بنغالور، وادي السيليكون الهندي، تأخذ زمام المبادرة لمواجهة نقص أشباه الموصلات
أنوار بريس
الإثنين 16 مايو 2022 - 12:30 l عدد الزيارات : 23667
منذ أكثر من عام ونقص أشباه الموصلات يؤثر بشدة على أداء مختلف القطاعات في الهند وغيرها من الدول. فمن صناعة السيارات إلى الدفاع، مرورا بالهواتف الذكية والأجهزة المنزلية، تكافح الهند لمواجهة انقطاع مخزون هذه المكونات الصغيرة التي يمكن أن تعطل سلسلة إنتاج بكاملها.
وشكل الاكتفاء الذاتي في أشباه الموصلات من نواح كثيرة أولوية قصوى بالنسبة للبلاد، البالغ عدد سكانها 1,3 مليار نسمة، خاصة مع توقع وصول رقم المعاملات العالمي لهذه الرقائق إلى 676 مليار دولار في عام 2022. سوق مغرية لن تفوت الهند، المسلحة بخمسة ملايين متخصص في تكنولوجيا المعلوميات، فرصة الاستفادة منها.
وفي الواقع، فقد سبق لرئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أن توقع حدوث اضطراب وشيك في سلسلة التوريد العالمية إثر تفشي جائحة كوفيد-19، ليطلق في ماي 2020 حملة “أتمانيبهار بهارات” (الهند المكتفية ذاتيا).
وفي الوقت الراهن، أدت الحرب الروسية-الأوكرانية، والتي يبدو نفق نهايتها طويل، إلى تفاقم الأزمة. ينضاف إلى ذلك تدهور الوضع الوبائي في الصين، هذا العملاق في المجال الإلكتروني الذي يواجه إغلاقا جديدا بسبب عودة تفشي كوفيد-19.
وفي هذا السياق الدولي المضطرب للغاية، طلبت الحكومة المركزية الهندية من الشركات العملاقة العالمية في مجال أشباه الموصلات استكشاف إحداث وحدات في الهند، في حين بدت الحكومات الاتحادية جاهزة بالفعل وبدأت تنفيذ المهمة على الأرض من خلال منح التصاريح اللازمة، وتخصيص الأراضي في المجمعات الصناعية بهدف أن تصبح البلاد شريكا موثوقا به في سلسلة التوريد العالمية.
وفي بنغالور، وادي السيليكون الهندي، يجري العمل على قدم وساق لتهيئة المدينة الكبرى، ذات 12 مليون نسمة، لتصبح مركزا عالميا لإنتاج أشباه الموصلات.
وفي الواقع، فقد كشفت المدينة الواقعة في جنوب البلاد عن سياستا لتطوير أشباه الموصلات منذ عام 2008. غير أنه لم يتم بعد ذلك القيام بخطوات كبيرة في هذا الاتجاه، قبل أن يتزايد التحدي مع اندلاع وباء كوفيد-19 والعواقب الاقتصادية الناتجة عنه.
وعبأت الحكومة المحلية لكارناتاكا، وعاصمتها بنغالور، جهودها لتذليل العقبات أمام رواد الأعمال من أجل ضمان استقرار شركاتهم بها والانطلاق في صناعة الرقائق ذات القيمة المضافة العالية.
ولتسريع الإنتاج وتوفير الإمدادات لسوق واعد للغاية، شهدت بنغالور، التي تحتضن عمالقة تكنولوجيا المعلومات الهنود من قبيل “أنفوسيس”، و”ويبرو”، توقيع بروتوكول اتفاق، مؤخرا، مع “إسمس أنالوغ فاب بي في تي”، تهم إنشاء مصنع لإنتاج أشباه الموصلات بقيمة 3 مليارات دولار.
وحسب رئيس الحكومة المحلية لولاية كارناتاكا، فإن النقص في أشباه الموصلات يمثل “تحديا كبيرا يمكن تحويله إلى فرص”.
وذكر المسؤول الهندي أن كارناتاكا عملت جنبا إلى جنب مع الحكومة المركزية لجذب الاستثمارات في مجال أشباه الموصلات وإحداث منظومة صناعية وبيئية مثالية لتحفيز عمالقة أشباه الموصلات العالميين لإنشاء مصانع في الولاية.
وفي مداخلة بهذه المناسبة، صرح رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، أن البلاد لديها شهية مفتوحة “للتكنولوجيا والمخاطرة”، مبرزا أنه تم القيام بعمل شاق خلال السنوات الأخيرة لخلق بيئة تشجع على نمو المقاولات الهندية الناشئة العاملة.
وقال المسؤول الهندي إنه من المتوقع أن يصل استهلاك الهند من أشباه الموصلات إلى 80 مليار دولار بحلول عام 2026، و 110 مليار دولار بحلول عام 2030، مشددا “نريد العمل في هذا الاتجاه مع الاستناد على مبدأ تكنولوجيا عالية، وجودة عالية، وموثوقية عالية”.
على الرغم من أن الهند تحدوها رغبة كبيرة في إنتاج كثيف لأشباه الموصلات، إلا أن الطريق لتحقيق ذلك ليس مفروشا بالورود، بحسب محللين.
وقد تركز الإنتاج لدى عدد قليل من المصنعين، ذلك لأن المنشئات اللازمة لإنتاج أشباه الموصلات بكفاءة وبأقل تكلفة تتطلب استثمارات ضخمة.
والواقع، أن إنتاج هذه المكونات الإلكترونية يتطلب استثمارات سنوية مهمة. وبحسب المعطيات، تنفق الشركات العملاقة الأمريكية “إنتل”، والكورية الجنوبية “سامسونغ”، و”تي إس إم سي” التايوانية، و”هواوي” الصينية، مليارات الدولارات كل عام على البحث والتطوير وعلى تحسين عمليات التصنيع والآلات الجديدة.
إضافة إلى ذلك، تتسم التكنولوجيا في هذا المجال بالتعقيد الشديد مع معدلات فشل عالية جدا. فشريحة مربعة من رقاقة إلكترونية تحتوي على مليارات من المبدلات (الترانزستورات). ويتم قياس المسافة بين اثنين من المبدلات بالنانومتر، أي جزء من مليار من المتر. وتقلص المسافة، كلما كانت المبدلات أصغر في منطقة صغيرة وكلما كانت الشريحة أكثر قوة.
ومن المؤكد، أن الهند لا تفتقر إلى المهارات، لكن رغم ذلك، لا تزال البلاد تعاني من تأخر من حيث البنيات التحتية القادرة على الإنتاج على نطاق واسع مقارنة بالشركات المصنعة الأكثر تقدما تكنولوجيا في الولايات المتحدة، أو في الصين، أو كوريا الجنوبية، أو تايوان التي تحتضن “تي اس ام سي” (تايوان لصناعة أشباه الموصلات)، الشركة الأولى عالميا في صناعة أشباه الموصلات.
وبغض النظر عن تكاليف الاستثمار الباهضة، توجد عقبة أخرى تتمثل في التغذية الكهربائية التي تواجه انقطاعات منتظمة بسبب نقص الفحم، الذي لا يزال يساهم في إنتاج ما يقرب من 70 بالمئة من الكهرباء في الهند.
تعليقات
0