باحثون وجمعويون يلتئمون بمريرت للمطالبة بإنقاذ الموروث المحلي وتشخيص تاريخ “إغرم أوسار” الأثري
أحمد بيضي
الإثنين 6 مارس 2023 - 23:29 l عدد الزيارات : 28391
خنيفرة: أحمد بيضي
أوصى المشاركون في أشغالاليوم الدراسي المنظم بمريرت، يوم الأحد 5 مارس 2023، من طرف “جمعية مدرسي التاريخ والجغرافيا” في مريرت، بتنسيق مع “جمعية تيغزى أطلس للتنمية”، حول “التاريخ المحلي: اغرم اوسار نموذجا”، بالتأكيد على “ضرورة اهتمام باحثي المنطقة بتاريخهم المحلي لأجل فهمه والتعريف به”، مقابل “الاعتراف بتعرض التاريخ المحلي للمنطقة للتهميش”، و”العمل على الوعي أكثر بالتاريخ الكمي في سبيل تجاوز شح المادة المصدرية، والنظرة الأحادية في فهم وتدريس الموضوع”، وكذا على “الانطلاق من المونوغرافيات و المكرو تاريخ لفهم التاريخ الوطني في شموليته”.
وبينما أبرز المشاركون مدى “شح المادة المصدرية في دراسة التاريخ وما يتطلبه ذلك من اهتمام بعلم الآثار الاركيولوجية”، ومن عمل على “تفعيل النصوص التشريعية الخاصة بحماية هذه المصادر المادية الأثرية”، شددوا على أهمية “الترافع لدى الجهات المعنية لحماية وتصنيف الموروث الحضاري والمادي للمنطقة”، و”توظيف التكنولوجيا الحديثة في التعريف به”، وذلك انطلاقا من “جرد وتوثيق المعالم والتراث المادي الخاص بالمنطقة”، ومن “القيام بدراسات وورشات وعروض وندوات وحملات تحسيسية”، من أجل “حماية الموروث وتوعية الساكنة المحلية بأهمية الحفاظ عليه”.
وبينما أكد المشاركون “تعرض القطع الأثرية للمنطقة للتهميش والسرقة، وما يفرضه ذلك من تحركات لصيانتها”، أجمعوا على “أهمية تأسيس مركز للبحث التاريخي لآيت سكوكو بهدف دراسة والتعريف بالموروث المادي للمنطقة”، مع دعوة المجتمع المدني إلى تكثيف الجهود في سبيل “دعم كتابة التاريخ المحلي”، انطلاقا من “عقد لقاء موسع للتعريف بكتابات أبناء المنطقة حول التاريخ المحلي”، و”استثمار اللقاءات في الترافع والعمل على إحياء هذا التاريخ وربطه بالتنمية”، وبينما تم “الاقتناع بأهمية إدماج المكون العبري في فهم التاريخ المحلي لمنطقة فزاز”، تم الوقوف على أهمية اللغة الأمازيغية في تيسير دراسة وفهم هذا التاريخ”.
وقد دشنت “جمعية مدرسي التاريخ والجغرافيا”، بمريرت، خطوتها/ موسمها بتنظيم اليوم الدراسي حول التاريخ المحلي، والذي أحتضن “المركب الاجتماعي لتأهيل المرأة” أشغاله، وتضمن ندوة بتأطير الأساتذة الباحثين: ذ. حوسى جبور، ذ. لحسن رهوان، د. إدريس أقبوش وذ. الحسين أكضى، وتميزت بتسييرها من طرف ذ. محمد السهلي، وبينما سجل الحدث تنظيما متميزا وحضورا نوعيا وتفاعلا ملموسا، جرى تتويجه بزيارة ميدانية استكشافية جماعية للموقع الأثري “إغرم أوسار”، بمشاركة كل المشاركين والحاضرين، حيث اطلع فيه الجميع على طابع الموقع العمراني والحضاري وذاكرته وأهميته البالغة على المستويات التاريخية والأركيولوجية.
وقد رفع الستار عن أشغال اليوم الدراسي بكلمة للأستاذ محمد زكري، باسم الجمعيتين، شكر فيها المشاركين في الندوة ل “تجشمهم عناء البحث من أجل وضع أرضية غنية للنقاش حول موضوع التاريخ المحلي عموما، الموقع الأثري اغرم أوسار بشكل خاص، في أفق البحث والتقصي عن المآثر الأخرى التي تزخر بها المنطقة”، ومتمنيا أن يكون مولود “جمعية مدرسي التاريخ والجغرافيا” إضافة نوعية ومتميزة في مسار العمل الجمعوي والمساهمة في الكشف والحفاظ على كنوز التراث المادي وغير المادي التي تزخر بهما المنطقة، وتاريخها وهويتها بكل أبعادها وروافدها المختلفة”، فيما أعلن عن اليد الممدود لكل المبادرات التي تتقاطع مع أهداف الجمعية.
ومن جهته، شارك ذ. حوسى جبور، بورقة حول “جوانبمنالمواقعالأثريةوالمعالمالتاريخيةببلادفازازخلالالعصرينالوسيطوالحديث”، كمساهمة منه في“التعريفبالتراثالتاريخيالمحلي، خصوصا منه الاثري، وفي الترافعلدىالجهاتالمسؤولةلصيانته، والشروعفيالتنقيبالايركيولوجيبشكلعميقفيالمدنالاثريةببلادفازاز) الاسمالقديمللأطلس المتوسطاستعمل فيالعهدالمرابطي (لسد الثغراتالتيتشوبتراثناالمحلي”، علما، يقول المتدخل، أنإقليمخنيفرةيعتبر منالمناطق الجبليةالتيتتوفرعلىالكثير منالمكوناتالتراثيةالماديةعبارةعنمواقعأثريةومعالمتاريخيةتعود،حسب الأبحاثالاركيولوجيةالقليلة،للعصرالقديم.
ومنخلالعمليةالبحثالذيقامتبهبعثةمشتركةمغربيةإيطاليةبالموقعالاثري“اغرماوسار”، يضيف المتدخل، تم”العثورعلى لقىأثرية،عبارةعنارحيةوأوانيخزفيةحجريةتعودلفتراتالعصرالبورنزيخلالفتراتماقبلالتاريخ،حسب تقاريرهذهالبعثة، فيمابينتالأبحاثالأثريةأنالمرابطينأقامواحصناأثناءاستغلالهملهذا المنجم،مايتطابقمعالمعثوراتالتيوجدتبالموقععبارةعنقناديلطينيةوتحفأثريةشبيهةبتلكالتيتمالعثور عليهابمراكش”،فيما تؤكدغالبيةالمصادر،حسب المتدخل، أن تاريخ تشييد“اغرماوسار” يرجعإلىالعصرالموحديخلالالنصفالأولمنالقرن 12 م) فترةحكمعبدالمومنبنعليالكومي 1131م).
وبعد حديثه عن المكانةالهامةالتيكانتتضحىبهامدينة “اغرماوسار”خلالالعصرالوسيط إلى حدالتناحربينالدولالمتعقبةعلىحكمالمغربخلالالعصرالوسيط، لم يفت المتدخل التطرق للحياةالاقتصاديةلمملكةفازاز )قلعةالمهدي)،و”اعتماداعلىاللقىالأثريةالتيعثرعليهافي هذاالموقع،عنداكتشافهصيف 1996 تأكد اهتمامالساكنةبالأنشطةالصناعيةمثلالأوانيالفخاريةوالمصنوعاتالمعدنيةكالنبالوحجاباتالخيلوالحليوالأدواتالزجاجية،فيما تمالعثور بهاعلىقطعنقديةتحملاسمعليبنيوسفبنتاشفينالذيحكمالمغربوالأندلسما بين 1106 م 1143 ممعاكتشافنقودأخرىتحملاسمالإمامالمهديبنتومرتالزعيمالدينيللحركةالموحدية”.
وإلى جانب ذلك، انتقل ذ. جبور بالحضور إلى الحديث عن موقع“الزاوية الدلائية التي تقععلىبعد 12 كلمشمالايت اسحاق، والتي يعود تأسيسإمارتها خلال 1566 معلييدالشيخأبيبكرالصنهاجيالمجاطي،وكانتعبارةعن مركزدينيتقصدهالوفودمنمختلفمناطقالمغرب،إلى حين بدأتالزاويةتنمووتتطورفيعهدابنهمحمدأبيبكر الصنهاجيالذيتولىقيادةالزاويةسنة 1612 م”، قبل تطرق المتدخل للمعالم التراثيةوالمزاراتالدينية والزوايا (الناصرية نموذجا)، ثم “القناطر التيشكلتجزءً منتاريخبلادفازازلقيمتهاالحضاريةوالتاريخية ووظائفها السياسيةوالعسكريةوالاقتصاديةوالاجتماعية” (الاسماعيلية والبرج…).
أما ذ. لحسن رهوان، فانطلق في مداخلته من الإشارة ل “ما يعترض الباحث في التاريخ المحلي من فقر في المصادر والدراسات”، اللهم ما هو متوفر من روايات أو أبحاث هزيلة، قبل تطرقه لموضوع “إغرم أوسار” وما “يفرضه من حديث عن الثروة المعدنية في مغرب العصر الوسيط”، فيما اختار التفصيل في تاريخ الموقع عبر حديثه عن مناجم عوام وموقعها الجغرافي والاستراتيجي، وحجم تأثيرها السياسي والاقتصادي”، وبخصوص النشاط المعدني بهذه المناجم، توقف المتدخل عند الدراسات والأبحاث والحفريات التي تشهد على ذلك من خلال ما جرى العثور عليه من بقايا (معاول، مطارق، قناديل زيتية، سلال، دواليب وأدوات فخارية وخشبية، أفرنة، مصاف…).
وفي ذات السياق، تناول ذ. رهوان موضوع مدينة “إغرم أوسار” التي أشارت في شأنها جل المصادر الكلاسيكية إلى كونها “تأسست من طرف أحد أمناء السلطان الموحدي عبد المؤمن، خلال القرن الثاني عشر الميلادي، غير أن روزينبيرجيه يثير الشبه الكبير بينها وبين الحصون والقلاع المرابطية (نموذج تاسغيموت وقصبة النصراني وزاكورة)، وقيل “إنهاكانت في غاية التحضر والعمران والاستقرار البشري، قبل سقوطها تحت الصراع الموحدي المريني”، و”تخريبها خلال زحف السلطان المريني يعقوب المنصور الموحدي سنة 1262م نحو مراكش، وكيف ستبعث القصبة المدينة من جديد في عهد السلطان ابو الحسن الذي سيقوم بإنشاء قصرا لضرب السكة” .
وبدوره، افتتح د. إدريس أقبوش مداخلته من “إشكالية التمدين ببلاد زيان”، ومن “وظيفة التاريخ التي هي وظيفة فكرية وحس نقدي وحاجة اجتماعية، بعيدا عما يتم تلقينه بالمدارس”، فيما تناول جدلية “الوعي الإنساني وعلاقته بالتاريخ”، و”دلالة الاهتمام بالبحث في تاريخ بلاد زيان وعوام عن طريق ما تمتاز به من خصوصيات حضارية وتاريخية عريقة عجز الأدارسة والمرابطون في اقتحامها بفعل المواجهات القوية”، ذلك قبل تأكيد المتدخل، د. إدريس أقبوش، “أن التاريخ أضحى أكثر من أي وقت مضى يفرض علينا جميعا ضرورة التصالح معه بسلبياته وإيجابياته”، باعتباره ضرورة قبل أن يكون علما.
وارتباطا بالموضوع، تطرق المتدخل للنزعات الإيديولوجية والكتابات الميرنوغرافية، ومدى “أهمية توسيع الذهنية لدى الباحث الذي عليه الانفتاح على المعارف التاريخية”، فيما تناول بالتالي محاور إشكالية المدن المتوسطية وشروط التنمية والأهمية الاستراتيجية والعمرانية للمنطقة، مفككا السؤال حول “مؤسس منطقة إغرم أوسار، وظروف اختيار موقعها والنقص المهول في الوثائق المتعلقة بها”، وعلاقة ذلك ب “شروط تأسيس المدن”، وفق منظور ابن خلدون وابن زرع الفاسي، قبل توقفه بالحديث عن “تاريخ التهافت على مناجم عوام ومخطط الأدارسة لاقتحام عوام وتادلة”، وعن “عراقة هذه المنطقة التي تجاوزت الحدود إلى نحو عدد من دول العالم”.
كما شارك ذ. الحسين أكضى، بمداخلة حول موقع “إغرم أوسار”، وما تم العثور عليه من قبور تدل على ما عرفته المنطقة من كثافة سكانية، فيما لم تفته الإشارة ل “عمل بحثي تاريخي كان قد بلغ مقر المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية وبقي على الرفوف دون طبعه”، فيما توقف المتدخل كثيرا بحديثه عن فقهاء الكنوز الذين “ظلوا يتربصون بالمنطقة وينقبون بين الأسوار والأعماق، وبذلك أتلفوا الكثير من التحف والمخطوطات، بما في ذلك اليهودية، وتم الاتجار فيها بشكل عشوائي لم يقدر الأهمية التاريخية لها”، بينما حرص المتدخل على الانتقال للحديث عن تاريخ الاستغلال المكثف للمعادن وما ساهم فيه ذلك من تخريب للتاريخ.
ومن خلال مداخلته، تحدث ذ. الحسين أكضى عما تناولته الكتابات الاستعمارية حول المنطقة، وعما يقال حول حقيقة وصول الرومان لها؟، وما تكتنزه من معادن ورصاص وفضة، وما إذا كانت بعض المآثر بها لها علاقة بعصر بورغواطة أو الأدارسة؟، فيما لم يفته استعراض مجموعة من القطع النقدية التي تم العثور عليها ب “إغرم أوسار”، و”دور منجم عوام في بناء اقتصاد ونفوذ الدول المتعاقبة على حكم المغرب في العصر الوسيط”، فضلا عن “المعارك التي دارت رحاها للسيطرة على الموقع”، فيما توقف المتدخل للإشارة لما أنتجه هذه المناجم من فضة خالصة بقصد تزويد دور السكة بها، سيما في عهد الصراع الإدريسي البرغواطي.
وتكلل اليوم الدراسي بخرجة جماعية إلى موقع/ مدينة “اغرم أوسار” الأثرية، حيث تم الاطلاع على أطلال أسوارها الممتدة على نحو 26 هكتارا ببَابَيْن، وجرى تشكيل حلقية لتبادل الأفكار والروايات والمعلومات والشروحات المرتبطة بتاريخ هذا الموقع، وما تم اكتشافه بها من مسكوكات وتحف وأوان ومعادن نفيسة، وكذا بالمكونات الحجرية التي بنيت بها، ولغز اختفاء سكانها، والوجود اليهودي بها، وظروف نشوب إحدى المعارك على أرضها، فيما تم الوقوف على ما يتعلق بالزحف الممنهج على الموقع الأثري من طرف الشركة المنجمية بعد “انتصار الاقتصاد والمال على التراث والتاريخ”، لتختتم الزيارة بتوزيع شهادات تقديرية وبقصيدة أمازيغية للشاعر محمد الغازولي.
تعليقات
0