عبد الحميد جماهري

يبدو الحوار، في شكله الممارس حاليا في معالجة توترات التربية الوطنية، صيرورة معطلة بسبب سيادة منطق الأزمة والتأزيم، في قطاع حيوي وجوهري مثل قطاع التربية الوطنية. ولحد الساعة تتوالى دعوات الحوار، مع تفاوت في درجة التجاوب معه، ثم في درجة وصوله إلى نتائج تحقق الحد الأدنى من التوافق الجماعي.
وفي انتظار ذلك، تظل التربية الوطنية، موضوع أزمة لا يتم تجاوز أحد جوانبها حتى يظهر جانب آخر ( مادي، تنظيمي، مناهجي، لغوي … إلخ).
ويمكن القول بأن الحاجة إلى تغيير طريقة تدبير توترات الحقل التربوي صارت تستوجب ما فوق الحوار الاجتماعي، الذي صار له معنى ضيق في تدبير الأزمات في القطاعات المعنية، لا سيما منها الهيكلية وذات البعد الاستراتيجي.
وإذا كانت وسيلة الحوار الاجتماعي(أحد ممكنات إنجاح الدولة الاجتماعية ) قد أفضت إلى نتائج مهمة في مجالات القطاع الصحي والتعليمي الجامعي، فإنها بخصوص المدرسة الوطنية بطوابقها الثلاثة ( الابتدائي والإعدادي والتأهيلي الثانوي) تنبئ بوجود ما هو أعمق من ملفات مطلبية..
ولربما صار من الضروري ومن الأنجع، المرور إلى مفهوم أوسع للأزمة التعليمية التي طبعت مسارات المغرب المستقل منذ بداياته ( أضواء على مشكل التعليم» للأستاذ الجابري كان قد أرخ لبداية الأزمة، ومازالت أحلامه قيد الطبع!)، وهي تعود في أشكال مختلفة تنبئ بكون القطاع إحدى بؤر الأزمة في المجتمع لأسباب متعددة، قد تكون من بنود الحوار الوطني المطلوب.
وهو حوار يكون هدفه، من صميم النموذج التنموي الجديد، الذي تلقى ضربة معنوية موجعة، باعتبار أن التعثر في التربية ارتبط باسم الوزير شكيب بنموسى، الذي قاد أوسع وأطول وأعمق حوار وطني في المغرب المستقبلي، وفي ظروف صعبة وحاسمة تقاطعتها أزمة كوفيد والحرب الأوكرانية – الروسية.
ومن المفيد لتنشيط الثقة في العمل بالنموذج، تلمس الأسلوب الحواري طويل النفس في موضوع التعليم، وقد يكون من المفيد الوصول إلى »ميثاق وطني من أجل التنمية التربوية« تكون فيه بنود التفعيل، واضحة. على أساس »سؤال كبير وشامل: أي مدرسة نريد للمملكة،مدرسة حاملة للقيم،تحقق شروط الانتقال إلى مرحلة جديدة من بناء الإنسان المغربي، تجيب عن أسئلة المواطن المراد تكوينه: كامل المواطنة، مستعد للعمل وقادر عليه، رجل هوياتي؟ ، أو ماذا نريد من هذه القيم التي قطعنا فيها أشواطا من خلال القانون التنظيمي الخاص بالتعليم، ومن خلال تدابير الرافعات الخاصة بمستقبل التكوين، ومن خلال ما راكمناه في مجال الهندسة اللغوية مثلا إلخ…؟
لقد صار الحوار الوطني، الواسع والعرضاني الذي لا يقتصر فقط على المكون التربوي، التنظيمي، بل يتعداه إلى كل فئات المجتمع، أحد ممكنات حل الأزمة بشكل أعمق: يحدد فيه المجتمع، بناء على درجة وعيه واطلاعه على تجارب دولية، ومن خلاله، استعداده لحجم التضحية التي يستطيع تقديمها من أجل المدرسة المرجوة، وحجم التكلفة التي يعلن استعداده دفعها من أجل هاته المدرسة …!
وهو الحوار الذي قد ندعي بأنه قادر على استخراج عناصر التفكير العلمية والمجتمعية الكفيلة بأن تساهم في إفراز طرق ونقط الاندماج المدرسي في المرحلة الجديدة التي يسعى إليها المغرب.
ومع وجود الفارق، وباستحضار أنه لا يوجد نموذج واحد ووحيد للحوارات الوطنية، يمكن القول إن المغرب جرب إصلاحا قضائيا، كانت له أسسه الدستورية، وله مطامحه الديموقراطية، ونجح في مستوى بعيد في توفير عناصر الإجابة عن أسئلة قطاع كان محط انتقاد واسع في الداخل والخارج، وربما يمكن للمجلس الأعلى للتربية أن يحتضن دورة حوارية وطنية أكبر من التدبير الحكومي، توفر عناصر أجوبة قطعية عن مركزية المدرسة في بناء الشخصية الوطنية، تكون حارسة قيمها ومنتجاتها وعنوان المملكة الروحية، مدرسة انصهار كل القيم الوطنية والأخلاقية والدينية فيها، مع أفق حقيقي ما فوق الأزمة ، مادية كانت أو معنوية..
وإذا اعتبرنا أن الحوار الوطني مداه هو التوافق، كما اعتمده المغرب في كل القضايا المستجدة أو الخلافية. ووسيلته هي التفاوض حول الإصلاحات أو تحديد عملية تنفيذها وتنزيلها، فإنه أيضا عمل قويم من أجل الشروع في مصالحة المدرسة الوطنية مع المجتمع، ومصالحة الأطراف المعنية في ما بينها..