أحمد بيضي
الأحد 6 مارس 2022 - 22:00 l عدد الزيارات : 57545
المصطفى فروقي (°)
لا أحد يجادل في ما للثّقافة من أدوار في تنميّة الإنسان والمجال، كما لا أحد قد يجادل، أيضا، في أنّ للجماعات التّرابيّة، بحكم المهامّ المنوطة بها، أدوار منتظرة لتحقيق الإنماء الثّقافي إلى جانب الإنماء الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، من هنا أهمّية السؤال: أيّ دور للجماعات التّرابيّة في تنميّة الثّقافة محلّيا؟
في هاته الورقة المتواضعة، سأحاول الإجابة عن السّؤال، أعلاه، وذلك عبر تناول وتحليل مجموعة من القضايا ذات الصّلة بالموضوع وهي التي أجملتها في محورين أساسيّين :
المحور الأول: موقع الشأن الثّقافي في خريطة اختصاصات الجماعات التّرابيّة .
المحور الثّاني : طبيعة الاختصاصات والصّلاحيّات المخوّلة للجماعات التّرابية في الشّأن الثّقافي وتدرّجاتها .
1: موقع الشّأن الثّقافي في خريطة اختصاصات الجماعات التّرابيّة .
ينصّ الفصل 135 من دستور المملكة (يوليوز2011) على أنّ “الجماعات التّرابية للمملكة هي الجهات والعمالات والأقاليم والجماعات”، كما ينصّ الفصل 140 منه على أنّ “للجماعات التّرابيّة ، وبناء على مبدأ التّفريع، اختصاصات ذاتيّة واختصاصات مشتركة مع الدّولة، واختصاصات منقولة إليها من هذه الأخيرة”.
أ: الجهات .
علاقة بالشّأن الثقافي أسند المشرّع، وتحديدا في القانون التّنظيميّ 111.14، للجهات المهامّ التّالية :
*على مستوى الاختصاصات الذاتيّة :
– الإسهام في المحافظة على المواقع الأثريّة والتّرويج لها.
– تنظيم المهرجانات الثّقافيّة والتّرفيهيّة.
*على مستوى الاختصاصات المشتركة فللجهة مهامّ :
– الاعتناء بتراث الجهة وبالثقافة المحلّية .
– صيانة الآثار ودعم الخصوصيّات المحلّية .
– إحداث وتدبير المؤسّسات الثّقافيّة.
*على مستوى الاختصاصات المنقولة :
– إحداث التّجهيزات والبنيات التّحتيّة الثّقافيّة.
أمّا على مستوى الصّلاحيّات المباشرة فقد أسند المشرّع لمجلس الجهة مهامّ :
– الانخراط والمشاركة في أنشطة المنظّمات المهتمّة بالشّؤون المحلّية .
إنّ قراءة سريعة في مجمل هاته الاختصاصات والصّلاحيات توضح انّ البعد الثّقافيّ يتواجد على مستوى كلّ الاختصاصات الموكولة للجهة كجماعة ترابيّة كما يتواجد على مستوى الصلاحيات المباشرة لذات المجلس ، ممّا يدلّ على الدّور الرّيادي الذي أوكل للجهة – محلّيا – في هذا القطاع كما سيتّضح بعد عرض اختصاصات وصلاحيات المجالس الإقليمية والمجالس الجماعيّة.
ب: العمالات والأقاليم :
تندرج تدخّلات مجالس العمالات والأقاليم، في الميدان الثقافي، ضمن الإختصاصات الذّاتية فقط وتتحدّد في إنجاز ما سمّاه المشرّع : ” تشخيص الحاجيات في مجال الثّقافة والرّياضة ” على مستوى الإقليم أو العمالة .
غير أنّه نجد حضورا للشّان الثّقافي في ما يتعلّق بصلاحيّات مجلس العمالة أو الإقليم حيث تشير المادّة 94 من القانون التّنظيمي 112.14 المتعلّق بالعمالات والأقاليم إلى : ” انخراط مجالس العمالات والأقاليم ومشاركتها في أنشطة المنظّمات المهتمّة بالشّؤون المحلّية ” ، ولأن ّ الجمعيات الثقافية تهتمّ في كثير من نماذجها بالثقافة المحلّية ، ولأنّها تندرج ضمن المنظّمات التي يقصدها المشرّع في هذا النصّ فإنّها معنيّة بالانخراط والمشاركة المدرجين ضمن صلاحيّات مجالس العمالات والأقاليم.
ج: الجماعات .
ما موقع المجال الثّقافي ضمن اختصاصات الجماعات (الذّاتية والمشتركة والمنقولة ) وضمن صلاحيّات المجلس الجماعي وصلاحيّات الرّئيس.
أدرج المشرّع في القانون التّنظيمي 113.14 المتعلّق بالجماعات الشّأن الثّقافي ضمن اختصاصين كما أدرجه أيضا في صلاحيّات مجلس الجماعة وفي صلاحيّات الرّئيس وذلك على الشّكل التّالي:
– في الإختصاصات المشتركة أسند المشرّع للجماعة، بالتّشارك، مهامّ المحافظة على خصوصيّات التّراث المحلّي وتنميته كما أسند لها مهام إحداث البنيات التّحتية الثقافية ( مراكز ثقافية، مسارح، معاهد الموسيقى والرقص، مراكز تشخيص التّراث ، خزانات عمومية ، نقط القراءة …) .
– أمّا في الاختصاصات المنقولة فقد نصّت المادّة 90 من القانون التّنظيميّ المذكور على أنّه يمكن نقل اختصاص “حماية وترميم المآثر التّاريخيّة والتّراث الثّقافي والحفاظ على المواقع الطّبيعيّة “، مع مراعاة” مبدأ التّدرّج والتّمايز بين الجماعات عند نقل الاختصاصات من الدّولة إلى الجماعة ” (المادّة 91 من القانون التّنظيمي للجماعات).
هذا وفي سياق تحديد صلاحيّات مجلس الجماعة ( المادّة 92) وعلاقة بمهام ” التّنمية الاقتصادية والاجتماعية “تم التّنصيص على صلاحيّة “توزيع المساعدات والدّعم لفائدة الجمعيّات ” و”الانخراط والمشاركة في أنشطة المنظّمات المهتمّة بالشّؤون المحلّية”.
أمّا بالنسبة لصلاحيّات الرّئيس، بخصوص الشأن الثقافي، فتنصّ المادّة 94 من القانون التّنظيميّ المذكور على دور الرّئيس في “المساهمة في المحافظة على المواقع الطّبيعية والتّراث التّاريخي والثّقافي وذلك باتّخاذ التّدابير اللاّزمة لهذه الغاية طبقا للقوانين والأنظمة الجاري بها العمل ” .
إنّ الملاحظات التي يمكن تسجيلها بعدما استعرضنا الاختصاصات والصلاحيات الموكولة للجماعات في الميدان الثقافي هي :
– إنّ الشأن الثقافي في علاقته بالجماعات لا يندرج ضمن الاختصاصات الذّاتية للجماعة على خلاف ما هو عليه الأمر بالنسبة للجهات والعمالات والأقاليم .
– ان تدخل الجماعة في الميدان الثقافي يقع في خانة الاختصاصات المشتركة بين الجماعة والدولة ، ويشمل أعمال ” المحافظة على خصوصيّات التراث المحلي وتنميته ” كما يشمل إحداث البنيات التحتية الثقافية وذلك بمبادرة من أحد الطّرفين / الأطراف .
– إن تدخل الجماعة في الشأن الثقافي يندرج أيضا ضمن الاختصاصات المنقولة وتتمثل في : ” حماية وترميم المآثر التاريخية والتراث الثقافي والحفاظ على المواقع الطبيعية “.
ولأنّ الجماعات، مع استثناءات محدودة جدا ، ليس لها من الخبرة ما يمكنها من مباشرة هذا الاختصاص فقد نصّ المشرّع على ” مبدأ التدرّج والتّمايز بين الجماعات عند نقل الاختصاصات من الدّولة إلى الجماعة “.
أمّا عن صلاحيات مجالس الجماعات بخصوص هذا الشأن فتتمثل في :
– توزيع الإعانات والمساعدات على الجمعيات .
– الانخراط والمشاركة في أنشطة المنظمات المهتمة بالشؤون المحلية.
أما عن صلاحيّات الرئيس فتتمثّل في ” المحافظة على المواقع الطبيعية والتراث الثقافي وحمايتها ” ، غير أنّ إكراهات خدمات القرب غالبا ما تستنزف موارد الجماعات ، المحدودة أصلا ، وبالتالي يبقى الشان الثقافي هامشا قد يتمّ اقتحامه وقدلا يتم ، كما قد يتمّ تمثّله وممارسته ، وهذا هو الغالب ، في حدود تقديم الاعانات والمساعدات للجمعيات والمشاركة في انشطة المنظمات المهتمة بالشؤون المحلية عبر تقديم الدعم اللوجستي او المادي لها دون التميّز بتقديم عروض ثقافية ذاتية تكون فيها الجماعة هي المبادرة وهي خالقة الحدث إلاّ في النادر وبشكل متقطّع .
وعموما فانّ اختصاصات الجماعات الترابية وصلاحيات المجالس المنتخبة بها في قطاع الثقافة ( الجهات ، العمالات والاقاليم ، الجماعات ) يمكن التمييز داخلها بين ثلاثة أقطاب :
1: قطب البنيات التحتية الثقافية ويشمل إحداث المؤسسات الثقافية على اختلاف اختصاصاتها الثقافية واختلاف اشعاعها بين ” المحلّي ” و” الجهويّ” .
2: قطب التنشيط الثقافي ، ويمكن ان ندرج في دائرته الانخراط والمشاركة في انشطة الجمعيات كما يمكن ان ندرج فيه المساعدات والاعانات المقدمة لها .
3: قطب التراث ، ويبدو ان هذا القطب ، من خلال هيمنة الاختصاصات المرتبطة به يشكل هاجسا رئيسا في تدبير الشان الثقافي بلادنا وخصوصا في علاقة هذا التدبير بالجماعات الترابية اذ نصادف التنصيص في القوانين التنظيمية الثلاث تعابير:
-” المحافظة على المواقع الأثرية “.
-” الإعتناء بالتّراث ”
-” صيانة الاثار “.
-” الانخراط في الشؤون المحلية ” .
-” تنمية التراث “.
-“الحفاظ على المواقع الطبيعية “.
-” حماية التراث “.
-” دعم الخصوصيات المحلّية ” وغيرها من التّعابيرالتي تجد امتدادها ومرجعها في الاتفاقيات الدولية الصادرة عن المنظمة العالمية للتربية والثقافة والعلوم اليونيسكو التي صادق المغرب عليها وخصوصا :
*الاتفاقية الخاصة بحماية التراث العالمي الثقافي و الطبيعي ( 16 نونبر 1972 باريس ) التي صادق عليها المغرب سنة 1975.
*اتفاقية بشان حماية التراث الثقافي غير المادي ( 17اكتوبر2003 باريس ) وصادق عليها المغرب سنة 2009 .
*اتفاقية بشان حماية وتعزيز تنوع اشكال التعبير الثقافي ( 20اكتوبر2005) التي صادق عليها المغرب سنة 2013 .
وهي اتفاقيات تلزم الموقعين عليها بأجرأة عمليات الحماية والصون والتثمين لمختلف انواع التراث نظرا لما يلعبه من ادوار في الحفاظ على خصوصيات وهويات الشعوب ولما يمكن ان يلعبه أيضا من أدوار في تنمية الاقتصادات المحلّية.
من هذا المنطلق، يبدو أن السياسة الثقافية للدولة المغربية اختارت إدماج الجماعات الترابية في تدبير هذا الحقل الشاسع والمتنوع في بلادنا مما يدفعنا لطرح سؤال هل نجحت في ذلك أم أن الأمر لا زال في حاجة لتكثيف الجهود؟
يبدو، في تقديري، أن هناك أشياء تحققت في القطاع في شموليته منذ بدايات الألفية الأخيرة لكن هناك أشياء كثيرة تنتظر الالتفات لها والتخطيط لإنجازها وخصوصا ما يتعلق بالتراث، إذ بقدر قوة وتجذّر وتنوع هذا الأخير هناك تأخر كبير على مستوى إعادة تأهيله وإدماجه في سيرورة التنمية المحلية وذلك عبر تسريع وتكثيف إجراءات الحماية القانونية للمآثر التاريخية والترويج لها في إطار السياحة الثقافية.
وكذلك القيام بإجراءات تثمين التراث اللامادي عبر خلق وتمويل مشاريع الجرد والصّون على المستويات الجهوية والمحلية، ناهيك عن ضرورة تشجيع ودعم المشاريع ذات العلاقة بالصناعة الثقافية عبر تشجيع الشباب على خلق مقاولات إبداعية تعنى بتسويق المنتوج الثقافي المحلي المتميز بتنوعه دون أن ننسى استقطاب الكفاءات المتخصصة في مجالات التراث والتنشيط الثقافي لضمان تسيير ناجع للمشاريع المبرمجة والمشاريع المنجزة .
وأخيرا إذكاء جرأة ابتكار وانتزاع الشراكات التي تخول الاندماج في الشبكات العالمية والقارية الفاعلة في ميادين الصناعات الثقافية وذلك لإخراج الجماعات من عزلتها ولضمان استفادتها من التجارب العالمية في الصناعات الإبداعية.
تعليقات
0