ندوة بخنيفرة في ضيافة “أنير” لتشخيص واقع “العنف ضد النساء” بعد سنتين من صدور قانون 103-13
أحمد بيضي
السبت 5 ديسمبر 2020 - 21:50 l عدد الزيارات : 21804
خنيفرة: أحمد بيضي
تحت شعار “لا تسامح مع العنف ضد النساء”، واصلت “جمعية أنير للتنمية النسوية والتكافل الاجتماعي”، بخنيفرة، انخراطها في حملة مناهضة العنف ضد المرأة، بشراكة مع اتحاد العمل النسائي، وتمويل من الاتحاد الأوروبي والجمعية الأورو متوسطية، وذلك بتتويج برنامجها بندوة تفاعلية، احتضنها المركز الثقافي أبو القاسم الزياني، عشية الجمعة 4 دجنبر 2020، حول “حصيلة سنتين من الاشتغال بقانون العنف ضد النساء 103-13″، وهو اللقاء الذي عرف حضور فعاليات نسائية، جمعوية، حقوقية، تربوية، إعلامية، ومن قطاعات عمومية مختلفة، بالإضافة إلى عدد من المتتبعين والمهتمين للموضوع ومسؤولي وتلاميذ بعض الأندية التربوية.
اللقاء الذي تميز بمشاركة كل من رئيس اللجنة الجهوية لحقوق الانسان، ذ. أحمد توفيق الزينبي، والمحاميين ذ. امحمد أقبلي وذة. خديجة أبو الحسن، ورئيسة الجمعية المنظمة، ذة. فتيحة حروش، جرى تسييره من طرف الفاعل الجمعوي ذ. لحسن أيت المغروس الذي وضع الحضور في صميم الحدث ودلالاته، فيما تقدمت الطالبة فاطمة الزهراء العمراني بكلمة افتتاحية تناولت من خلالها ظاهرة العنف ضد النساء، واتساعها وتطورها إلى حيث صارت بحاجة إلى دراسة وتمحيص، بينما أشارت في كلمتها لما جاءت به مدونة الأسرة ومقتضيات الدستور حول المرأة مقابل إشكالية العنف الاجتماعي وما يتطلبه الوضع اليوم من تغيير إيجابي.
من جهته، انطلق ذ. أحمد توفيق الزينبي، مما “عرفه المغرب من تقدم في مجال مناهضة العنف ضد المرأة على مستوى التشريع، ومن إصلاحات على مستوى مدونة الأسرة والدستور الحالي، ثم القانون 103-13″، غير أن الوقائع والاحصائيات المسجلة “تنذر بضرورة تفعيل سياسة وقائية مندمجة، ومعالجة الانماط السلوكية والثقافية”، إذ أن أي رقم يتم تحليله ضمن الاحصائيات، يضيف رئيس اللجنة الجهوية، “نقف على أن العنف يرتبط عميقا بالإشكالات المجتمعية”، علاوة على الشكايات التي تنتهي بالتنازل أو بالصلح، ونسبة قليلة جدا التي قد تصل إلى الإدانة، ما يستدعي إعادة النظر في مجموعة من التحليلات والنتائج.
ولم يفت ذ. الزينبي التركيز على الباب الرابع من قانون 103-13، وموضوع التكفل بناء على ما حدده المشرع، ليخرج بخلاصة تدعو إلى “ضرورة الارتقاء بالعناية الواجبة تجاه الأفراد والضحايا”، وتحقيق “آليات جبر الضرر والدعم المادي وتوفير الإيواء، وتنزيل البرامج التي تهم السلوكيات الثقافية”، مع مراجعة مفهوم التكفل والإطار القانوني ككل، فيما تناول المتدخل واقع تعامل المشرع مع ما يتعلق باللجن الوطنية والمحلية والمجتمع المدني، بينما تحدث عن الثغرات القانونية والسياسات العمومية في علاقتها بحملات مناهضة العنف ضد المرأة، وكذا عن المنظومة الثقافية في ارتباطها بالموروث الاجتماعي وتراكمات التقاليد الأسرية.
وبدورها، اختارت رئيسة “جمعية أنير للتنمية النسوية والتكافل الاجتماعي”، ذة. فتيحة حروش، فتح مداخلتها بوقفة من أجل تقييم أولي لمشروع/ قانون 103-13 بعد سنتين من إطلاقه، مستعرضة محطات أساسية من كرونولوجيا هذا القانون الذي وصفته ب “العقيم جدا وغير المواكب لنضالات الحركات النسائية ولا للقوانين المتعلقة بحقوق ومطالب النساء”، فيما واصلت ذة. حروش انتقادها القوي للقانون المذكور باعتباره جاء “بعقلية ذكورية وليس بمقاربة حقوقية”، كما لم يوضح أي تعريف شامل بالعنف والتحرش والاغتصاب، والمؤكد أن فترة الحجر الصحي، حسب المتدخلة، أظهر مدى اهتمام وتفاعل المجتمع المدني مع وضعية النساء خلف أسوار البيوت.
وفي ذات السياق، سجلت ذة. حروش “غياب عدد من المتدخلين في مجال تتبع ورصد وضعية النساء المعنفات”، و”انعدام أية سياسة واضحة حيال ما يتعلق بالتكفل بالنساء ضحايا العنف”، وكذا “غياب دور خلايا التكفل على مستوى المحاكم وأجهزة السلطة والدرك والأمن، حيث ما يزال التعامل مع قضايا النساء المعنفات كباقي القضايا العادية”، وأن “بعض الأحكام الصادرة تكون مجحفة للغاية بالمقارنة مع بشاعة العنف الذي يعترض الضحية المشتكية زائد العوائق التعجيزية”، فيما لم يفت ذة. حروش تجديد مطالبتها بإحداث مركز للاستماع وإيواء النساء المعنفات والمضطهدات، وكذا الأطفال ضحايا العنف والاغتصاب.
ومن جهة أخرى، أكدت رئيسة جمعية أنير على “أهمية المقاربة الحقوقية في مجال مناهضة العنف ضد المرأة، وكيف تقتضي هذه المقاربة النزول إلى الناشئة والمجتمع العام بدل الارتكاز على مواقع التواصل الاجتماعي”، بينما تحدثت بالتالي عن “المقاربة النفسية المغيبة بجلاء على مستوى المحاكم والقطاعات المعنية”، فيما أعربت عن تأسفها إزاء “استخفاف الجماعات الترابية بالمشاريع والبرامج ذات الصلة بالنساء ومراكز إيوائهن، وبما يضمن حمايتهن من التشرد والعنف والمصير المجهول”، دون أن يفوت المتدخلة استعراض تجربة جمعيتها في التواصل مع القطاعات العمومية والمؤسسات العمومية، وفي الحملات التحسيسية والحقوقية.
أما المحامية، ذة. خديجة أبو الحسن، فاختارت قراءة الوضع من زاوية اشتغالها بالمجال القانوني، انطلاقا من تعريفها بمفاهيم العنف، الجنسي منه والنفسي والاقتصادي، والعقوبات التي يجري تطبيقها على المستوى القانوني، فيما توقفت للحديث عن “القانون المسطر والأحكام الصادرة مقابل إشكالية التنازل عن المتابعات التي تخلق ارتباكا وإحباطا بالجهاز القضائي”، وإلى جانب تناولها لبعض الاحصائيات المتعلقة بنسبة الشكايات المطروحة على مكاتب القضاء من جانب المعنفات وغيرها من القضايا الأسرية، لم يفت المتدخلة دعوة وزارة العدل إلى إحداث وتجهيز مرافق خاصة للتكفل بالمعنفات إلى حين صدور الأحكام.
وبينما رأت أن ما جاء به قانون 103-13 ما يزال خارج تغطية التفعيل بالشكل المطلوب، وبعيدا عما يتعلق بتجريم الأفعال التي تشكل عنفا ضد المرأة، أشارت المتدخلة ذة. خديجة أبو الحسن إلى “ما يصيب النساء من إحباط ويأس لدى تقدمهن للدرك أو الأمن للتشكي، سيما المنتميات منهن للفئات الهشة والطبقات المهمشة”، قبل انتقالها بمداخلتها للتطرق لما وصفته ب “خلو المحاكم من نفسانيين ومساعدين اجتماعيين مختصين بشكل أو قرار رسمي يؤكد مهمتهم بصورة قانونية”، قبل أن تعرج ذات المتدخلة على مستجدات القوانين الوطنية، وبعض المقتضيات الزجرية التي تتضمنها هذه القوانين.
ونظرا لتعذر حضور المحامي ذ. امحمد أقبلي، بسبب التزاماته الخاصة، تمت تلاوة مداخلته من طرف إحدى الطالبات، متناولا “ما تواجهه النساء المعنفات من عراقيل تحول دون لجوئهن إلى السلطات المعنية بتفعيل القانون، وتتعلق أساسا بالحق في الولوج الى العدالة”، وهي “عراقيل إما ثقافية تتمثل في الموروث المطبع مع ظاهرة العنف ضد النساء، أو عراقيل قانونية تتمثل في عدم وضوح الإطار التشريعي وتحميل الضحية عبء الاثبات”، أو “عراقيل اقتصادية تتمثل في ضعف الامكانيات وغياب المساعدة القانونية والقضائية”، أو “عراقيل نفسية تتمثل في الخوف وفقدان الأمل في الانصاف”، أو عراقيل إجرائية تتعلق بسلوك بعض الجهات المعنية بالقانون.
وبعد تركيز ذ. أقبلي على أهمية الموضوع والأهداف وسبل التطبيق العملي لقانون 103-13، والصعوبات المتجلية مثلا في ندرة الأحكام المنشورة، قام بقراءة في إحصائيات العنف الممارس ضد المرأة، والواردة في تقرير رئاسة النيابة العامة لسنة 2018، وكيف أنه “بالرغم من دخول القانون المذكور لحيز التنفيذ، خلال هذه السنة، أخذ الجهاز الاحصائي لرئاسة النيابة في “رصد المزيد من المتابعات من أجل جنح جديدة أقرها قانون محاربة العنف ضد النساء”، منها جنح التعنيف الجسدي، والطرد من بيت الزوجية، والامتناع عن ارجاع الزوجة للبيت، والتحرش الجنسي بالفضاءات العملية والعامة والنظام المعلوماتي.
وفضلا عن إشارة ذ. أقبلي لعدم كشف رئاسة النيابة العامة عن عدد الملفات التي تم حفظها، وأسباب الحفظ، وقف على “العدد الكبير من الشكايات التي تم تسجيلها بمخافر الشرطة والدرك، وبخلايا التكفل بالنساء المعنفات، ولم تجد طريقها للمحاكم، إما بسبب التنازل أو بانعدام الإثبات، أو بسبب إهمال المشتكيات لشكاياتهن”، وغيرها، فيما سجل عدة ملاحظات أساسية، التي منها واقع تخفيف العقوبات في حق المدانين في جرائم العنف ضد النساء، ما يعكس، حسب المتدخل، نوعا من “التساهل مع خطورة الأفعال الجرمية وشكلا من أشكال التطبيع معها”، وغالبا ما يتم تعليل التخفيف بانعدام السوابق القضائية.
الندوة كانت مناسبة هامة للتفاعل بين المشاركين والحضور، حيث تميزت بعدد من التدخلات والنقاشات التي حملت الكثير من الآراء والتصورات والمقترحات، وتناولت في مجملها ظاهرة العنف في شموليته، والعنف ضد النساء كسلوك على المستوى البسيكولوجي، والصورة الذهنية والمجتمعية المعاشة تجاه المرأة وظروف التعامل معها، وواقع المنظومة والمقررات التربوية إزاء موضوع المرأة وقيم التسامح والمساواة ونبذ العنف، ومدى حياد مصالح الدرك والأمن والقطاعات المعنية بخصوص ظاهرة العنف ضد المرأة، فيما حملت تدخلات أخرى إشكالية الاجهاض والميراث بالنسبة للنساء، وحقوق المرأة في الشريعة الاسلامية.
كما تنوعت تدخلات الحضور بين أسباب وأصول العنف، ومدى وجود الحماية القانونية المطلوبة للنساء المعنفات، ومتى يكون العنف أكبر من صراع بين رجل وامرأة؟، وما معنى حشو القوانين الأساسية للعديد من الجمعيات بما يتعلق بالدفاع عن مطالب وحقوق المرأة دون قيام أي من هذه الجمعيات بأي دور أو صوت في هذا الشأن؟، بينما أبدى أحد المتدخلين رأيه حول قاسم القيم بين الفلسفة والتربية الاسلامية بخصوص العنف، وكل التدخلات جرى التفاعل معها من جانب المشاركين في أشغال الندوة التي انتهت بإجماع الحاضرين على ضرورة تعزيز الضمانات والمكتسبات التي تروم النهوض بأوضاع وحقوق النساء.
تعليقات
0