مجلس المنافسة يعري واقع التعليم المدرسي الخصوصي

التازي أنوار

كشف مجلس المنافسة، أن التحليـل الاقتصـادي والتنافسـي لسـوق التعليـم المدرسـي الخصوصـي التابـع للنظـام الوطني، ودراسـة الإطـار المنظـم لـه، أكد أن هـذه السـوق مفتوحـة فــي وجـه كل مسـتثمر خـاص، مغربـي أو أجنبي يرغــب فـــي الحصــول علــى رخصــة للولــوج إليهــا، ومخــول لــه حــق مغــادرة الســوق اســتنادا إلــى ضمانــات توفرهــا الدولــة بهــدف اســتمرارية المســار الدراســي للتلاميــذ.

و أكد مجلس المنافسة في تقريره السنوي لسنة 2021، أن هـذه السـوق تتميز أيضـا بتعـدد الفاعلـين وبتنـوع الخدمـات المقدمـة. عـلاوة علـى ذلـك، تحـدد واجبـات التمــدرس مــن لــدن الفاعلــين وفقــا لبنيــة الطلــب وملاءتــه مــن جهــة، وحســب العــرض المتوفــر وجــودة الخدمــات المقدمــة مــن جهــة أخــرى. مضيفا أن الســير العــادي لهــذه الســوق يصطــدم بمجموعــة مــن النقائــص والعراقيــل التــي تحــول دون النهــوض بــالأداء التنافســي فيهــا أو ذات الصلة بضبطها.

و سجل التقرير العديد من العراقيل والصعوبات التي تنعكس على وضعية المنافسة بالسوق، ومن بينها أن هذه السوق يطبعهـا تبايـن علـى مسـتوى الأسـعار والخدمـات. وأن ســوق التعليم الخصوصي قائمــة علــى نمــوذج فريــد مــن المؤسســات وعلــى مســاهمات الأســر، حيث ترتكــز ســوق التعليــم المدرســي الخصوصــي علــى نمــوذج مؤسســات أحدثــت اســتنادا إلــى اســتثمارات ذات أهــداف ربحيــة، مــا يجعــل الطلــب المرتبــط بهــذا النــوع مــن التعليــم رهينــا بالقــدرة الشــرائية للأســر ، والولـوج إلـى خدماتـه شـبه محصـور علـى الأطفـال المنتمـين إلـى الطبقـة المتوسـطة.

وتابع التقرير “ويترتـب عـن ذلـك ضعـف تغطيـة المناطـق التـي تسـجل أعلـى مسـتويات مـن الفقـر النقـدي. كمـا يتعـارض هـذا الواقـع مـع مبـدأ تكافـؤ الفـرص والإنصـاف لتمتيـع جميـع الأطفـال بحقهـم الدسـتوري فــي الولوج إلـى التعليـم، مـا يسـتدعي ضـرورة العمـل لتجـاوز هـذه الازدواجيـة بـين “تعليـم عمومـي مجانـي مكلـف لميزانيـة الدولـة” و”تعليـم خصوصـي يسـعى إلـى الربـح وتأمـين عائـدات رؤوس الأمـوال، وضمان توازن بين المداخيل والنفقات”.

ومن بين أوجه القصور كذلك كما جاء في التقرير، وضعيـة هيئـة التدريـس التي تحـول دون النهـوض بالتعليـم المدرسـي الخصوصـي. مشيرا الى ان هـذه الوضعيـة تعد نتيجــة لشــكل مــن أشــكال المنافســة التــي تمارســها المدرســة العموميــة إزاء مؤسســات التعليــم المدرسـي الخصوصـي، مـا ينعكـس سـلبا علـى جـودة العـرض التربـوي بصفـة عامـة، وعلـى فعاليـة المؤسســات التعليميــة صغيــرة ومتوســطة الحجــم بصفــة خاصــة، والتــي تفتقــر إلــى المــوارد الضروريـة لتغطيـة نفقـات توظيـف أطـر تدريسـية مشـهود لهـا بالكفـاءة العاليـة.

ويـرى مجلـس المنافسـة أن الوضعيـة الراهنـة تسـتلزم اعتمـاد آليـة مـن شـأنها الحـد مـن نـزوح أسـاتذة التعليـم الخصوصي إلى المدرسة العمومية. زيـادة علـى ذلـك، يتعـين وضـع مخطـط عمـل مندمـج للتكويـن الأساسـي والتكويـن المسـتمر قصـد الرفع من مستوى أداء أطر التدريس، باعتبارها ركيزة فـي تحسين جودة العملية التعليمية.

كما شدد المجلس، على ورش المراجعــة التشــريعية الراميــة إلــى تنزيــل أهــداف تنويــع وتحســن جــودة العــرض التربــوي والمثيـرة لمخـاوف المهنيـن، و تعــدد الهيئــات المكلفــة بمراقبــة المؤسســات التعليميــة الخصوصيــة وتداخــل مهامهــا، و آليــات دعــم لا تخــدم الأهــداف المســطرة والمــراد تحقيقهــا. ويتعلــق الأمـــر، علــى وجــه خــاص، بمسـاهمة هـذا النمـط مـن التعليـم فــي دعـم الجهـود الوطنيـة لتشـجيع تمـدرس الأطفـال، بالاضافة الى ضعـف الرقابـة الممارسـة مـن طـرف جمعيـة أبـاء وأوليـاء التلاميـذ، مـا ينعكـس علـى ديناميـة سـوق التعليم المدرسي الخصوصي، وكل ذلك يشكل عائقا من عوائق التقنين حسب مجلس المنافسة.

و أوصى مجلس المنافسة، بصياغـة إطـار تعاقـدي جديـد يحـدد الأهـداف ومسـؤوليات مؤسسـات التعليـم الخصوصـي والدولـة والأجهـزة التابعـة لهـا، بهـدف إمـداد الفاعلـين برؤيـة واضحـة حـول الاختيـارات الاستراتيجية والوسائل المراد تعبئتها وفقا لخارطة طريق وثيقة الصلة.

كما دعا الى إعــادة النظــر فـــي الإطــار القانونــي قصــد مواكبــة التحــولات التــي تعرفهــا ســوق التعليــم المدرسـي الخصوصـي، والاسـتجابة للتحديـات التـي تواجههـا المنظومـة التربويـة الوطنيـة لاسـيما مراجعـة نظـام الترخيـص لولـوج السـوق، وتشـجيع نظـام حريـة الأسـعار، وإعـادة النظــر فـــي تصنيــف خدمــات النقــل المدرســي المقدمــة مــن قبــل المؤسســات التعليميــة الخصوصية، وتفعيل المقتضيات القانونية المؤطرة للتأمين المدرسي.

و أوصى المجلس، بضرورة إرسـاء آليـات تـروم والرفـع مـن ديناميـة المنافسـة بـين مختلـف الفاعلـن فــي سـوق التعليـم المدرسـي الخصوصـي، بهـدف إضفـاء نـوع مـن الشـفافية فــي العلاقة التي تجمع المسـتهلك- المتعلـم بالمؤسسـة التعليميـة مـن جهـة، ودعـم وتحفيـز الاسـتثمار فــي سـوق التعليم المدرسـي الخصوصي من جهة ثانية؛ و إعـادة النظـر فــي دور الدولـة بهـدف ضمـان تـوازن بـين الخدمـات المقدمـة مـن قبـل مؤسسـات التعليـم المدرسـي العمومـي والخصوصـي، لاسـيما عبـر تكريـس مرجعية المدرسـة العمومية، وتحســين شــروط توظيــف هيئــة التدريــس فـــي التعليــم المدرســي الخصوصــي وتمتيعهــا بالامتيازات.

و اكد المصدر ذاته، على ضرورة وضــع الدولــة لتدابيــر تــروم وتســهيل ولــوج الأســر لخدمــات التعليــم المدرســي الخصوصــي، لاسـيما عـن طريـق توسـيع قاعـدة الولـوج إلـى المؤسسـات التابعـة لهـذا التعليـم، وفتحهـا فـــي وجــه التلاميــذ المتفوقــين المنحدريــن مــن أســر معــوزة وذات دخــل محــدود، تكريســا لمبدأي العدالة والتضامن الاجتماعيين، مشددا على ضرورة إرســاء سياســة ترابيــة مرتبطــة بالنمــاذج التنمويــة المعــدة مــن قبــل الجهــات الاثنتــي عشــر للمملكــة، تتجســد فـــي إبــرام شــراكات تعاقديــة بــين الدولــة والجهــات والقطــاع الخــاص بغيـة تعزيـز ديناميـة سـوق التعليـم المدرسـي الخصوصـي، لاسـيما فــي الجهـات التـي تعانـي من ندرة فـي مؤسساته.