في ذكرى 20 غشت بخنيفرة: نجاعة النضال الوحدوي وتكتيك المناورة ضد الاستعمار

أحمد بيضي الجمعة 19 أغسطس 2022 - 22:14 l عدد الزيارات : 18790
  • محمد أڭريران (°)
في شأن حيثيات النضال الوحدوي الوطني أثناء الاستعمار الرأسمالي
منذ عشرينيات قرن النضال الوطني بالمغرب ضد الاستعمار الرأسمالي، والمغاربة الأحرار يراكمون تاكتيكات نضالية في أفق بلورة معالم ثورة تقدمية، إلا أنها اصطدمت فيما بعد بقوة رجعية متحالفة مع الاستعمار مستهدفة أسر وكبح سيرورة إنضاج هذه الثورة الوطنية.
لقد كانت حرب الريف عاملا فعالا في تطوير الخطاب الوطني التقدمي الثوري بشكل نوعي وحديث، وزادت حركة اللطيف ضد الظهير البربري من زخم هذه الثورة التي أطرتها حركة العمل الوطني التي انقسمت فيما بعد إلى أحزاب متنافسة في بلورة الشعارات السياسية للمرحلة النضالية، وذلك بفضل ما تملكه نخبها من إمكانيات التأطير السياسي والغطاء الايديولوجي والدعم الإعلامي واللوجستيكي والانفتاح الثقافي والسياسي على الخارج، وتصاعد نشاط البروليتاريا الحضرية وأشباه البروليتاريا والبؤساء بالمدن…
وزاد من وعي الطبقة العاملة انتظامها في الاتحاد العام للنقابات المتحدة بالمغرب، و تعبئتها من طرف الحزب الشيوعي المغربي. وبعد انخراط بعض أعضاء حزب الاستقلال في هذا الإطار النقابي، تم انتخاب السياسيين في مؤتمر النقابة المنعقدة بين 11 و12 نوفمبر 1950م. وبمجرد ما ساهم الاقتصاد النقدي وتطور حركة المواصلات في تكسير عزلة البوادي و اقتحامها وتفكيك منظومتها القبيلة، أصبحت الجماهير البدوية تهتم  بالقضايا العمومية، الأمر الذي أيقظ وقوى الوحدة الوطنية.
فبدأت تتعزز مفاهيم الأمة والوطن والدولة الوطنية في الوعي الجماهيري، مما دفع بالجماهير الشعبية إلى التمرس على الأساليب النضالية: المظاهرات، الاضرابات، حملات الاحتجاج والمقاطعة والاحتشاد والصيام، التجمهرات الخطابية…
وأذكت الأحداث العالمية (انهزام ألمانيا النازية وتعزيم القوى الرجعية مع إخلالها، و تخلي القوات الانجليزية عن قواعدها، انضمام الصين بعد ثورتها الماوية 1949م إلى الديموقراطيات الشعبية وانبثاق حركة الانعتاق التحرري في إفريقيا وآسيا، مساندة الولايات المتحدة الأمريكية للمستعمرات تمهيدا للهيمنة عليها اقتصاديا، تثمين أواصر المعسكر الاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفياتي…) حماسة وعي المغاربة من أجل التحرر من الاستعمار الرأسمالي.
بهذه العوامل الموضوعية و الذاتية، تبلور المشروع الوطني التاريخي المؤسس على الزواج الوثيق بين الشعارات والبندقية والمبني على النضال الجدلي بين ما هو نقابي وما هم سياسي…وبهذا المشروع الوطني النضالي التاريخي، أصبحت الأوضاع العسكرية الاستعمارية دفاعية في خطتها فاضطرت إلى تعبئة ضباط الشؤون الاهلية و فرق الأرصاد والحرس والمخبرين، وتسليح رجالها فبدأت إدارة شؤون المغرب سياسيا وعسكريا ومدنيا، تتم من “قاعة الخرائط” في إدارة أركان الحرب العامة لجيوش الاحتلال بقيادة:
ليوطي المؤمن بأسلوب القوة الرادعة، والعقيد إيمانويللي مبعوث الجنرال نوجيس المخطط لسياسة الضربة الوقائية والاستئصالية للوطنيين المغاربة والحيلولة دون امتزاج البورجوازية الوطنية بحركة قواد المقاومة المسلحة بالأطلس، عملا بما جاء في تقرير الجنرال نوجيس إلى وزير الخارجية الفرنسية إيف ديلجوس بتاريخ 9  أكتوبر 1937م في شأن الحركة الوطنية، الذي أكد فيه على أن لا يلتقي شعار الوطنية بالحواضر ببندقية البوادي، لأن الجمع بين الشعار والبندقية هو الخطر القاتل للاستعمار الرأسمالي خاصة الفرنسي.
وما بين1937  و1953م، بدأ القمع على يد الاستعمار الفرنسي وحلفائه الخونة من قواد وباشوات ورؤساء بعض الزوايا، وبعدما تم إغلاق بوابة الأطلس المتوسط على إثر أحداث مكناس، وإغلاق بوابة الأطلس الكبير بسبب أحداث مراكش…سيعمم القمع والإرهاب والترصد لاقتناص المقاومين أحياء مثل محمد الحنصالي وزايد أوحماد… (مذكرات عبد الله ابراهيم). إلا أنه بعد فوز أغلبية اليمين وممثلي الرأسمالية الكبيرة في الجمعية الوطنية بفرنسا أثناء انتخابات 1951م، و تحالفهم مع كبار المعمرين للمغرب (غيوم بيدوبلوسون وبونيفاس…)  ومع الخونة في المغرب.  
سوف يخيم الارهاب البوليسي الاستعماري، و يقيد حركة العبور خارج المدار الحضري لكل مدن المغرب، والسفريات بين المناطق، بحيث لا سفر ولا عبور إلا بترخيص مختوم وموقع من طرف البوليسي الاستعماري.
فن تكتيك المناورة لدى الوطنيين المغاربة في شأن مبدأ الوحدة  
تحول الشعب الى كتائب حركية حربية وخلايا منظمة ومسؤولة بمهام متعددة ومتنوعة لخدمة المقاومة التحررية وذلك بدهاء وحنكة وسرية تامة استعدادا واستشهادا… وبدأت عملية التنقل وعبور نقط المراقبة والتفتيش من طرف المقاومين دون إثارة انتباه و شكوك القوات الاستعمارية وعملاءها…
وبعدما تولد ميثاق الشرف والحرية بين الملك محمد الخامس والوطنيين وانصهر العهد بينهم، ظهرت عريضة 11 يناير1944م كقيمة مضافة عليا في التجربة الوطنية المغربية، مبنية على سيادة الشعب في المغرب وذلك بالإجماع الوطني الحر في الحواضر والبوادي، والتشبث بوثيقة الاستقلال، فبدأ تحدي الجماهير والوطنيين للاستعمار الفرنسي رغم تحسباته وتخميناته وتخطيطه ورغم قبضته الحديدية واستنفار أجهزته الأمنية وعملائه ومخبريه…
في هذا الإطار، وخلال سنة 1953م، قرر الوطنيون المغاربة المناضلون، المنتظمون في خلايا سرية بمدينة خنيفرة، تجاوز الانشقاق الحزبي بين المنتمين لحزب الاستقلال والمنتمين لحزب الشورى والاستقلال وإثبات إيمانهم وقسمهم بوثيقة الاستقلال، وإيمانا بنجاعة الوحدة والنضال التحرري ووفائهم بالاستقلال كمصلحة عليا للوطن، القيام برحلتين سريتين من مدينة خنيفرة إلى الرباط.
وتمت الرحلة الأولى من طرف خلية للمقاومة مكونة من ممثلين عن حزب الاستقلال آنذاك: محمد بن عبد الله صنهاج ومحمد بلحسن الأممي والمكي أوحجو ومحمد الهراس وعبد الرحمن الخراز (مقدم سابقا)…وممثل عن حزب الشورى والاستقلال موحى اومولود أڭريران الذي ساق بهم الطاكسي الكبير للنقل العمومي التي كان يملكها.
رمز الوطنية وتلاحم القيادة والقواعد فيما قدمه الوطنيون لملك الشعب
وقد تدرع هؤلاء المقاومون بحيلة إيصال العروسة أمحزون بنت سيدي نحوسى إلى بيت الزوجية، وفعلا انطلت هذه الحيلة كفن تكتيكي للوطنيين على حراس سدود المعابر، بالانبهار بشكل لباس العروس وجمالها، فلم يشكوا أو ينتبهوا بكون الركاب مقاومين وطنيين. فكانت الرحلة الأولى لإثبات الوفاء والاستمرارية على قسم عهد الاستقلال والإيمان بثبات واستمرار أواصر الوحدة الوطنية والحرية بين الملك والشعب.
وكانت الرحلة الثانية، قد تم فيها تقديم هدية رمزية وطنية أمازيغية المقصد وهي مكونة من “تاميزارت” ملفوفة بثوب حريري أخضر اللون، تم شراؤها آنذاك ب 7000 ريال (350 درهم)، بحيث أن حضور البعد الرمزي المتمثل في اللون والهدية والثمن ومشاركة النساء والتشبث بتلاحم القيادة والقاعدة في النضال التحرري، بمثابة عربون لوفاء المقاومين الوطنيين في خنيفرة باستمرارية النضال والمقاومة الوطنية للحصول على استقلال المغرب تحت قيادة الملك (المرجع شهادة المقاوم محمد بن عبد الله صنهاج يوم 2 يونيو 2020).
(°) أستاذ، فاعل مدني
مراجع:
– مذكرات عبد الله ابراهيم
– ألبير عياش: المغرب والاستعمار
Charles-André Julien, Le Maroc face aux impérialismes-
تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على Google News تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على Telegram

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

تعليقات

0

مقالات ذات صلة

الجمعة 9 مايو 2025 - 14:36

تقرير موضوعاتي يكشف وضعية وواقع الذكاء الاصطناعي بالمغرب

الجمعة 9 مايو 2025 - 10:43

انهيار عمارة سكنية بفاس من أربعة طوابق يخلف تسعة قتلى وسبعة مصابين

الجمعة 9 مايو 2025 - 08:21

عرض لأبرز عناوين الصحف الوطنية الصادرة اليوم الجمعة 9 ماي 2025

الجمعة 9 مايو 2025 - 08:04

توقعات أحوال الطقس اليوم الجمعة 9 ماي

error: