الواقع، التشظي … والراهن المغربي بعيون شعراء الألفية الثالثة

أحمد بيضي الأحد 25 أبريل 2021 - 23:11 l عدد الزيارات : 20612
  • كريم أيوب (°)

إذا فتحنا باب الواقع، فليس الغرض منه ذلك المنظور السياقي السوسيولوجي للخارج، ولكنه نص، وأحد ركائز قصائد الراهن الحداثية، لابد وأن ننظر في حضوره وغيابه، وعلى أي أس يتشكل نص الخارج – الواقع، ضمن نص الداخل – القصيدة، ليكونا معا نصا آخر قد يتكون به معنى وفهما ما لحضارة النزول إلى الشارع

لقد تردد هذا النزول في كثير من البلاد العربية، وتوهج منذ انطلاق حراك الربيع العربي وحركة عشرين فبراير بالمغرب، وما يزال هذا الخروج إلى الشارع مستمرا إلى أيامنا هذه، ولا يكاد يوما نمر به من جانب برلمان المغرب دون أن نرى المحتجين من كل صنف، لم يعد الصراخ صعبا، ولكنه يُحدث هوة كبيرة بين الذات وواقع النظام، حيث يكون المجاز رتقا لهذا الفتق الجديد. فكثير من الكتابات الشعرية المعاصرة حاولت ترجمة “التشظي” الراهني على مستوى الخارج إلى تشظي جديد داخل النص الشعري.

إن هذه التيمة تطبع مسار قصيدة جديدة يتكسر فيها كل جانب، هناك بعض القصائد من تحاكي موضوعات قد تخرج عن الواقع المادي أو الاجتماعي عموما، وقد يكون ذلك هروبا من وقر الصراخ المتكرر الصاخب، ولكن سمة التظشي هذه أضحت علامة بارزة داخل شكل ومعاني القصيدة، على القارئ اليوم أن يبحث عن المعنى الشعري داخل كل أجزاء القصيدة المتفرقة، وليس بمجرد النظر في سطرها أو إطارها، ذلك أن لا إدراك تقدمه القصيدة المغربية اليوم إلا في ضوء البحث عن لمِّ التشظي، أما أغلب الكتابة اتخذت هذه السمة إدراكا واكتفت به، فجعلته معنى في ذاته.

ولكن ما الشعر إن لم يكن وليد عصره؟، ماذا لو لم يكن هناك أي حضور للخارج في النص؟، هل كنا سنعرفه بنفس المنظور الذي يقدمه الأدب؟، حتى سارتر حين تساءل حول ما الأدب؟، (1) لابد وأن سؤاله كان محملا بجزء مهم من إشكالات الخارج، وإلا سيقتصر الأدب، بما فيه القصيدة، على الجانب الإستطيقي فقط، ولن يكون له أي دور في تحريك الركود أو بدء النهوض. والشعراء المغاربة في يومنا، منحوا القصيدة حق التجول بين قضايا الواقع المنهك حتى أنهكوها، أما القارئ فيكاد يطرح أكثر من تأويل لكل سطر، ذلك أن القصيدة أضحت منفتحة على الواقع بكل ما فيه من تجليات ظاهرة وباطنة.

لنعيد بسط هذا السؤال: كيف هو الراهن المغربي بعيون شعراء الألفية الثالثة؟

 هو واقع تائه، واقع غير موزون، راهن مكسور تماما كما أجنحة الشعر وقد لجأ أصحابه إلى التخلي عن القيد، إلى التعرية ومحاولة الاقتراب من كنه الحاصل.

 هو راهن غامض، لا يوجد فيه معنى واحدا، وأحيانا يكون غياب المعنى هو المعنى الوحيد الظاهر ولا شيء غيره، تبحث فيه القصيدة كما تبحث في الفراغ.

 هو خارج يملك قوة الصراخ وتحطيم الجاهز، جعل القصيدة تصرخ بكل ما أوتيت من حروف، غير أنها لم تصل بعد إلا لمزيد من التيه والغموض المنتشر على مدى الزمن.

إن حضور الخارج في القصيدة المغربية المعاصرة، هو حضور التيه والغموض والصراخ، مستويات ثلاثة دأب شعراء التفعيلة والنثيرة معا على تبنيها، إذ وجدوا فيها ما يشكل نصف معنى يستنيرون به في ظل غياب المعنى الكامل، الغير موجود لا واقعا ولا شعرا.

1-Jean-Paul Sartre : qu’est ce que la littérature ? paris, Gallimard, 1948, p 11 (1) 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(°) شاعر وناقد، من أعماله ديوان “أزهار أرض باخوس”
تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على Google News تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على Telegram

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

تعليقات

0

مقالات ذات صلة

الثلاثاء 22 أبريل 2025 - 13:34

استكتاب مفتوح أمام الباحثين للمشاركة في مشروع تاريخي حول “بلاد تادلا وزيان بين 1912 و1956”

الثلاثاء 22 أبريل 2025 - 12:45

لقاء بالرباط لتعزيز التعاون بين النقابة الوطنية للصحافة المغربية والمركز القطري للإعلام

الثلاثاء 22 أبريل 2025 - 10:51

المجلس الأعلى للسلطة القضائية يناقش مستقبل التكنولوجيا الحديثة في المجال ‏القضائي

الثلاثاء 22 أبريل 2025 - 06:41

يحيى الفخراني شخصية العام الثقافية بالمملكة المغربية

error: