحطبون وفيها يسرحون”..
ويؤرخ السارد لبلدة المنجم باسى عميق مقرا بأن للمناجم محكيها الخاص الصاعد من ثلمة الأرض ؛ يقول في الصفحة 28 “للمناجم سردها المتوهج وهج ذهب آفل أفول شمس بلدات منذورة لموت بطيء”، كما يقدم لنا السارد معرفة تاريخية ترتبط بالمقاومة الباسلة والمنظمة لسكان القصيبة ولهري واشقيرن وتازكزاوت وايت سخمان واروكو للمستعمر الفرنسي..
وقد عرفنا بما وقع بعد توقف المنجم في البلدة حيث يقول في الصفحة 65 ” بدأ الرحيل القاسي برواحل تدحرجت نحو السهل سراعا ؛ لا احد آثر التشبث ببلدة المنجم إلا من لا ملاذ له ؛ كان الجو عاصفا ناح فيه الشجر قبل البشر ؛ وحلقت أسراب طيور على غير العادة قريبا من أديم الأرض”..
الخطاب الفلسفي :
يحضر في الرواية من خلال اسئلة ذات بعد فلسفي ومن خلال تأملات ومن خلال بوح فلسفي هادر٠
على مستوى الاسئلة الفلسفية فهي كثيرة و نمثل لها بهذه العينة القليلة :
–ترى كيف للجبل أن ينتشي في غيابك الجبلي ؟ هل يؤثث ملاحمه في غيابكم بكومبارس ?
– من هو هذا الصامت دوما مثل راهب في دير مهجور ؟ ص138
– الم يكتشف هاملت بعد تردد ان الحقيقة تأتي في النهاية كما يتبع الليل النهار؟ ص 140
–ماذا عساي وعسى الناس هنا أن يفعلوا للزمان غير شدو عال ؟ ص 15
وعلى مستوى التأملات الفلسفية نكتفي بقول السارد :
هنا تحت الأرض يموت من يموت قبل الموت ويبعث قبل البعث حيا ؛ هنا يدفنون ؛ هنا يوؤدون، حيث لا فرق بين ان تدفن ميتا او توارى تحت ردم حيا ؛ اموات هنا يدفنون اهون ممن ووروا احياء هناك (ص 29)
وعلى مستوى البوح الفلسي نشير إلى أن السارد يقول في الصفحة 65″ شق علي ان ادفن الماضي وامضي وشق على ياسمين ان تعيش الماضي أكثر من مرة ؛ هنا التقينا وهنا افترقنا
كما يحضر الخطاب الفلسفي في الرواية من خلال النقد ؛ فالفلسفة فكر نقدي يسائل ويحتج ولا يذعن البتة ويجسده الجبلي وجبيلو والعالية والسهلي وآخرين ٠
الخطاب المسرحي :
يجزم النقاد بأنه لامسرح بدون صراع؛ والصراع يكون بين شخصيات النص المسرحي إذ تحاول كل واحدة الدفاع عن رايها وموقفها ومصلحتها موظفة آليات معينة بهدف التاثير والإقناع؛ وبالرجوع الى الرواية سنجد انها حبلى بالصراعات بين السكان وجغرافية الجبل الوعرة والقاسية ؛ بين متمردي الجبل ورجال السلطة ؛ بين المؤيدين للمخزن والمناوئين له ؛ بين أطراف تريد واقعا جديدا تنعم فيه بحياة كريمة، وأطراف تريد ابقاء ما كان على ما كان مع قول العام زين ؛ بين المقاومين المغاربة وقوات الاستعمار الفرنسي ؛ بين المقدم علي والجبلي الذي ينظر إليه المخزن على أنه وغد ومشعل للحرائق والفتن..
وعلاوة على ذلك يحضر الخطاب المسرحي في هذا المتن الروائي من خلال هذا المعجم : شكسبير ؛ هاملت ؛ انتيجون ؛ كريون ؛ الركح؛ الخشبة ؛ لارا ؛ المخرج ؛ الضوء ؛ الستار ؛ ديثرامب.
خطاب السخرية :
وظف كتاب القصة والرواية والمسرح السخرية في انتاجاتهم بهدف ايصال رسائل مهمة للمتلقين ؛ وبالاحتكام الى الرواية نجد بان السارد توسل السخرية في عدة مواطن خالقا لها سياقاتها ودواعيها الموضوعية ؛ يقول واصفا جبيلو ” حيث بدت يده ضخمة كقفاز ملاكم في حين شغل أنفه الطويل كانف ديغول نصف الجدار ؛ أما لحيته التي قاطعتها الموسى لسنين فقد بدت كسدرة خاصمها منجل” ص21 ، ويسخر في سياق آخر من نفس الشخص فيقول يضحك جبيلو ساخرا ذات سمر وهو يفتل مزهوا جنبات شنبه الكث حت امسى شبيها بالمنفلوطي ” ص31 ؛ كما سخر السارد من المقدم اذ يقول ” لم يسعف الوقوف على أطراف الأصابع قامة المقدم التي خانها القصر لمجاراة قامة الجبلي الفارعة ” ..
ونقرأ في الصفحة74 ” اشنو قالك راسك انتينا باغي تريب الحفلة مع الصباح ؟ ماكفاكش ضوسيك لكحل ؛ باغي طلع كراد “، المتحدث هنا هو الخليفة ؛ وقد رد عليه جبيلو ” اسمع اسعادة الخليفة انا هنا خدام مع الدولة كيفما سعادتك خدام ٠٠٠وغادي تعرف شكون لي باغي يخدم وشكون لي باغي لكراد مرققا حرف الراء لتنطلق عاصفة ضحك مدو تحول بعدها الى جلبة فطن إليها الخليفة ” ص75 ؛ كما سخر السارد أيضا من المخزن قائلا ” المخزن ما كيجي منو غير ارواس ” ص 155
خطاب الغناء :
يؤثث الغناء رواية حين يزهر اللوز بشكل واضح ؛ وقد التفت السارد في سياق الحديث عن تاريخ الاطلس الشامخ الى اغنية الشجعان لمباركة البهيشية المعروفة بالنيرية والتي تؤرخ عبر الغناء لمقاومة باسلة في السهل والدير ضد المستعمر الفرنسي ؛ ونجد في الصفحتين 34 و35 من الرواية الاغنية التي أبدعتها هذه الفنانة وتعتبر عيطة ملالية صرفة ؛
وبذلك يكون السارد قد اعاد الاعتبار لأغنية طي النسيان ؛ ويطالعنا الغناء أيضا من خلال ستاتي الجبل الذي يجيد العزف على الكمان ؛ يقول السارد في الصفحة 149″ شبان منخطفون وآخرون مدهوشون مما تفعل أصابع الساحر من من نقر وذبح للكمان مقلبا إياه مرات ومرات في الهواء قبل ان يتلقفه من جديد صائحا ايناس ايناس لتجييش المشاعر”..
خطاب الدارجة :
تشكل الدارجة ملمحا مهما فيةالرواية ؛ وتحتاج وحدها إلى مقاربة نقدية وافية قصد رصدها وهندستها على مستوى الدال والمدلول ؛ ونسجل بأن السارد عمد الى توظيفها لإحداث مغايرة على الشكل والأسلوب ؛ وبالتامل في هذه الدارجة نلفي أنها تنزف استعارات تضاهي الاستعارات التي نواجها في النصوص الشعرية القوية ؛ يقول السارد في الصفحة 31 ” الله يرحمها روح الشارجان الحو شيب لفرنسيس بعدما زرطى من جيش الكوم ؛ على ماحكات لي العالية بقى البلوط غير كيشير في الزناقي ” اننا هنا أمام استعارات لافتة تتجلى في :
— شيب لفرنسيس أي خلق لهم متاعب كثيرة
— زرطى من جيش الكوم بمعنى هرب من العسكر
— بقى البلوط غير كيشير في الزناقى بمعنى اطلق الشارجان الحو الكثير من الرصاص في الازقة
ويمكن ان نسوق مثالا آخر للدارجة وهو ” علي ولا عليك اعلي غير سير ” وهنا يمكن ان نجترح هذا السؤال : يمكن للفصحى أن تؤدي دلالة هذا الملفوظ الذي صيغ بدارجة فيها استعارة مبهرة ؟
وإذا ما تساءلنا : لماذا آثر السارد أن ينفتح على الدارجة في هذه الرواية ؟، سنبادر الى القول بان هدفه هو أن يمنح للرواية تعددا لسانيا يكسبها غنى وثراء ٠
وبخصوص الجمالي والفني نرصد أن الرواية تزخر باللغة الشعرية والسرد المشهدي والوصف والتصوير والتشخيص والحوار والمونولوغ والفلاش باك و٠٠٠ ويحتاح البعد الفني والجمالي في رواية “حين يزهر اللوز ” الى دراسة مستفيضة تضيء كل الجوانب التي اسهمت في غنى الرواية من الناحية الفنية والجمالية٠
في قالب روائي فاغم قدم لنا المبدع محمد أبو العلا معرفة ثرة تتعلق بالجبل لم تقدمها لنا كتب التاريخ ابدا ؛ وبذلك يستحق هذا العمل الروائي المبهر ان يلتفت اليه النقاد للوقوف على قيمته وما قدمه من إضافة للسرد المغربي والعربي ؛ وفضلا عن ذلك فهو يستحق أن يحول الى مسلسل تلفزيوني ؛ كما يتعين على وزارة التربية الوطنية ان تدرجه ضمن دراسة المؤلفات بالنسبة لتلاميذ وتلميذات جهة بني ملال خنيفرة لأنه احتفى بالجبل كتيمة ونبش في ذاكرة المكان بلغة الروائي وليس بلغة المؤرخ ٠
تعليقات
0