تقرير: الوظيفة بالمغرب ترتكز على الدبلومات لا على الكفاءات

التازي أنوار

كشف المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، أن موضوع نقل الكفاءات في المغرب لا يتبوأ المكانة اللائقة به، حيث تظل الإجراءات والمبادرات التي تم اتخاذها غير كافية في ظل وجود العديد من العقبات التي تعوق عملية نقل الكفاءات داخل المؤسسات.

و أبرز المجلس في رأيه بعنوان “تعزيز نقل الكفاءات في الوسط المهني”، والذي تم إعداده في إطار إحالة ذاتية، أنه من بين أبرز العقبات والإكراهات، غياب مساطر تؤطر هذه العملية، حيث يتم نقل الكفاءات في الغالب بكيفية “غير مهيكلة”، لاسيما بالنسبة للملتحقين الجدد بالمؤسسة، و نقص جليّ في آليات وقنوات نقل الكفاءات، و “انقطاع” سلسلة نقل الكفاءات في بعض الحرف التي تقوم في جانبٍ كبير منها على المعرفة الضمنية، ويكون تعلُّم المهارات والقدرات فيها بالتجربة (كما هو الحال بالنسبة للحرف التقليدية).

وأوضح المجلس، أنه يمكن أن يُعزى هذا الوضع في جانب منه إلى ضعف ثقافة تقاسم المعارف ونقلها داخل المؤسسات، وكذا إلى وجود إطار قانوني لا يحفز بالقدر الكافي على نقل الكفاءات. ذلك أن النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية، شأنه في ذلك شأن مدونة الشغل، يركز بشكل أكبر على الدبلومات والأقدمية والدرجات والمؤهلات والتجربة المهنية، ولا يَنُصُّ صراحة على تثمين الكفاءات ولا يحدد كيفيات نقلها.

وشدد المصدر ذاته، على أن الحاجة الملحة اليوم لأن تولي بلادنا اهتماماً خاصاً لهذه الإشكالية، التي قد تزداد تعقيدًا بالنظر إلى ما يرتقب بنهاية الفترة الممتدة ما بين 2021 و2025 أن تحال نسبة 9.75 في المائة من الموظفين على التقاعد. في المقابل، فإن الجهود المبذولة في مجال التوظيف تظل غير كافية؛ وكذلك تفاقم ظاهرة هجرة الموارد البشرية المؤهلة نحو الخارج، حيث يحتل المغرب المرتبة الثانية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مجال هجرة الكفاءات، وذلك بحسب مؤشر خروج الكفاءات وهجرة الأدمغة لسنة 2022.

واعتبر المجلس، أن الكفاءات تشكل التراثَ غير المادي الذي تمتلكه أي مؤسسة، كما أن نقلها يعتبر الآلية المثلى لاستمرارية المرفق العام وضمان نجاعة أدائه، وتعزيز تنافسية القطاع الخاص. كما يساهم نقل الكفاءات في الحفاظ على المعارف، لاسيما المعارف غير الموثقة بشكل كافٍ أو المستمدة فقط من الخبرة المكتسبة. كما تتيح هذه العملية الاستثمار الأمثل لزمن العمل وتَمَلُّك ثقافة المؤسسة وتثمين رأسمالها البشري وتعزيز تماسكه.

و دعا المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي إلى جعل عملية الحفاظ على الكفاءات وضمان نقلها مكونا لا غنى عنه في كل الاستراتيجيات والسياسات المتعلقة بتدبير الرأسمال البشري.

وأوصى المجلس بمراجعة النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية ومدونة الشغل، من أجل إدراج مفهوم نقل الكفاءات، مع العمل على التحديد الدقيق لمكوناته ونطاقه وكيفية نقل هذه الكفاءات، ووضع خارطة للكفاءات من أجل ضمان استدامتها والحفاظ على المهن المهددة بالإندثار.

وذلك من خلال، وضع وتحيين دلائل مرجعية للوظائف والمهن ودلائل مرجعية للوظائف والكفاءات، وإحداث وتعزيز مراصد للمهن والكفاءات تتولى الرصد المنتظم للكفاءات الموجودة و/ أو التي بها خصاص، وتحديد المهن المعرضة للضغط أو المهددة بالزوال، وذلك بغية ملاءمة برامج التكوين، و  تعزيز مخططات حماية المهن المهددة بالاندثار، لا سيما حرف الصناعة التقليدية، وذلك من خلال التمرس المهني والاعتماد على الطرق التراثية في تلقين هذه الحرف وتناقلها من جيل إلى جيل، و تحسين نقل الكفاءات عن طريق التكوين المستمر.

كما طالب المجلس، باتخاذ تدابير تحفيزية لنقل الكفاءات في القطاعين العمومي والخاص، من خلال أخذ الجهود المبذولة في مجال نقل الكفاءات بعين الاعتبار أثناء عمليات تقييم أداء العاملين وتحسين أجورهم، وإتاحة الإمكانية لحركية الموظفين والأجراء بين القطاعين العمومي والخاص، وذلك بما يسمح بنقل الكفاءات والخبرات والمهارات الوظيفية والمهنية، من قطاع إلى آخر ومن مؤسسة إلى أخرى، مع الحرص على الحفاظ على المكتسبات الاجتماعية، من خلال توفير الإطار القانوني المناسب.