حول رواية نوال السعداوي “سقوط الإمام” المحظورة بأمر سلطة التحريم
أحمد بيضي
السبت 7 أغسطس 2021 - 14:43 l عدد الزيارات : 37260
لطيفة زهرة المخلوفي
تميزت نافذة “مساواة” بحلقات لطيفة زهرة المخلوفي حول “الأدب النسوي، تجارب ورهانات”، وهي عبارة عن قراءات في أكثر الأعمال النسائية المثيرة للاهتمام والجدل في تناولها السوسيولوجي لقضايا المرأة والجنس والجسد والمجتمع والقيم الموروثة، وذلك بمواقف جريئة تحاول تخطي حواجز الطابوهات والمحرمات والمحظورات بغاية تعميق النقاش حول المفارقات والعوالم المظلمة التي تخفي حقيقة المجتمع وراء الطقوس والتقاليد والأعراف والتصورات والسلوكات السائدة.
ومن بين حلقات “الأدب النسوي” كنا قد اخترنا حلقتين تناولتا عملين مغربيين، هما كتاب “البغاء أو الجسد المستباح“ لمؤلفته الباحثة السوسيولوجية فاطمة الزهراء أزرويل، وكتاب “بلا حشومة، الجنسانية النسائية في المغرب” لمؤلفته الباحثة سمية نعمان جسوس، ثم حلقة تتعلق بكتاب “الجنس الآخر” للكاتبة العالمية سيمون دي بوفوار، واليوم نختار حلقة حول رواية “سقوط الإمام” لنوال السعداوي، وهي من بين الأعمال التي تم الحكم عليها بالمصادرة والمنع من التداول بالخزانة المصرية.
أحمد بيضي
تعد رواية “سقوط الإمام”، لمؤلفتها النسوية الراحلة نوال السعداوي، أحد أبرز أعمالها الاشكالية، والتي صدرت سنة 1987 عن “دار المستقبل العربي”، وترجمت إلى 24 لغة، وأعادت “دار الساقي” طبعها سنة 2000. وهي الرواية التي تمت مصادرتها، فور صدورها، من طرف مجمع البحوث الإسلامية إلى حدود اليوم.
وجهت السعداوي الإهداء إلى الإيرانية شهربانو شيراز التي تم اغتصاب طفلتها في السجن، كما خصت به السودانية فاطمة تاج السر، التي قطعت السلطات يد طفلها بتهمة السرقة تحت راية الشريعة، ثم كوليت عيتاني اللبنانية، وفاطمة محمود السجينة المصرية التي عايشتها السعداوي في السجن عندما تم القبض عليها في أحداث 1981.
“سقوط الامام” ليس مجرد عنوان / عتبة لولوج النص، بل هو تكثيف فكري نقدي موفق يلامس عصب السلطة في بلدان مهووسة بالتحريم.
الإمام، حاكم مطلق يلتحف عباءة الدين، ونقده مساس بقداسة تستمد شرعيتها باستمرار من السماء لتحكم من هم في الأرض.
إن قوة المعاني الذي يحبل به النص يكشف لنا الرؤية المتبصرة لنوال السعداوي، فالامام كما عاينته وشخصته ليس فقط الإمام الحاكم المطلق السلطة، بل هو أيضا الأب القاهر والزوج المتسلط العاهر.
هو ايجاز يوحي الى كل رموز السلطة الابوية بمختلف نواحيها (السياسي/الديني/الاجتماعي)، حيث لا تخفي الكاتبة كعادتها انحيازها إلى رفض كل مظاهر الحجر والوصاية.
فكل السلط في مجتمعاتنا هي ترسانة منظمة توجه ضد المرأة، والتي عبرت عنها شخصية البنت الموصومة بالعار، لأنها ابنة “غير شرعية”، حيث توفي أبوها وهي رضيعة، تتطور الاحداث لتتخذ منعطفا مفصليا في النص، فيكشف أن الإمام نفسه هو من اغتصب والدتها، ورغم معرفته أنها ابنته يتزوجها.
يرصد النص السردي محطات رفض الابنة/الزوجة لواقعها، فتقتل وتدفن رفقة تفاصيل حكايتها.
تستدعي نوال ملامح من التراث من خلال توظيف رؤية الرجل العربي لجسد المرأة، حيث ينادي الرئيس الإمام مسؤول الأمن، ويأمره بأن يحضر له جارية عذراء يحدد له أوصافها، مؤكدا على وجوب أن تكون :
“رشيقة القد، قاعدة النهد، كحيلة الطرف، رأسها صغير، وردفها ثقيل تمتاز ببياض أربعة : وجهها وفرقها وثغرها وبياض عينيها، وسواد أربعة : أهدابها وحاجبها وعيناها وشعرها، وحمرة أربعة : لسانها وخدها وشفتاها مع لعس وغلظ أربعة : ساقها ومعصمها وعجيزتها، وسعة أربعة : جبهتها وجبينها وعيناها وصدرها، وضيق أربعة : فمها ومنخرها ومنفذ أذنيها، والمنفذ الآخر وهو المقصود الأعظم من المرأة“.
إن استثمار هذه الصور تم من زاوية نقد مخيال ذكوري يلخص المرأة في جسدها فمن خلال مركزية العذرية؛ كتعبير عن الرقابة المجتمعية على أجساد النساء، تحصر المرأة في بعد وظيفي ضيق يدور في فلك امتاع الجنس الأعلى، وهو ما يرمز بالضرورة لإعادة انتاج البنى الأبوية قيمها في لبوس تبريرية : (الأنوثة- الدين – معايير الجمال- العادات -الشرف -الاخلاق العامة- الخصوصية….)
ان كل ما سلف رصدته نوال من خلال نصها، وهو نفس الواقع الذي كابدته طيلة حياتها، ولازال يجثم على الأنفاس لحدود اليوم، فيتجبر الحاكم، ويتسلط الزوج، ويفرض القهر ويصنع الخوف باسم الله.
كل هذا يجعلنا نقر أن النص لعب دورا حيويا في مواجهة الجمود العقلي والثقافي، ولهذا شكل مثار جدل ومواجهات مباشرة مع المؤسسة الدينية، مواجهات خاضتها نوال السعداوي بجرأة لتدافع عن حرية الابداع رفضا لكل أشكال التضييق على حيوية العقل والابداع بدل التقليد والتبعية والهيمنة.
تعليقات
0