يتبادر إلى ذهني اسم غاب طويلا عن الساحة السياسية، كلما صادفت أطفالا مشردين في الشارع، وأطفالا حديثي الولادة يتم كراؤهم من أجل التسول، وأطفالا لم يعد لهم الحق في أن يلعبوا كرة القدم إذا لم يؤدوا الواجب الشهري والتأمين السنوي بملاعب القرب، وشبابا تغلق في وجوهم آفاق التعلم…
كم أتفاعل بأسف عميق مع تلك المشاهد البئيسة، فتدفعني إلى المساءلة عن واقع الطفولة من جهة، وعن حال صاحب أشهر ركن باللغة الفرنسية “Politis-Qui s’y frotte” التي كانت تنشر خلال تسعينيات القرن الماضي في الصفحة الأولى من جريدة “ليبيراسيون” المغربية، وكم أحس باللؤم حين تخونني ذاكرتي وأنسى قسرا اسما كان مروره سريعا كالومض.
إنه سي محمد الكحص كاتب الدولة الأسبق المكلف بقطاع الشباب الذي أطلق في بداية الألفية الثانية، سياسات فريدة بألوان حزب الاتحاد الاشتراكي، والتي كانت تدخل في إطار البرامج ذات طابع اجتماعي وتربوي وثقافي، كالعطلة للجميع التي استفاد منها في عهده مليون ونصف طفل مغربي، بالإضافة إلى المقاهي الثقافية والجامعات الصيفية والقائمة طويلة، كانت كل تلك البرامج تروم جلها تأطير الطفولة على جميع المستويات، بما فيها الجانب النفسي والفكري والتربوي، بهدف زرع حب الوطن والانفتاح والتسامح في نفوس الناشئة، لتجنيب المجتمع السقوط في براثن الانحراف والتطرف.
وقد تذكرت سي محمد كثيرا، حين نظم المجلس الوطني لحقوق الإنسان صباح يوم الجمعة 25 نونبر 2022 بالمركب التربوي الحسن الثاني للشباب بالدار البيضاء، ندوة حول موضوع الأطفال في وضعية صعبة.. أي حماية ؟ تزامنت مع اليوم العالمي لحقوق الطفل، وقد شارك فيها كل من رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان أمينة بوعياش، والمخرج المغربي نبيل عيوش، وممثل وزارة الشباب محمد آيت الحلوي.
خلال هذا اللقاء، أجمع المتدخلون على أن الوضعية الحقوقية للطفل بالمغرب، عرفت تطورا كبيرا في السنوات الماضية بفضل الجهود التي بذلت من قبل القوى الحية، من منظمات وجمعيات وهيآت حكومية، وذلك تماشيا مع التوصيات الملكية، التي تولي أهمية قصوى لحقوق الإنسان بشكل عام ومن بينها حقوق المرأة وحقوق الطفل والأقليات الدينية والعرقية..
بالمناسبة، فكل الكلام الذي قيل عن الأطفال في تلك الصبيحة، كان جميلا.. يملأ النفوس أملا بأن الغد سيكون أفضل، كما أنه لا أحد يشكك في صدقية أصحابه، فالمخرج نبيل عيوش كانت له الجرأة والشجاعة الأدبية ليكشف منذ أكثر من 22 سنة عن واقع حقوق الطفل في المجتمع المغربي من خلال عمله السينمائي “علي زاوا” ، بل أكثر من ذلك، خلق مؤسسة تحمل نفس اسم شريطه الطويل، تقوم بأنشطة فنية وثقافية في العديد من المدن والأحياء الفقيرة، أما أمينة بوعياش، فقد كرست حيزا كبيرا من حياتها النضالية للدفاع عن حقوق الأطفال. لكن مشروع حماية الطفولة هي ورشة شاسعة، تستدعي التدقيق في مكامن الخلل والأسباب التي تجعلها تزداد تعقيدا في مجتمعنا، لهذا فهي تتطلب توفير إرادة حقيقية للنهوض بها من خلال عمل تشاركي بين مكونات المجتمع المدني والمؤسسات الحكومية، لأنه لا يمكن تحقيق أي تنمية دون الاهتمام بملف حقوق الإنسان، وعلى رأسها حقوق الطفل باعتباره مستقبل كل الأوطان.
تعليقات
0