صلاة التراويح .. عطلت إقامتها الأزمات وأعدم الفاطميون مصليها وكان الإمام الشافعي يؤديها ببيته

محمد اليزناسني الإثنين 4 أبريل 2022 - 21:40 l عدد الزيارات : 19542

أثير جدل كبير في المغرب خلال فترة الحجر الصحي حول إقامة صلاة التراويح من عدمها  خاصة بعد دعوة المجلس العلمي الأعلى المغاربة إلى أداء صلاة التراويحقبل سنتين بالمنازل في رمضان لأجل الحفاظ على حياة المصلين من انتشار فيروس كورونا .

محمد عبد الوهاب رفيقي الملقب بـ “أبو حفص”، الباحث الحالي في الشأن الديني ، قال في تدوينة نشرها على حائطة بالفايسبوك  أنه لا يفهم كل هذا اللغط حول صلاة التراويح علما أن صلاة التراويح لا هي فريضة ولا حتى سنة، ولا تعرف في العهد النبوي ولم يجمع النبي عليه الصلاة والسلام الناس عليها، وإنما هي بدعة ابتدعها عمر بن الخطاب عندما لاحظ أن الناس يصلونها فرادي متفرقين – دائما حسب ماورد في تدوينة أبو حفص – فارتأى أنه من الأفضل أن يجمعهم على إمام واحد، وطلب من الناس العودة لصحيح البخاري للتأكد من صحة قوله.

من جهته اعتبر، مصطفى بنحمزة عضو المجلس العلمي الأعلى، أن التراويح سنة من سنن عمر بن الخطاب، مضيفاً أن الصلاة وراء التلفاز ووسائل التواصل الإجتماعي ، نوع من التشدد لا داعي له، لأن صلاة الفرد وحده تكفي.

هذه السنة تم السماح بإقامتها بعد تراجع معدلات الإصابة بفيروس كورونا ؛ ومع ذلك سنقدم نبذة تاريخية عن صلاة التراويح  فنروي باختصار كيف ‏بدأت منذ فجر الإسلام، ونرى بعض ما اعتراها تاريخيا من مسحات اجتماعية كادت تخرجها من حيز ‏العبادات إلى دائرة العادات ، ونكشف جانبا من تأثرها بتاريخ المسلمين ومؤثراته المختلفة عقديا وفقهيا ‏وسياسيا ‏واجتماعيا، وكيف تعطلت أحيانا بعوامل مختلفة، ثم نعرض لذكر مشاهير من أعلام جمْعها أئمةً ومأمومين. ‏وسنكتشف -أثناء ذلك كله- أن كثيرا من ‏ممارساتنا المقترنة بهذه الشعيرة العظيمة لم تكن وليدة اليوم، بل ورثناها منذ حقب متطاولة. 

 

حكمها بين السنة والشيعة

هي الصلاة التي تصلى جماعة في ليالي رمضان ، والتراويح جمع ترويحة، سميت بذلك لأنهم كانوا أول ما اجتمعوا عليها يستريحون بين كل تسليمتين، كما قال الحافظ ابن حجر، وتعرف كذلك بقيام رمضان.

 عند أهل السنة  

قيام رمضان في جماعة مشروع سنه الرسول عليه الصلاة والسلام ولم يداوم عليه خشية أن يفرض.

عن عائشة أن النبي  عليه الصلاة والسلام خرج ليلة من جوف الليل فصلى في المسجد ، وصلى رجال بصلاته ، فأصبح الناس فتحدثوا ، فاجتمع أكثر منهم ، فصلى فصلوا معه ، فأصبح الناس فتحدثوا  فكثر أهل المسجد من الليلة الثالثة ، فخرج رسول الله فصٌلِّي بصلاته ، فلما كانت الليلة الرابعة عَجَزَ المسجد عن أهله حتى خرج لصلاة الصبح ، فلما قضى الفجر أقبل على الناس فتشهد ثم قال: أما بعد أن لم يخف عليِّ مكانكم ، ولكني خشيتٌ أن تفرض عليكم فتعجزوا عنها ، فتوفي رسول الله والأمر على ذلك ».
ولما مات  الرسول صلى الله عليه وسلم أحيا هذه السنة عمر ، فقد أخرج البخاري في صحيحه عن عبد الرحمن بن عبد القاري أنه قال: “خرجت مع عمر بن الخطاب ليلةً في رمضان إلى المسجد أن الناس أوزاع متفرقون يصلي الرجل لنفسه ، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرَّهط ، فقال عمر: إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل ، ثم عزم فجمعهم على أٌبي بن كعب ، ثم خرج معه ليلة أخرى ، والناس يصلون بصلاة قارئهم ، قال عمر: نعم البدعة هذه ، والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون ـ يريد آخر الليل ـ وكان الناس يقومون أوله ».

 عند الشيعة 
تعتقد الشيعة بأن صلاة التراويح كانت بدعة وسنة من الخليفة عمر رضي الله عنه، هو الذي جمع الناس على إمام واحد ولم يشرعها النبي ولم يسنها.

كما قالها بنفسها بأنها ليست من تشريع النبي بل هي بدعة ابتدعها إلا أنه وصفها أنها بدعة حسنة.

و يؤكدون بأن النبي كان قد نهى عنها كما رواه البخاري : « حدثنا عبد الأعلى بن حماد قال حدثنا … أن رسول الله يجعل حجرة قال :  حسبت إنه قال من حصير في رمضان فصلى فيها ليالي ، فصلى بصلاته ناس من أصحابه فلما علم بهم جعل يقعد ، فخرج إليهم فقال قد عرفت الذي رأيت من صنيعكم ، فصلوا أيها الناس في بيوتكم ، فإن أفضل الصلاة المرء في بيته إلا المكتوبة. » 

و اتفقوا تبعاً لأئمّتهم أهل البيت على أنّ نوافل شهر رمضان تقام فرادى. بتضافر رواياتهم حول هذه الصلاة كما روى الشيخ الطوسي عن أبي عبد اللّه ، قال: سألته عن الصلاة في رمضان في المساجد؟ قال: «لمّا قدم علي بن أبي طالب الكوفة أمر الحسن بن علي أن ينادي في الناس:« لا صلاة في شهر رمضان في المساجد جماعة »

المنع السياسي لصلاة التراويح

أشرنا سابقا للخلاف الطائفي في مدى شرعية التراويح؛ ولكن المنع السياسي لإقامتها المؤيد بقوة السلطان كان أقوى تأثيرا من تلك الآراء الفِـرَقية التي ظلت محدودة الانتشار زمانا ومكانا؛ فقد عُرف الفاطميون –وهم مؤسسو دولة الشيعة الإسماعيلية- بمنع صلاة التراويح في حقب من تاريخ حكمهم الذي شمل الغرب الإسلامي ومصر والشام والحجاز. فقد خاطبوا أتباعهم -وهم ما زالوا في طور الدعوة قبل تأسيس الدولة- قائلين: “مذهبنا ألا تُصلَّى التراويح لأنها ليست من سنة النبي (ص) وإنما سنها عمر”.

ويخبرنا سبط ابن الجوزي (ت 654هـ) أن الخليفة الفاطمي المنصور إسماعيل بن القائم بأمر الله (ت 334هـ) خالف سيرة أبيه وجدِّه في الحكم فـ”أقام التراويح والسُّنن” في تونس قبل خروجهم منها إلى مصر. وأفاد المؤرخ ابن سعيد الأنطاكي (ت 458هـ) بأنه في سنة 370هـ منع الخليفة الفاطمي العزيز بالله (ت 386هـ) صلاة التراويح بمصر فـ”عظُم ذلك على كافة أهل السُّنة من المسلمين”.

لكن خلَفـَه الحاكم بأمر الله (ت 411هـ) سمح بإقامتها مؤقتا ثم منعها عشر سنوات حتى كانت عقوبة من يصليها الإعدام؛ فقد قال المقريزي إنه في سنة 399هـ أمر الحاكم بـ”قتل رجاء بن أبي الحسين من أجل أنه صلى صلاة التراويح في شهر رمضان”. وفي المسجد الأقصى بالقدس ضُرب الشيخ الصالح أبو القاسم الواسطي (ت القرن 4-5هـ) حتى أوشك على الهلاك لأنه اعترض على “أمر السلطان ]الفاطمي[ بقطع صلاة التراويح ».

ثم سمح الحاكم بصلاتها مرة أخرى سنة 408هـ وأصدر بذلك قرارا رسميا قرئ في مساجد مصر وغيرها، فاستمرت إقامتها حتى وفاته؛ وكانت دوامة المنع والإذن تلك للتراويح من أمثلة قرارات الحاكم المزاجية التي عُرف بها عهده المتقلب المواقف والقرارات.

وفي الجناح الشرقي من الخلافة العباسية؛ منع “الحشاشون” -وهم فصيل إسماعيلي منشق عن الدولة الفاطمية الأمّ بمصر- صلاة التراويح بالمناطق التي سيطروا عليها في فارس وخراسان، ثم سمحوا بإقامتها في نهاية عمر كيانهم. فقد ذكر المؤرخ ابن تغري بردي (ت 874هـ) أنه في سنة 608هـ “قدم بغدادَ رسولُ جلال الدين حسن (ت 618هـ) صاحب [قلعة] ألَمُوتْ يخبر الخليفة [الناصر العباسي (ت 622هـ)] بأنهم تبرؤوا من الباطنية، وبنوا الجوامع والمساجد…، وصلّوا التراويح في شهر رمضان؛ فسُرَّ الخليفة والناس بذلك”.

ولم تكن القرارات السياسية المدفوعة بالتحيزات المذهبية هي الوحيدة التي تعطلت بسببها التراويح؛ إذ ترصد كتب التاريخ بعض الأزمات العامة أو الحروب التي تزامن وقوعها ببعض البلدان الإسلامية مع حلول رمضان، فتوقفت جراءها صلوات الجماعة -بما فيها التراويح- كليا أو جزئيا. فقد أورد ابن الجوزي -في أحداث سنة 439هـ- أنه “في رمضان غلا السعر ببغداد، وورد كتاب من الموصل أن الغلاء اشتد بها حتى أكلوا الميتة، وكثر الموت حتى إنه أحصِي جميع من صلى الجمعة فكانوا أربعمئة”. وإذا تعطلت الجمعة في رمضان -وهي شعيرة واجبة الأداء- فمن باب أولى أن يتوقف المصلون عن إقامة التراويح وهي نافلة.

وفي الغرب الإسلامي يقدم لنا المؤرخ المغربي أبو العباس الناصري (ت 1315هـ) -في كتابه ‘الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى‘- نصا صريحا في تعطل التراويح بسبب الاضطراب الأمني؛ فيقول إنه “لما قُـتل السلطان عبد الملك بن زيدان (السّعدي سلطان المغرب المتوفى 1040هـ)… بويع أخوه الوليد بن زيدان (ت 1045هـ)…، وعظمت الفتن بفاس حتى عُطلت الجمعة والتراويح من جامع القرويين مدة، ولم يصلِّ به ليلة القدر إلا رجل واحد من شدة الهول والحروب »!!

تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على Google News تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على Telegram

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

تعليقات

0

مقالات ذات صلة

الثلاثاء 22 أبريل 2025 - 10:57

وضعية تحملات وموارد الخزينة تفرز حاجيات تمويل بقيمة 15,5 مليار درهم

الثلاثاء 22 أبريل 2025 - 10:51

المجلس الأعلى للسلطة القضائية يناقش مستقبل التكنولوجيا الحديثة في المجال ‏القضائي

الثلاثاء 22 أبريل 2025 - 10:50

مندوبية التخطيط تقف عند ارتفاع الأسعار…

الثلاثاء 22 أبريل 2025 - 10:44

جماعة سيدي قاسم تبرمج فائض ميزانية 2024 في مشاريع لإعادة الهيكلة والبنية الكهربائية والحماية من الفيضانات

error: