هل يمكن أن يجود الزمان العربي بإعادة إنتاج ظاهرة نجيب محفوظ في عالم الإبداع؟؟

أحمد بيضي الأربعاء 31 أغسطس 2022 - 00:43 l عدد الزيارات : 19643
  • د. عبدالمالك أشهبون (°)
صادف يوم 30 غشت 2022 ذكرى وفاة عميد الرواية العربية نجيب محفوظ (30 غشت 2006)، وبهذه المناسبة، لم يفت الكاتب والناقد المغربي، د. عبدالمالك أشهبون، تقاسم ما جاء في خاتمة كتابه: “زوايا ظليلة في روايات نجيب محفوظ”، الصادرة عام 2011 عن مؤسسة الوراق للنشر والتوزيع بالديار الأردنية
 لا بد من الاعتراف، أننا هنا بصدد التوقف عند تخوم قارة أدبية مترامية الأطراف، وأمام قمة سامقة من قمم السرد في العصر الحديث (عربيا وعالميا). إننا إزاء شخصية قلَّما يجود الزمان العربي بمثلها…إنها شخصية نجيب محفوظ الكاتب والروائي والقصاص والمسرحي وكاتب السيناريو
نجيب محفوظ: وارث سر الصناعة الشهرزادية بامتياز، وصاحب رؤية تجديدية في الرواية العربية على طول مسارها الممتد من جيل الرواد (رفاعة الطهطاوي، جرجي زيدان، محمد المويلحي، حسنين هيكل..)، مروراً بجيل طه حسين وتوفيق الحكيم والعقاد… الذين ساهموا، من جهتهم، في تعبيد الطريق أمام تيار الواقعية الذي ازدهر على يد نجيب محفوظ، ناقلاً بذلك الكتابة الروائية من عثرات التأسيس المتكررة إلى عنفوان مرحلة التجنيس، حيث غدت الكتابة الروائية جنساً أدبياً قائم الذات، مستقل الكيان الرمزي، له عشاقه ونقاده والمهتمين به على أكبر نطاق.
مع نجيب محفوظ لم تعد الكتابة الروائية أقل شأناً من الشعر الذي كان يشكل “ديوان العرب” بامتياز، بل غدت الرواية ديوان العرب، والأكثر إثارة للانتباه في الأزمنة العربية المعاصرة: كتابة وتلقياً.
نجيب محفوظ الذي تغير مسار الكتابة الروائية عنده، فتعدد وتنوع، ولم يتوقف، بالتالي، في نموذج محدد بعينه، بدءاً بالرواية التاريخية (“عبث الأقدار”، “كفاح طيبة” و”رادوبيس”…)، والرواية الواقعية (“القاهرة الجديدة”، “خان الخليلي”، “زقاق المدق”، “الثلاثية”….)، إلى حين انعطاف تجربة الروائية، بعد أن غدت رواياته اللاحقة رمزية، وذات بعد فلسفي كما في: “أولاد حارتنا” و”اللص والكلاب” و”السمان والخريف”، “الطريق”….، وصولاً إلى الرواية الملحمية (روايته الشهيرة “ملحمة الحرافيش”) وبعدها سيرته الذاتية الطريفة (“أصداء السيرة الذاتية)”
عبر كل هذا المسار الروائي الزاخر والحافل، كان رواياته صدى عميقاً للتحولات المجتمعية الهادرة، كما كانت رواياته باحثة عن مقومات روائية جديدة حين يعتقد البعض أنه اطمأن على تصنيف محفوظ في هذا الاتجاه الجمالي أو ذاك، ولعمري إن ذلك كان أهم أسباب النجاح الغامر الذي أحرزه نجيب محفوظ الروائي والأديب.
وكأننا بنجيب محفوظ يراهن في إستراتيجية رؤيته الإبداعية على ما لا يدوم ولا يستقر ولا يستكين؛ ما دام مفهوم التجديد لا يمكن تحقيقه بالأشكال الأدبية الثابتة، والأساليب الفنية المتواترة، والأبنية الجمالية النمطية؛ لأن كل كتابة مقولبة ونمطية، تخطئ مفهوم التجديد ـ في العمق ـ حتى وإن كانت تراهن عليه، وتنطلق من شعاراته.
نجيب محفوظ الذي نقل الثقافة العربية، ومعها الإبداع العربي من عالم المحلية الضيق والمحدود إلى فضاء العالمية، حيث فتح الباب مشرعاً أمام إعادة الاعتبار للذات العربية التي عانت ردحاً طويلا من نظرة الآخر الدونية، خصوصا بعد أن تُوِّجَ فائزا بجائزة نوبل للآداب في ذلك اليوم التاريخي والمشهود (يوم الخميس 13 أكتوبر 1988).
نجيب محفوظ الذي ظلمه ذوو القربى، سواء بالعنف الرمزي من خلال الجدل البيزنطي العقيم الذي دارت رحاه في بعض الأوساط الثقافية العربية، فور تلقيه الجائزة اللعينة (جائزة نوبل للآداب)، من جهة، وكذلك من خلال الاعتداء الجسدي الوحشي عليه (1994)، والذي كاد أن يودي بحياته، بدعوى تكفيره، وإهدار دمه من جراء فتاوى فقهاء التطرف، وخفافيش الظلام من جهة ثانية
نجيب محفوظ الذي ظل شفافاً وصافياً، ومنسجما في مواقفه السياسية التي عكستها بجلاء بعض رواياته. فهو لا يخفي تذمره من بعض مواقف ثورة يوليو، وما شابها من انحرافات وشطط كبيرين، انعكسا سلباً على أهداف الثورة المعلنة. فقد وصف محفوظ نظير هذه السلبيات في كثير من أعماله الروائية، وعلى سبيل المثال لا الحصر: “السمان والخريف” (1962) و”الكرنك” (1947) و”أمام العرش” (1983) و”ميرامار” (1967) … ولم يغير مواقفه بتغير طبيعة النظام السياسي في مصر، كما فعل الكثيرون جبناً ونفاقاً وحربائية.
وأخيراً نعود إلى السؤال/الإشكال: هل يمكن أن يجود الزمان العربي بمثل هذا المبدع/العبقري؟
أقول مختصرا ومسرعا: أعطونا زمناً عربياً حافلا وغنيا ومنفتحاً كالذي عاشه نجيب محفوظ مع كوكبة من العمالقة الذين عاصروه في الفن والسياسة والإبداع والسينما…نطمئنكم أنه بالإمكان أن تتعدد هذه الظواهر الاستثنائية في ثقافتنا العربية، والحال أن العكس هو السائد؛ فإنه من الصعب، جدا جداً، تصور إعادة إنتاج ظاهرة نجيب محفوظ في عالم الإبداع العربي بصفة عامة

ــــــــــــــــــــــ

(°) ناقد، دكتوراه الدولة في الأدب العربي المعاصر، عضو بعدة لجن للتحكيم وهيئات استشارية لدوريات مغربية وعربية، من أعماله “العنوان في الرواية العربية”، “زوايا ظليلة في روايات نجيب محفوظ”، “الحساسية الجديدة في الرواية العربية”، “عتبات الكتابة في الرواية العربية”، “تطريز الحكاية في المقامات”، وغيرها.
تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على Google News تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على Telegram

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

تعليقات

0

مقالات ذات صلة

الثلاثاء 22 أبريل 2025 - 13:34

استكتاب مفتوح أمام الباحثين للمشاركة في مشروع تاريخي حول “بلاد تادلا وزيان بين 1912 و1956”

الثلاثاء 22 أبريل 2025 - 12:45

لقاء بالرباط لتعزيز التعاون بين النقابة الوطنية للصحافة المغربية والمركز القطري للإعلام

الثلاثاء 22 أبريل 2025 - 10:51

المجلس الأعلى للسلطة القضائية يناقش مستقبل التكنولوجيا الحديثة في المجال ‏القضائي

الثلاثاء 22 أبريل 2025 - 06:41

يحيى الفخراني شخصية العام الثقافية بالمملكة المغربية

error: