خيب مشروع القانون المالي 2023، الذي قدمته الحكومة أمس أمام نواب الأمة، آمالا عريضة انتظرها المغاربة لتخفيف معاناتهم مع ارتفاع تكاليف المعيشة واتساع رقعة الفقر في البلاد، بل تبين من خلال العديد من التدابير المالية التي تضمنها، أن الحكومة بهذا المشروع قد انحازت لسياسات تقع على النقيض من طموح الدولة الاجتماعية التي تدعيها في تقديم ديباجة المشروع، الذي تسعى من خلاله الحكومة إلى رفع مداخيلها العادية بحوالي 50 مليار درهم، أي بزيادة 19 في المائة عن القانون المالي 2022، غير أن السؤال الجوهري الذي يطرح نفسه بإلحاح هو من سيؤدي القسط الأكبر من هذا المبلغ ؟
وباستثناء الاعتمادات المالية المرصودة في مشروع القانون لتنزيل المشروع الملكي حول الحماية الاجتماعية وتعميم التغطية الصحية والرفع نسبيا من ميزانيتي الصحة (19 في المائة)، والتعليم (ب 6.5 ملايير درهم)، وتقديم بعض الزيادات المتفاوتة في أجور شرائح محدودة من الموظفين ( حوالي 3000 درهم للأساتذة الجامعيين)، وإعفاء جزء من المتقاعدين من ثقل الضريبة على الدخل، فإن هذا المشروع جاء بحزمة من التعديلات الضريبية التي تم حشوها في المشروع كالسم في العسل، والتي ستنعكس بشكل مباشر على تكاليف الحياة اليومية لجميع المغاربة.
واقترح المشروع فرض نسبة 35 في المائة على الشركات التي تحقق ربحا صافيا يساوي أو يفوق مائة مليون درهم، فيما اقترح فرض نسبة 40 في المائة في ما يتعلق بمؤسسات الإئتمان والهيئات المعتبرة في حكمها، وبنك المغرب وصندوق الإيداع والتدبير ومقاولات التأمين وإعادة التأمين، ومؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها تشمل الأبناك ومؤسسات التمويل والقروض، وإذا كان هذا الإجراء الضريبي سينعش خزينة الدولة، فإن المواطن المغربي الذي يستهلك منتوجات هذه الشركات والأبناك هو من سيؤدي في النهاية تكاليف هذا الإصلاح، حيث لن تتردد الأبناك وشركات التأمين والشركات الكبرى المعنية بقرار الزيادة الضريبية في الرفع من ثمن منتجاتها وخصوصا المنتجات والخدمات البنكية والتأمينية .
وبداية من مطلع العام المقبل سيكون المغاربة على موعد مع العديد من الزيادات المتفاوتة في أسعار الخدمات التي يقدمها أصحاب المهن الحرة، خصوصا المحامون وأعوان القضاء والموثقين والعدول والبياطرة، وذلك لأن مشروع قانون المالية أقر تغييرات جديدة في الضريبة على القيمة المضافة المتعلقة بالمهن الحرة المنظمة حيث سيتم رفعها من 10 في المائة المعمول بها حاليا إلى 20 في المائة.
وورد في المذكرة التقديمية لمشروع قانون المالية لسنة 2023، في الشق المتعلق بالتدابير الخاصة بالضريبة على القيمة المضافة، أنه في إطار تكريس مبدأ حيادية الضريبة على القيمة المضافة، اقترح ملاءمة النظام الضريبي في ما يخص الضريبة على القيمة المضافة المطبقة على بعض المهن الحرة المنظمة، وتقترح الحكومة إخضاع العمليات المنجزة من طرف المحامين والتراجمة والموثقين والعدول وأعوان القضاء والبياطرة في نطاق مزاولة مهنهم للسعر العادي البالغ 20 في المائة بدلا من سعر 10 في المائة المعمول به حاليا.
ولن تسلم الملفات التي يضعها ملايين المغاربة لدى المحامين من موجة الزيادة، خصوصا بعدما فرض مشروع قانون المالية الجديد على المحامي أو الشركة المدنية للمحاماة تلقائيا أداء تسبيق برسم الضريبة على الدخل أو الضريبة على الشركات على السنة المحاسبية الجارية لدى كاتب الضبط بصندوق المحكمة لحساب قابض إدارة الضرائب، ويؤدى هذا التسبيق مرة واحدة عن كل ملف في كل مرحلة من مراحل التقاضي، وذلك عند إيداع أو تسجيل مقال أو طلب أو طعن أو عند تسجيل نيابة مؤازرة في قضية بمحاكم المملكة. وحدد المشروع المالي مبلغ التسبيق في 300 درهم بالنسبة لمحاكم الدرجة الأولى، و400 درهم بالنسبة لمحاكم الدرجة الثانية، و500 درهم بالنسبة لمحكمة النقض.
وأضاف المشروع، في هذا الجانب، أنه بالنسبة للمقالات المتعلقة بالأوامر المبنية على الطلب والمعاينات وفقا لمقتضيات الفصل 148 من قانون المسطرة المدنية، فيحدد مبلغ التسبيق عنها في 100 درهم.
إلى ذلك، سيواجه المستهلك المغربي بداية 2023 زيادات مباشرة في أسعار معظم المنتجات التي يشكل السكر أحد مكوناتها الصناعية حيث تريد الحكومة فرض ضريبة استهلاك داخلية على المنتجات التي تحتوي على السكر، وينبع هذا الإجراء من مقترحات الحكومة لفرض ضريبة استهلاك داخلية على منتجات مثل البسكويت والشوكولاتة ومنتجات الألبان والزبادي و الياغورت .. وقد تم تضمين هذا الإجراء تحت ذريعة الحفاظ على صحة المواطنين والوقاية من الأمراض الناتجة عن الاستهلاك المفرط للمنتجات التي تحتوي على نسب عالية من السكر.
عماد عادل
تعليقات
0