مختبر السرد بكلية الآداب لبني ملال يحتضن ندوة وطنية حول “النص والدلالة” (دورة محمد البكري)
أحمد بيضي
الأربعاء 13 يوليو 2022 - 23:46 l عدد الزيارات : 26434
متابعة: الحسين والمداني
في إطار سلسلة ندواته العلمية، نظم مختبر السرد والأشكال الثقافية: الأدب واللغة والمجتمع، الندوةَ الوطنية الثالثة، بعنوان النص والدلالة، دورة اللساني والسيميائي محمد البكري، احتفاء بمنجزه العلمي وانخراطه في أسئلة الثقافة والفكر، وانشغاله بالإجابة عن قضايا النصوص وقيمها وامتداداتها وتحولاتها، إنتاجا وترجمةً وتحليلا. وضمّت هذه الندوة ست جلسات توزعت على يومين، برحاب كلية الآداب والعلوم الإنسانية ببني ملال، وشارك فيها ثلة من الأساتذة الجامعيين والطلبة الباحثين من تكوين دكتوراه الدراسات الأدبية واللسانية والثقافية.
وافتتح أطوارها د. عبد المجيد زياد، نائب رئيس جامعة السلطان مولاي سليمان، و د. زهير اباحمو نائب عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية ببني ملال، ود. عبد الرحمان غانمي، مدير مختبر السرد والأشكال الثقافية؛ الذين أجمعوا على أهمية هذه الندوة سواء في محاورها أم بالنظر إلى القيمة العلمية والأكاديمية للمحتفى به، أم في تنوع تخصصات المشاركين ومن ثمة تعدد المداخل إلى النص والدلالة؛ كما ألقى كلمة الطلبة الباحث عبد الله فرحي باسم تكوين دكتوراه الدراسات الأدبية واللسانية والثقافية، وماستري دراسات في التراث المادي واللامادي، والسرد والثقافة بالمغرب.
عرف اليوم الأول أربع جلسات، تمحورت الأولى منها حول محمد البكري: رهاناته الفكرية والثقافية، برئاسة ذ. عبد العزيز فارس، وتقرير أمال حليمي. وتناول فيها ذ. محمد الداهي منجز محمد البكري في حضن الإبدال ما بعد البنيوي، متتبّعا الدور الذي اضطلع به، للتخلص من أسر “الأممية البنيوية” بالانتباه مبكرا إلى الثورة الهادئة التي أحدثها إميل بنفنيست في اللسانيات والدراسات النقدية، والتي سبق أن أرهص بها ميخائيل باختين.
كما كشف ذ. الحبيب الناصري عوالم ذ. محمد البكري، الأيقونة المولدة للدلالات، مقدّما شهادة باسم طلبته القدامى حوله إنسانا ومثقّفا نادرا، وأستاذا ربّى أجيالا حاضرةً اليومَ في الشأن الثقافي، في حين تطرّق ذ. عبد الكبير الشميطي إلى موضوع الترجمة وتطويع المفاهيم في أعمال محمد البكري، من خلال نحت وصياغة المفهوم العربي المقابل، والخلفيات الفنية واللغوية والثقافية التي يخفيها هذا النقل لدى محمدالبكري في ترجماته لأعمال الناقد الفرنسي رولان بارث على الخصوص. ثم تتبّع ذ. عبد الرحمان غانمي الرؤيا والإواليات الفكرية عند محمد البكري، كاشفا الخلفيات النظرية والمعرفية التي يستمد منها أسس مشروعه العلمي، وأفق الاشتغال في ضوئه من قبل الباحثين.
واختتمت الجلسة بمداخلة المحتفى به، حول تحليل الخطاب ومقاربته، واضعا واقع البحث العلمي، في قضايا الخطاب، تحت المجهر التحليل والنقد، ليخلص إلى أن البحث العلمي ينبغي أن يحقق الأثر في الإنسان وفي محيطه.
وترأست الجلسة الثانية ذ. فاطمة الزهراء صالح، وعبد المنعم كروم مقررها، وشكّل محور النص: المجالات والأبعاد، موضوعا لها. تناول فيها ذ. عبد العزيز فارس: الأنساق المغلقة والمفتوحة ودلالتها في السرد القرآني، منطلقا من سؤال عن وجود نسق كبير جامع يجعلنا في وضع المحاور لبنية دلالية كبرى تتكون من مجموع الأنساق المغلقة وتتدرج في تقديم المعنى، متخذا من سورة الكهف موضوعا للتحليل.
وعالج ذ. محمد برهومي النصَّ الماركسي والتأويل الأنثروبولوجي، ساعيا من خلال مداخلته إلى الوقوف على بعض القراءات التي خضع لها النص الماركسي إذ أتاحت زوايا النظر المختلفة إمكانية تعدد المعنى. منطلِقا من التصور الاجتماعي والتاريخي الذي يجعل من العامل الاقتصادي المحدد لباقي مستويات المجتمع، إلى التصور البنيوي الذي أحدث انقلابا جذريا للبنية النظرية. وتناول ذ. العزيز القسمي، الدلالة الرمزية للمصطلحات الصوفية وأبعادها الثقافية من خلال وثيقة تاريخة، حدد فيها المصطلح الصوفي من خلال جذوره الثقافية والمجتمعية من خلال ثلاثة أبعاد: البعد العلمي والاجتماعي والسياسي.
أما الجلسة الثالثة فقد ترأسها ذ. محمد الداهي، وأحمد أكوجيل مقررها، فتمحورت حول دلالات الأشياء: في المجال وتلقي النص، وشاركت فيها ذة. لمبعد ثورية بمداخلة حول سيميوطيقا المجال، استكشفت فيها المدلولات المحتملة الخاصة بالمجال، مقوّضة بذلك الدلالة المادية المباشرة للمجال الفيزيقي بحيث يغدو منتميا إلى التجربة الإنسانية عوض أن يكون حاويا لها فقط. ثم تتبعت ذة. الحسنية زمراكالهندسة المعمارية من المفهوم إلى التصميم L’architecture du concept à la conception باعتبار أن المفهوم فكرة ثابتة خلال العمل المعماري، ويجيب عن أسئلة واحتياجات، وبه تتم معالجة المشكلات المختلفة في التنزيل المادي للمعمار.
وتناول ذ. عبد الرحيم برواكي بول ريكورمن خلال النص وعلاقته بنظرية الفعل، مشيرا إلى ضرورة القيام بإجراء اختباري للنص من أجل تبين مدى قابليته للتشكل وفق منظور سردي، وهو الإجراء الذي تسعف في استيعابه هذه النظرية. فيما قاربت ذة. زهرة عز علاقة الكتابة بالحلم في الممارسة الإبداعية، مستدلة بمجموعة من الأعمال السردية من ضمنها منجزها الروائي والقصصي.
وكان موضوع الجلسة الرابعة هو النص والثقافة، ترأسها ذ. عبد الرحيم برواكي، وقرّر أشغالها إسماعيل أمناي؛ حيث تناول ذ. سعيد الحجاري تعددية المعنى في الجملة والنص، La pluralité des sens : cas de la phrase et du texte، منطلقا من سؤال حول مبرِّر اعتبار الجملة غامضة إذا تطلّبت أكثر من تأويل من أجل فهمها، بينما النص في نفس الحالة يتم اعتباره أصيلا، ومن هنا تتبّع ظاهر تعدد المعنى، وأشكالها ومبرراتها…، ثم حلل ذ.خالد النعامي العلاقات التخاطبية وسبل الفهم واستراتيجيات الإقناع، كاشفا آليات وضوابط ومقتضيات العلاقة التفاعلية التخاطبية باعتبارها فاعلية إنسانية، يصعب معها تصور وجود انفصال بين سبل التدبر والتدليل وإنجاز الفعل.
ومن جهتها، تناولت ذة. ابتسام الهاشمي النص والدلالة والتعدد في الثقافة المغربية، مؤكدة أن هذا التعدد يقتضي قراءة الموروث الثقافي بمختلف مقوماته: ثقافة الهامش والعادات والمعمار والإبداع في المأكل والملبس…، باعتبارها نصوصا لها أبعاد دلالية تعيننا على رسم صورة مزخرفة للثقافة المغربية؛ ووثائق هامة تحتاج لقراءة خاصة. كما حلّل ذ. محمد فخر الدين العلاقة بين التراث والثقافة والمتخيل، معتبرا أن التراث والثقافة ينتظمان ضمن متخيل خاص، وتنتج عن ذلك علاقات متشابكة قد تتجاوز حدود المكان الأجناس التعبيرية وحتى حدود اللغة، وترسم العوالم الثقافية للوجود، لتجسد تراثا يعبر عن الوجود المشترك ماديا ولا ماديا براسمال محلي وطني وإنساني.
وكانت الجلسة الخامسة صبيحة اليوم الموالي، برئاسة ذ. خالد النعامي، وتقرير أمال منقادي، وشكّلت نصوص الذاكرة والرمز والعمارة والسرد محورها، وتطرّق فيها ذ. محمد لملوكي إلى موضوع العمارة في النص التاريخي: الوظيفة والرمز، مثيرا عددا من الأسئلة حول حقيقة وظائف الأشكال العمرانية، مستدلا بالوقائع التاريخية، والدلالات الرمزية لها باعتبارها تنطوي على معاني ارتبطت بسياقات خاصة.
أما ذ. أشرف رشاق فتتبع قضية النصّ وإنتاج الدلالة بين التفسير البنيوي والفهم الهرمينوطيقي، بحيث إن النصوص هي الوسيط الأمثل الذي يتيح إمكانية فهم العالم وفهم الذات، ومن ثمة انبنى مشروع بول ريكور على دعوة الفلاسفة واللسانيين إلى إعادة التفكير في العلاقة القائمة بين التجربة المعيشة والتجربة النصية، باعتبار أن الولوج الى التجربة الانسانية كتجربة أنطولوجية لا يتم إلاّ عبر وساطة اللّغة والخطاب.
فيما تناولت ذة. نجاة رتابي اشتغال المتفاعلات النصية عند محمد برادة، باعتبارها متناصات تتفاعل فيها الآثار التاريخية مع الدينية والأدبية مع الفلسفية، ويمتزج فيها الواقعي مع المتخيل والمكتوب بالشفهي، وتؤدي أدوارا في البناء الجمالي للنصوص الروائية للكاتب محمد برادة.
وتمحورت الجلسة السادسة حول طبقات النص وأشكاله، ترأستها دة. ثورية المبعد، وقرر أشغالها عبد الرحمان كريم. قدّم فيها ذ. إبراهيم أجهبلي قراءة أنثروبولوجية للنص الغنائي الكناوي بين البعد الفني والوظيفي، من خلال التيمات الأساسية التي تحضر فيه. ومن خلال الرموز الأسطورية والمعتقدية، ليخلص إلى غنى وثراء المعجم اللغوي الكناوي في تعبيراته المختلفة.
وبدورها، تناولت ذة. سكينة الروكي: دلالة الجسد في النص الصوفي، متخذة من ابن عربي أنموذجا يتأسس فكره على الاعتراف بروحانية الجسد أو الجسد الروحاني، من خلال إقامة علاقة توليف بين الجسد والروح، إحالة منه على تكامل الأشياء المجسدة والأرواح التي تسكنها. وتتبّع ذ. التهامي حبشي لغة الهامش في المجال الحضري، منطلقا من إشكالية العلاقة بين اللغة والمجال والسلطة، ليحلل علاقة اللغة بالطبقة الاجتماعية الهامشية، أو بوضعية الاستبعاد الاجتماعي في المجال الهجين الموزع بين ثنائيات القرية/المدينة، العروبي/المديني..، مركزا، على عينات من بعض الخطابات اللفظية المنطوقة، والمرئية البصرية، المعبرة عن تمثلات واستعمالات الإنسان الهامشي للمجال المعيوش، في سيرورة وصيرورة مسارات حياته اليومية.
واختتم الندوة الوطنية الثالثة “النص والدلالة”، المحتفى به، اللساني والسيميائي، ذ. محمد البكري، إلى جانب ذة. فاطمة الزهراء صالح، نائبة مدير مختبر السرد والأشكال الثقافية: الأدب واللغة والمجتمع، و ذ. محمد بالأشهب، رئيس شعبة اللغة العربية، وذ. أشرف رشاق، عضو الفريق البيداغوجي بماستر السرد والثقافة بالمغرب، وذ. عبد الرحمان غانمي مدير مختبر السرد والأشكال الثقافية: الأدب واللغة والمجتمع، الذي أعلن اختيار ذ. محمد البُكري رئيسا شرفيا للمختبر. وقد عرفت الندوة متابعات لافتة وقياسية، وسط الطلبة والباحثين، وفي الوسط الجامعي والثقافي المغربي والعربي والدولي
تعليقات
0