الباحث جواد التباعي ينال شهادة الدكتوراه عن بحثه حول “نماذج من التراث الثقافي ببلاد زيان”

أحمد بيضي الجمعة 2 يوليو 2021 - 22:31 l عدد الزيارات : 30196
  • أحمد بيضي

شهدت رحاب كلية الآداب والعلوم الانسانية سايس، لجامعة سيدي محمد بن عبدالله، بفاس، صبيحة يوم الخميس فاتح يوليوز 2021، مناقشة أطروحة ابن منطقة أكلموس، بإقليم خنيفرة، الباحث جواد التباعي، لنيل شهادة الدكتوراه في موضوع “نماذج من التراث الثقافي ببلاد زيان – من العصر الوسيط إلى الزمن الراهن: دراسة وتثمين“، والتي حصل فيها على هذه الشهادة بميزة مشرف جدا، مع توصية بالطبع وتنويه خاص من لجنة المناقشة، وكما أشرف الدكتور الحاج موسى عوني على البحث، تشكلت لجنة المناقشة من د. محمد حاتمي (رئيسا)، د. محمد العمراني ود. لحسن تاوشيخت (عضوين).

وبينما وجهت لجنة المناقشة تهنئة خاصة وحارة لمنجز العمل، د. جواد التباعي، وصفت هذا العمل بمثابة موسوعة تاريخية وعلمية حول تراث منطقة زيان، يشعر من خلالها القارئ أنه يتجول ميدانيا مع الباحث في جولة عبر معالم التراث الزياني، فيما لم يفت اللجنة اعتبار العمل عملا مؤسساتيا، كان من المفروض أن تقوم به الجهات الوصية، ويتطلب مجهودا جبارا تتدخل فيه العديد من المؤسسات والفاعلين،  ونصحت بتقديم العمل للجهات المسؤولة والمهتمة، ومنها أساسا مجلس الجهة، من أجل القيام بطبعه، باعتبار هذا المجلس المعني الأول بكل المقترحات والمعلومات الواردة في البحث، وستمنح للطالب توصية بذلك.

ووفق ورقة تتعلق ببحث الأطروحة، الذي يتألف من 560 صفحة، وسيساهم لا محالة في إغناء خزانة البحوث المغربية التاريخية، خاصة حول “التراث الثقافي ببلاد زيان”، فينطلق من إشكالية مركزية حاول فيها د. جواد التباعي رصد “مظاهر الاستمرار والتحول في التراث الثقافي الأصيل لبلاد زيان، ومدى مساهمته في تحقيق التنمية المحلية وحفظ جزء مهم من الهوية الوطنية”، جامعا فيها بين “التوثيق التاريخي وخلاصات البحث الأثري والرواية الشفوية المقارنة لتعزيز المعطيات المكتوبة وسد بياضات المعرفة التاريخية”، فيما انفتح على بعض العلوم المساعدة كالجغرافيا وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا وعلم المتاحف، والقانون.

وأكد الباحث أن اشتغاله على هذا الموضوع جاء لكون المنطقة “لم تحظ بالاهتمام الكافي من لدن الباحثين المغاربة”، ويتضمن، بين فصوله، دراسة تعريفية ببعض “المعالم التاريخية التي لاتزال قائمة، والاعتماد على المضامين التاريخية والبقايا الأثرية والمعالم التي اندثرت أو أوشكت على ذلك”، فيما تم الاعتماد على “مجموعة مختلفة من الوثائق المخزنية، وعلى الجريدة الرسمية للمملكة، وبعض وثائق الأرشيفات الوطنية والأجنبية، ورحلات وتقارير ضباط الاستعلامات الفرنسية”، ولم يفت الباحث الاطلاع على تقارير البعثات الأركيولوجية إلى موقعي “فازاز” و”معدن عوام” وما تضمنته من مستجدات البحث الأثري بالمنطقة.

واعتمد الباحث د. جواد التباعي، في البيبليوغرافيا العربية، على مصادر ومراجع متعددة، حصل عليها “من خلال جولات عديدة بين رفوف الخزانات والمكتبات العامة والخاصة، وعلى مجموعة من المصادر الأجنبية التي كتبت باللغة الفرنسية، وأخرى مترجمة إلى العربية، إلى جانب الاستناد على كتب ومجلات كولونيالية للمساعدة في الإمساك بالخطوط العريضة للموضوع”، مع “توظيف عناصر الثقافة الشعبية، من أقوال وأمثال وأهازيج مأثورة، والاستعانة بالرواية الشفوية المقارنة في توثيق التراث اللامادي والأحداث التي عاشها المستجوبون أو كانوا قريبين منها لملء البياضات، مع توخي الحيطة المطلوبة في هذا الشأن.

وجاءت أطروحة “نماذج من التراث الثقافي ببلاد زيان” في باب تمهيدي وبابين رئيسين، تم خلالها تناول حدود الموضوع، والإطارين الطبيعي والبشري للأطروحة، والجوانب الاقتصادية والاجتماعية المساعدة على فهم العديد من مظاهر تراث المنطقة، وأهم مظاهر التراث الأركيولوجي ببلاد زيان في مبحثين ركز الأول على التعريف بمدينتي فازاز ومعدن عوام الوسيطتين، مع تقديم خلاصات البحث الأثري حولهما، فضلا عن جوانب جديدة في تاريخ وتراث الزاويتين الدلائيتين، مع تقديم اقتراحات لتثمين هذه المواقع، فيما تم تناول أهم الملامح من التراث الثقافي بمدينة خنيفرة العتيقة، من زوايا وقناطر وقصور وقصبات.

كما تتضمن فصول الأطروحة/ البحث أيضا أبرز أضرحة بلاد زيان، من خلال أربعة مباحث، تناول أولها الإطار التاريخي لضريح أبي يعزى وضريح التستاوتي، ودرس الثاني مكوناتهما المعمارية، وسلط الثالث الضوء على موسم مولاي بوعزة كنموذج لمواسم الأضرحة ببلاد زيان، فيما تناول المبحث الرابع نبذة عن أضرحة سيدي بوعباد ونماذج من أهم أضرحة وزوايا باقي قبائل زيان، منها الزاوية الناصرية بتامسكورت، وأهم زوايا الشرفاء العلويين وغيرهم من شرفاء أرض زيان، ثم العمارة العسكرية التي تم التركيز فيها على قصبة أدخسان، ومعطيات جديدة عن قصبة منت، وجوانب مهمة من تراث قصبة موحى اوحمو الزياني.

وبخصوص “القناطر ومواقع الذاكرة التاريخية ببلاد زيان” فتطرق لها الباحث في مبحثين، تناول أولهما أهم القناطر التاريخية من خلال نماذج، منها قنطرة البرج ومْزضْ إلفَانْ (mzdilfan) وقنطرة واد كرو (Grou)، ثم أهم مواقع الذاكرة التاريخية، خاصة موقع أجدير إزيان، وضريح موحى اوحمو الزياني، ودار المقاومة بجن الماس، فيما تناول “المخازن الجماعية والعمارة السكنية القروية ببلاد زيان”، من خلال مبحثين: تطرق بالتفصيل لنماذج من المخازن الجماعية، مع إبراز أهم أنواع وخصوصيات العمارة السكنية القروية، ونماذج من التراث الثقافي اللامادي ببلاد زيان الدراسة.

ومن جهة أخرى، تناول الباحث د. جواد التباعي، في ذات الأطروحة، أهم الصنائع التقليدية التي ضمنت عيش الزيانيين ببلاد زيان، وذلك من خلال سبعة مباحث، عرف فيها بالنسيج الزياني، أنواعه، مراحله، خصوصياته، أسواقه، وأهميته التراثية والثقافية، إلى جانب ما يتعلق بالدباغة التقليدية وصناعة الجلد ببلاد زيان، والحدادة التقليدية وصناعة وطرق التزود بالأسلحة، وصناعة الفخار التراثي وسبل المحافظة عليها، إلى جانب باقي الصنائع التراثية كصناعة الخشب، وصناعة البرادع والشواري، وصناعة الدوم والقصب، ليأتي المبحث السابع على شكل مظاهر ومقترحات لتثمين الصناعة التقليدية الزيانية.

وبالتالي تناولت الأطروحة جوانب من التراث الفلاحي الزياني (المنازل الفلاحية، طقوس الرعي والانتجاع ومكانة الخيمة في استمراريتها)، تم التطرق فيها لدراسة منازل السنة الفلاحية وأهم مظاهر التراث الثقافي الفلاحي الزياني، فيما نفض البحث الغبار عن نماذج من عادات وتقاليد الانتجاع ببلاد زيان منذ عهد الحماية، وعن أهمية الخيمة في المجتمع الزياني ومكوناتها وأنواعها، مع دراسة أسواق بلاد زيان، ومواقع وتنظيم هذه الأسواق وأهميتها الثقافية، ووضعيتها قبل وخلال وبعد الحماية، فضلا عن نماذج من أشكال التكافل الاجتماعي خاصة تاضا (طاطا) والتويزة وأكًدال والوزيعة (لوزيعت).

ومن خلال ثلاثة مباحث، تطرق الباحث ل “جوانب من اللباس والحلي ببلاد زيان”، مسلطا فيها الضوء على أهم الألبسة التراثية للرجال والنساء، ولنماذج من الحلي النسائية وأدوات الزينة التراثية بالمنطقة، كما أبرز مميزات الوشم ببلاد زيان، فيما تطرق للأدب الشعبي والتعبير الموسيقي والحركي بهذه البلاد، حيث عالج ما يتعلق بالمسرح الشعبي وفن الألغاز، ثم لأهم خصوصيات الشعر والغناء الشعبي، ومميزات أحيدوس زيان، مع بسط نماذج من المشاريع المنجزة لتثمين التراث الثقافي ببلاد زيان، وبعض المقترحات لتحقيق ذات الغاية من خلال استثمار المؤهلات الثقافية في مسارات سياحية موضوعاتية.

وختم الباحث أطروحته القيمة بعدة خلاصات وصف فيها أرض زيان ب “حقل خام للبحث والاستكشاف والمشاهدة” وكيف “يستفيد تراث زيان المادي من تعدد روافد الهوية الثقافية، خاصة المعالم الأثرية التي تبرز حجم مساهمة المنطقة في صنع تاريخ البلاد”، وكيف “تجسد كثرة القناطر والجسور التاريخية المكانة الاستراتيجية لمنطقة شكلت ممرا سلطانيا بين العواصم التقليدية”، وكيف “يفوق انتشار التراث اللامادي على أرض زيان نظيره المادي بالنظر لتأخر التدوين وغلبة الطابع الشفهي على ثقافة المنطقة”، إلى جانب ما يتعلق بالتحف الفنية الرائعة التي تجسد تفوق إبداع المرأة الأمازيغية.

وقام الباحث بتشخيص بلاد زيان ك “أكبر قبائل العرف قبل الحماية، لتتخذه سلطاتها بعيد احتلال خنيفرة قاعدة لقوانينها العرفية في كل البلاد” فيما خلص إثنوغرافيا إلى الإشارة ل “نجاح الزيانيين في ضمان استمرارية ملابسهم التراثية كالجلباب والسلهام، والشربيل، والحنديرة وليزار والشقة… مع الحرص على مواكبتها لروح العصر”، وفي المجال الفني خلص الباحث إلى ما يؤكد “استطاعة الزيانيين تكييف فن الحلقة مع أحزانهم وأفراحهم اليومية التي أنجبت فنانين كبار أمثال “لحسن أزايي”، واستمرار الشعر لغة قوم لم تكن لهم لغة أبلغ منه، رغم غياب أو ضعف التدوين”، ثم ما يتعلق بفن أحيدوس الذي ما تزال شهرته حية داخل البلاد وخارجها.

ومن التوصيات التي ختم بها الباحث أطروحته، الدعوة للتعجيل بإحداث مندوبيتين للثقافة والسياحة بإقليم خنيفرة، وتشخيص التراث المعماري الزياني المحلي وصيانته بعقد شراكات مع هيئات ومنظمات دولية ومهندسين، ومؤرخين وأركيولوجيين ومقاولين ذاتيين وجامعات، ومؤسسات خاصة لإنقاذ وترميم وكشف المغمور منه، مع تأهيل الكفاءات البشرية القادرة على إحداث ورشات للبحث، والدراسات التقنية والتنقيب والترميم بالمواقع الأثرية، وداخل النسيج العتيق للمدينة القديمة وفق المعايير التقنية والعلمية، وتشوير وإنارة المواقع التاريخية والترويج لها بشراكة مع معهد الآثار والتراث، وتفعيل مشروع بناء متحف تفاعلي للتاريخ والتراث الثقافي بالمنطقة.

أما باقي التوصيات فدعت في مضمونها إلى تعيين نقباء مثقفين للشرفاء والأضرحة والزوايا التي ليس لها نقيب للفصل بين (الديني) والخرافي من الممارسات، ودعم المجال الثقافي بترميمهما وفق المعايير الوطنية، وإحياء دور المدارس القرآنية كمتاحف ومكتبات، مع عرض التراث المحلي المنقول في متاحف قارة وموسمية، ومتاحف المواقع السياحية، وتفعيل شرطة التراث، وإتاحة المعرفة للجميع برقمنة المخطوطات والكنانيش والمعلومات المتعلقة بالمواقع الزيانية على اختلاف أشكالها وتضمينها في “السجل الوطني للجرد”، فضلا عن ضرورة النهوض بالصناعة التقليدية بتكوين شباب في الحرف المهددة بالاندثار.

وأوصى الباحث بدعم البنية الطرقية بالمحاور الجبلية، وتحسين أسلوب التشوير والإرشاد، بإعداد دلائل ولوحات تشويريه تحمل خرائط ومعلومات حول مؤهلات المنطقة بلغات مختلفة، لفتح الأفاق نحو استكشاف المواقع المغمورة”، مع إنتاج برامج وأفلام وثائقية تعريفية بالتراث الزياني، وتقديمه في المهرجانات والتظاهرات الوطنية والدولية بشكل لا يطغى عليه الجانب الفرجوي، وتنظيم تظاهرات ومهرجانات تسهر على تدبيرها هيئات مستقلة عن التقاطبات السياسية، والعمل على إشراك التعليم المدرسي والجامعي في التعريف بأدوار التراث الثقافي في التنمية، وضرورة مساهمة الباحثين في التعريف بهذا الموروث بإعداد كتاب مرجعي بلغات مختلفة حول بلاد زيان.

وفي تصريح له بالمناسبة، أوضح د. جواد التباعي، أن عمله هو “محاولة  لتوثيق أكبر قدر ممكن من مظاهر التراث الثقافي المادي واللامادي ببلاد زيان، بنفض الغبار عن بعضها وإثارة انتباه الباحثين والعموم للبعض الآخر، وإبراز مظاهر استمرار هذا التراث خدمة للثقافة الزيانية وعبرها ثقافة المغرب العميق”، مؤكدا أنه “مجهود ست سنوات من العمل، تمت فيها، بمساعدة الكثيرين، محاولة تسليط الضوء على أكبر قدر ممكن من معالم  الثقافة الزيانية، وتصحيح النظرة التقليدية التي تختصر ثقافة وتراث المنطقة في الفلكلور”، فيما أبرز أن عمله “لا يمكن اعتباره عملا شخصيا بقدر ما هو خلاصة أمينة لتصور الأغلبية الزيانية الصامتة”.

وبينما اعتبر عمله “نافذة لتحفيز الباحثين الشباب على الانكباب على دراسة تراث المنطقة من مختلف الزوايا والتخصصات”، أعرب عن شكره العميق لكل أبناء بلدته الصغيرة أكلموس، بإقليم خنيفرة، وكل الباحثين والإعلاميين والفاعلين السياسيين والجمعويين، وشيوخ القبائل وأرباب الحرف التقليدية، وحاملي التراث الشفوي عبر كل بلاد زيان بدون استثناء من آيت بوخيو إلى آيت بومزيل، ومن آيت إسحاق إلى آيت سكوكو، وباقي من قدموا له الدعم والمساندة اللا مشروطة”، ومعلنا عن كتاب له قيد اللمسات الأخيرة بعنوان “آيت حركات أكلموس: شذرات مونوغرافية من تاريخ وتراث أزاغار إزيان” ومجموعة من المقالات عن جوانب أخرى من تراث زيان لم  يتسع لها البحث.

× أحمد بيضي/ أنوار بريس
تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على Google News تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على Telegram

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

تعليقات

0

مقالات ذات صلة

الأربعاء 23 أبريل 2025 - 23:12

البرلمان يحتضن يوماً دراسياً حول قانون المسطرة الجنائية ودعائم المحاكمة العادلة

الأربعاء 23 أبريل 2025 - 22:59

البرلمان وحقوق الإنسان في لقاء مفتوح مع الأستاذ عبد الرزاق الحنوشي

الأربعاء 23 أبريل 2025 - 22:59

مآساة المغاربة المطرودين من الجزائر : السرد كمقاومة للنسيان

الأربعاء 23 أبريل 2025 - 22:40

لجنة لنعي الفلاحة المغربية

error: