عبد الحميد جماهري
كل شيء أعد للزيارة لكي تكون عزفا منفردا في قاموس العلاقات المغربية – الإماراتية. ورافق الشكل التاريخي للاستقبال، مضمون تاريخي لمخرجاتها..
في موجبات التأسيس للشراكة الجديدة المعلن عنها، قاموس متميز ظهر في ديباجة البيان المشترك، موجبات تتكلم عن الأخوة الحقيقية، المحبة الصادقة، الثقة التامة والانسجام الكامل، وهي مترادفات لعنوان سياسي واحد مفاده أننا أمام «توأمة» سياسية واقتصادية لبلدين!
والواقع أن معطى الثقة في الوضع العربي الحالي، والسابق أيضا، يستحق لوحده التنويه، باعتبار. أن وجوده من مؤسسات أي فعل سياسي ناضج. وهذه الثقة التي تكاملت في العصر الحالي، تمتح جذورها من العهد السابق بين الراحلين الحسن الثاني والشيخ زايد آل نهيان، وعرفت فيها القيم لحظة سمو كبيرة.
لنعترف بألا أحد توقع هذا المستوى المعلن عنه، ولنعترف بما يقوله نقاد الشعب أن «أفق الانتظار تمت خلخلته»، كما أنه لم يسبق أن تم الأمر نفسه بين بلدين أو كيانين، ونحن أمام شراكة ربما كانت في التوصيف التقليدي لها، تتطلب وجود قطب من الدول لإتمام. بنودها من البحر إلى البر، ومن الهيدروجين إلى الصناعات الغذائية، ومن المتوسط إلى الأطلسي..).
بعد ربع قرن ترسخ لدينا أن تحركات الملك لا تنزل عن المستوى الاستراتيجي، سواء شرقا أو غربا أو عمقا نحو القارة.
والمخرجات الحالية فاقت كل التوقعات، بالرغم من أننا كنا نشيد بما تحقق إلى حد الآن؛
الشراكة الجديدة تمس كل ما وضعه جلالة الملك من مقومات المرحلة الجديدة التي يبشر بها منذ ثلاث أو أربع سنوات، أي الانتقال إلى إقلاع اقتصادي شامل، يمس استراتيجية ترصيد الواجهات البحرية، الذهاب نحو العمق الإفريقي، ونحن اليوم أمام قوة إقليمية مالية واقتصادية حقيقية ترافق المغرب في كل تطلعاته.
الانفتاح على بنيات المغرب الهيكلية من سكك ومطارات وموانئ وطرق..
وكما قلنا، في نقاش القناة الثانية رفقة العزيز زكريا آيت عبد المجيد، إذا كان محمد بن زايد آل نهيان قد شارك وهو في بداية صباه في المسيرة الخضراء، فها هو يشارك اليوم في المسيرة الزرقاء المغربية والمسيرة الخضراء لاقتصاد الهيدروجين.
كما أن البلدان وجها، بصوت واحد ومشروع مشترك، رسائل إلى صناع القرار المالي الاقتصادي في العالم (أوربا، أمريكا… وبريطانيا) وهو ما يجعل من الالتقائية بين مشاريع الدولتين، عنصر طمأنة وثقة لكل الشركاء الحاليين والمحتملين.
لقد التقى محمد السادس ومحمد بن زايد كقائدين لقوتين إقليميتين بطموح كبير، ليسيرا نحو مستقبل اقتصادي مشترك، بسقف مرتفع وبطموح عال جدا، وهما في ذلك يسعيان إلى جعل الشراكة الاقتصادية ترافق وتصاحب وتعادل الشراكة السياسية التي بنتها الإمارات والمغرب طوال نصف قرن..
من المنتظر كذلك أن البلدين سينشآن مجموعة أقطاب ناجحة للتميز champions تتوجه للاستثمارات القارية، شمالا وجنوبا، إضافة إلى السوق الأسيوية، ومن المنتظر كذلك أن تتلاقى التدابير المالية من خلال تجهيز الإمكانات التمويلية لهذا المشروع الكبير. كما من المنتظر أن ترتفع الشراكة إلى مستوى التدبير المشترك للفضاء الأطلسي كما يقدمه المغرب.
وفي هذا السياق، لا بد من القول إن دول الخليج لها حظوة خاصة للاستفادة من الدينامية الأفرو أطلسية، باعتبار علاقتها المتميزة مع المغرب، كما أن طموحها في أن تذهب أبعد من التعاون الأمني السياسي، من خلال شراكات اقتصادية، يجعلها فاعلا في التشبيك الأطلسي، كفضاء اقتصادي بامتياز. والمعروف من خلال دراسات عديدة أن التعاون الاقتصادي هو »حبل المشيمة« في التجمعات الأطلسية الأمريكية. وعلى التعاون المغربي الإماراتي أن يؤسس لتعاون أوسع مغربي – خليجي، يسعى إلى تأهيل نفسه اقتصاديا لخدمة الريادة الدولية.
لقد كانت الشراكة جوابا عن سؤال المستقبل الذي طالما طرح على العلاقات المغربية – الخليجية، ومضامين هذا المستقبل ، ثنائيا وجماعيا. ولعل المغرب قد فتح الطريق نحو هذا القدر الأفرو أطلسي الممكن لدول الخليج، وفي مقدمتها الإمارات السباقة إلى هذا الاستشراف!
تعليقات
0