أعد الحوار وقدم له عزيز باكوش
هل يمكن الحديث عن “ثقافة موجهة للطفل” في موروثنا الأدبي العربي ؟ ماهي الأسس الفنية والأدبية لإنجاز محتوى أدبي موجه للطفولة ؟ وهل حقق العالم العربي اكتفاء ذاتيا في مجال الكتابة للأطفال؟ وما حال التعامل مع الطفولة العربية الصحافة الورقية نموذجا في الجزائر على غرار تجربة سابقة لجريدة الاتحاد الاشتراكي التي كانت تخصص ملحقا أسبوعيا خاصا للطفولة ؟ أسئلة وغيرها اقترحناها على الأديب والشاعر الجزائري حسين عبروس وتفاعل معها بواقعية تارة وبموضوعية تارة أخرى نورد هنا تفاصيها في هذا الحوار الشفيف :
Ξ هل يمكن الحديث عن “ثقافة موجهة للطفل” في موروثنا الأدبي العربي ؟
≡ الحديث عن ثقافة موجهة للطفل في موروثنا الأدبي العربي يقودنا بالضرورة إلى العودة للنبع الأول في حياة المجتمع العربي قبل الإسلام، فلقد كان المجتمع أنذاك يزيد فخره بظهور موهبة شاعر بينهم . وذلك منذ الطفولة ،حيث إننا نجد أمثلة على ذلك في شخصية الأطفال كلا من (عروة بن الورد”وكعب بن زهير” وليلى بنت حسان بن ثابت) هذه النماذج من الأطفال الموهوبين كانت لهم رعاية خاصة من الأسرة ومن المجتمع ، وهم يسعون إلى تنمية مواهبهم وقدراتهم على التفوّق في مجال القول الشعري، كما عني المجتمع في بداية الإسلام بالرعاية الخاصة للطفل سواء كان ولدا أو بنتا. وهذا الإمام علي كرّم الله وجهه يقول: ” روّوا أولادكم الشعر فإنّه يعلّم مكارم الأخلاق” كما يقول أحد الشعراء في هذا المجال : قد ينفع الأدب الأولاد في الصغر // وليس ينفعهم من بعده أدب – إنّ الغصون إذا عدّلتها اعتدلت // ولا تلين لو ليّنته الخشــب./ / هذه لمحة خاطفة عن اهتمام المجتمع العربي بثقافة الطفل وتعليمه شتى المواهب ، منها المبارزة بالسيف والترس والرمح والرماية بالنبل والقوس وركوب الخيل والسباحة.
Ξ ماهي الأسس الفنية والأدبية لإنجاز محتوى أدبي مخطط للطفولة ؟
≡ أعتقد أن الأسس الفنية والأدبية لإنجاز محتوى مخطط أدبي للطفولة هي فن متكامل الأبعاد والمستويات . فالكتابة للطفل فن الفسيفساء التي تحتوي المعنى والصورة ، كي تحلّق بالقارئ الصغير في عوالم شتى، والكتابة للطفل علم وفن ، يحتاج كاتب الطفل إلى الإلمام بعدة علوم ومعارف منها علم النفس الطفل، وعلم النفس المراهقة وعلم النفس التربوي وعلم النفس الإجتماعي، وعلى هذا الأساس يبنى مخطط الكتابة للطفل. للأسف العالم العربي لم يحقق الإكتفاء الذاتي في الكتابة للطفل . إذا وقفنا عند عدد الأطفال في الوطن العربي الذي يفوق 22مليون طفلا، وعدد الذين يكتبون للطفل لايصل إلى 200 كاتب للطفل، أما المتطفلين على أدب الطفل ما أكثرهم ،وخاصة في مجال كتابة القصة، وهم يحاولون أن يبيعوا الوهم للصغار ،ويتاجرون بأحلامهم البريئة. وللأسف في الوطن العربي لا تهتم الجهات الوصية بثقافة الطفل ،وتعدها من المكملات الغذائية( عفو) الثقافية غير الضرورية.
Ξ كيف تقرأون التجربة الراهنة في التعامل مع الطفولة العربية الصحافة الورقية نموذجا ؟
≡ أعتقد أن التجربة الراهنة في التعامل مع الطفولة العربية ( الصحافة الورقية) تختلف في موضوع الطفولة في الوطن العربي، وخاصة في مجال الصحافة الموجة للطفل، فهناك تجارب ناضجة تجلت في شكلها الورقي المكتوب كما هو الحال في مصر مجلة السندباد المصرية 1952، وأولاد البلاد. وفي الكويت (العربي الصغير) والأردن وسوريا ولبنان والعراق في وقت سابق، ولكن للأسف لم تمتك بعض البلدان الأخرى تجارب كافية في هذا المجال . إذا ذكرنا مثلا الجزائر والمغرب والسودان وموريطانيا فكل بلد من هذه البلدان تحاول أن تقدم نموذجا حسب خبرة وتجربة العاملين والساهرين على الإعلام بها. وفي الواقع لم يعد للصحافة الورقية من الأهمية في زمن التواصل الاجتماعي في العالم، فالطفل اليوم يتعامل مع الصورة التي يقدمها الجهاز الهاتف النقال واللوحة الإلكترونية والوسائط التكنولوجية الأخرى التي تجعل الطفل في غنى عن الصحافة الورقية. وعلينا اليوم أن نبحث عن صحافة بديلة تثقيفية وترفيهية وتربوية تشدّ أنظار أطفالنا في العالم العربي . أما فيما يتعلق بالتجربة الراهنة في التعامل مع الطفولة العربية الصحافة الورقية نموذجا ، هناك تجربة جريدة الشعب في الجزائر ، و ملحق الطفولة الذي كانت تصدره جريدة الاتحاد الاشتراكي المغربية وهي تجربة جميلة، تشبهها ، ولكن للأسف هذه التجارب لم تعمر طويلا ، والحال ينسحب على العديد من تجارب المغرب للصحافة الطفل منها الكشكول الصغير ومجلة الأنوار وغيرهما في المغرب، والحال نفسه في الجزائر مثل مجلة مقيدش ومجلات أخرى لم تعمّر طويلا، وذلك لغياب المتخصصين في صحافة الطفل .
Ξ كيف نعرّف الطفولة قبل فن الكتابة لها؟
≡ أعتقد أنه للأهمية والموضوعاتية ، كان من المفروض أن يكون هذا السؤال هو أوّل الأسئلة التي نطرحها في هذا اللقاء الخاص بالكتابة للطفل . ليس لأن الطفولة هي نبض وجداننا، ودفء حنايانا هبة الله للبشرية، بل لأنها غدها الزاهر الذي بفضلها تبنى الأوطان، هي الفرح المقوى والحزن المدوّى إذا خلتها الشعوب والأزمنة، ولكننا في كثير من الأحيان نعرف الطفل على أنه الرجل الصغير والمرأة الصغيرة ولا نهتم بهما إلا من ناحية المأكل والملبس والعلاج ونهمل الروح والفكر والوجدان في الطفولة. ولذا أرى أن فن الكتابة للطفل يتخذ أشكالا وأساليب متعددة ومختلفة ، وذلك حسب خبرة وتجربة الكاتب المتخصص للطفل، فكتابة القصة تختلف عن كتابة النشيد أ و المقطوعة الشعرية ،وكتابة المسرحية والرواية الموجهة للفتيان والفتيات تتطلب حسا ووعيا حضاريا وجماليا ونفسيا ،وتربويا،من حيث الأسلوب واللغة والفكرة أو الموضوع المطروح سواء من المنظور الأدبي/الإبداعي، أو التربوي/الاجتماعي، مع ما يقتضيه هذا الحقل من تحديد الفئة العمرية وما يستتبعه ذلك من ترتيبات ثقافية وتربوية ولغوية وأدبية وفنية
Ξ على ماذا برأيكم تستند خبرة وممارسة الكتابة للطفل ؟
≡ أعتقد أن الخبرة والممارسة في عملية الكتابة للطفل تستند على النقاط الآتية: أولا موهبة وثقافة الكاتب المتخصص لأدب الطفل * سعة اطلاعه على كل ما يكتب للطفل في العالم، وعلى معاناة الطفولة عبر كل الأجيال * على حدّة ذكاء الكتب وفطنته في كل ما يقدمه للصغار، وألا يغفل عامل المعتقد الديني في حياة الطفل، فلا يصح لنا أن نلغّم الأطفال في صغرهم لينفجروا في وجه الأمة في كبرهم * أن يكون الكاتب الطفل فنّانا يعرف كيف يحوّل الأشياء البسيطة إلى ذرر وألعاب من ماس في أيدي الصغار، دون إغفال تلك التجارب التكنولوجية الحديثة في القرن الواحد والعشرين.وهذا سواء كان من المنظور التربوي والفكري والعلمي والاجتماعي . وذلك حسب الفئة العمرية لكل طفل، فطفل ما قبل المدرسة من سنتين الى خمس سنوات(2-5) وطفل من ( 6-8) سنوات، وطفل من (5-12) سنوات ،وطفل من(12-16/ سنوات دون أن نغفل مرحلة المراهقة التي تتطلب منا الحذر والفطنة في الكتابة للأطفال.
Ξ لنتحدث عن التجارب العربية وهل يتم تبادل و تعميم الخبرات والإنتاجات بين المهتمين في العالم العربي حتى يتمكنوا من تملك الآليات والتقنيات الكتابة للأطفال ؟
≡ للأسف ليس هناك تبادل تجارب في مجال الكتابة للطفل داخل الوطن الواحد إ لا في بعض اللقاءات والندوات القليلة، وكذلك هو الشأن في اللقاءات الرسمية على مستوى وزارات الثقافات في الوطن العربي، أو على مستوى المؤسسات والهيئات التي تهتم بثقافة الطفل، ناهيك عن تلك التجارب التي تتعلق بالبرامج والأفلام الكرتونية (الرسوم المتحركة) وعن أغنية الطفل.
Ξ الكتابة للأطفال أصعب وأعقد من الكتابة للكبار، كيف نعلل هذا الرأي ؟
≡ الكتابة للطفل حقل ملغّم لا يدخله إلا الفنان الماهر الذي يحسن التنقل في أرجائه الخصبة وفي أدغاله الممتعة الوعرة،وإذا دخله من يجهل معالمه،أو المتطفل على عالمه أفسده وأفسد أجيالا بكاملها داخل الوطن الواحد أو داخل أوطان العالم، ولذا من الخطورة ،أن نترجم نصا موجها لطفل أمريكا يفيض بعوالم الجم والسحر والأطباق الطائرة ونوجهه للطفل في الوطن العربي مثلا. يمكن لكاتب أدب الطفل أن يستفيد من تجربة الأدب العربي ويعمل على تحوير الفكرة أو العمل عكسها بفنية وخبرة عالية. المغامرة في حياة الطفولة حالة محببة والكتابة عنها أمر مباح بشروطه الفنية والتربوية، ولذا فالكتابة للطفل من أصعب التجارب الإبداعية ليس من باب صد الباب أمام الأخرين وإنّما من باب المواهب الكبيرة التي تستوعب كون وعالم الطفل الخاص ،فليس كلّ معلم يصلح أن يعلّم الصغار، وليس كل طبيب يطبب الصغار في مرحلة من مراحل العمر، وكذلك هو الشأن بالنسبة للكتابة للطفل التي هي أخطر من تعليم الحرف أوعلاج الحمى والحصباء للصغار. ويبقى الاطلاع على التجارب الغربية ممن كتبوا للأطفال، والإفادة منها في جوانبها الإيجابية والسلبية قصد الخروج برؤى إبداعية تخدم فكرة كتاب الطفل العربي وتنمية مهاراته الإبداعية والفنية.
Ξ للوهلة الأولى تبدو الكتابة للأطفال حقلاً إبداعياً شائكاً ، لكنه ملهم وحيويا في الوقت نفسه؛ لذلك يبدو السؤال وجيها ،ما لذي يحتاجه الكاتب للإقدام على هذه المغامرة ؟
≡ ببساطة أعتقد أن كل خبراء التربية والنفسانين يقفون عند الطفل موقف المساند والمدعم لقدراته وحاجاته النفسية والإنفعالية والوجدانية والحركية، ويبقى الكاتب وحده من يجمل تلك الحاجيات والقدرات الطفولية في نص أدبي مميّز ورائق يعجز عن توليفته الجمالية الجميع من الوالدين والمربين والمعلمين.
Ξ كأديب وشاعر ما التحديات التي تواجه كاتب محتوى للأطفال ليصل إلى قصة جاذبة قَادرة على لفت انتباه الطفل وتشويقه.؟
≡ من خلال تجربتي المتواضعة في عالم الكتابة للطفل ( شعرا ونثرا و دراسة) وجدت أن الكثير من التحديات التي تواجه رحلة الكاتب لأدب الطفل منها: قلّة اهتمام الأسرة والمدرسة والجهات الوصية بثقافة الطفل، وجهل الكثير من المشرفين على تربية وثقافة الطفل،وعدم التشجيع على رعاية هذه المواهب التي تساه في صنع الأجيال،ومن التحديات أيضا صعوبة توصيل المنتوج الثقافي والإبداعي الموجه للطفل من الطباعة وصناعة كتب الطفل ومن البرامج الموجهة للصغار. ولذا أرى من الوجب على كل المؤسسات والهيئات في الوطن العربي أن تهتم بالكاتب لأدب الطفل شأنها شأن الإستثمار في صناعة أجيال الغد – وفي الختام شكرك صديقي الإعلامي عزيز باكوش على هذا اللقاء والحوار الممتع تحيتي لك
تعليقات
0