باحثون في التراث يشاركون بخنيفرة في حفل قراءة وتوقيع كتاب “مولاي بوعزة: المقدس الصوفي والمعماري”
أحمد بيضي
الإثنين 29 يناير 2024 - 23:36 l عدد الزيارات : 50149
أحمد بيضي
ضمن برنامجه “في ضيافة كتاب كل شهر”، استضاف “المركز الثقافي أبو القاسم الزياني”، بخنيفرة، عشية يوم السبت 27 يناير 2024، حفل قراءة وتوقيع كتاب: “مولاي بوعزة: المقدس الصوفي والمعماري في خدمة اقتصاد التراث”، لكاتبه الباحث في التاريخ والتراث المحلي، د. جواد التباعي، وذلك بحضور المؤلف ومشاركة الباحثين د. محمد أمحدوك، ذ. عبد الصمد حدوشي و ذ. المصطفى فروقي، فيما قام ذ. حوسى جبور بتسيير جلسة الحفل الذي تميز بحضور نوعي من المهتمين بالتراث والتاريخ، والطلبة والباحثين والفاعلين المحليين، كما سجل تفاعلا ملحوظا مع مضامين أوراق المشاركين الغنية بالمعطيات والوثائق التاريخية، وبالأسئلة والآراء.
وقد افتتح الحفل بكلمة تمهيدية للمسير، ذ. حوسى جبور، وضع فيها الحضور في دلالة وصميم هذا اللقاء المتعلق بإصدار سعى من خلاله صاحبه إلى “إعادة الاعتبار لجانب مهم من التراث الثقافي الديني بالمغرب العميق، من خلال تناوله لشخصية وضريح الولي أبي يعزة أو مولاي بوعزة في عمل مثمر على مستوى الجرد والنبش والتوثيق”، و”سبل العمل على دراسة وتثمين موضوعه والمحافظة عليه في الذاكرة التاريخية، وجعله مساهما في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياحية والثقافية”، سيما في “ظل شح المصادر والبحوث والدراسات”، فيما لم يفت المسير الإشارة لما تعانيه المآثر المعمارية والدينية والتاريخية من إهمال وتهميش.
من جهته، ولج ذ. عبدالصمد حدوشي، في ورقت، من مداخل أساسية لعمل د. جواد التباعي، وسياقاته ودوافعه ومخرجاته، ك “موضوع تراثي يرتبط بمكان محدد، وينتسب للبحث التاريخي الديني”، كما “لسؤال التنمية الاجتماعية والثقافية والموروث الشعبي”، فيما توغل المتدخل في ما تضمنه العمل حول العمارة والطبيعة والصوفية بمجال مولاي بوعزة وطقوس موسمه السنوي، قبل توقفه عند مصطلح “اقتصاد التراث” الذي حمله غلاف العمل، ولتجليات الثقافة الشعبية التي تمكن الباحث من التقاط حياتها بكل تفاصيلها، ومن استخراج البعد البيئي من مضامين العمل، والذي قد يتبادر للبعض أنه جرى إقحامه من جانب الباحث.
ومن جانب آخر، لم يفت ذ. حدوشي ملامسة ما تضمنه العمل من “تقنيات الجمال وصفاء الروح، ومن لذة الرموز والإشارات التي تمكن الباحث من إخراجها للمتلقي، عبر ما يمكن من الجرد والتوثيق والبحث”، ومن “الوعي بكون تاريخ السلف لا ينبغي تركه للخلف عن طريق السمع بل عبر التدوين والحفظ والصون”، فيما انتقل المتدخل بالتالي لتشخيص العمل على ضوء القيمة المنهجية، وكذلك للحديث عن “موسم مولاي بوعزة كدلالة على الاحتفال والفرجة ونمط العيش”، وعن “المادي والرمزي في ضريح أبي يعزة”، مذكرا ب “الحجرة الضيقة” التي ما تزال العقلية الشعبية تعتبرها “معبرا واختبارا للبركة والخير ورضا الوالدين”.
وبدوره، انطلق الباحث د. محمد أمحدوك من موضوع العمل المحتفى به، والذي “كاد أن يكون مستفزا للكثيرين على خلفية حساسية المكان ولما له من خصوصية”، مشيرا لكون الباحث د. جواد التباعي قد “تمكن من اقتحام موضوع مليء بالألغام الإيديولوجية والدينية والثقافية والتاريخية والسياسية”، وب “الآراء التي تعتبره مجالا للخرافة والكرامات والولاية الصالحة”، بينما “الموضوع له راهنيته الخاصة” في “ربطه العلمي بالبراغماتي الاقتصادي”، حسب المتدخل الذي لم يفته إبراز علاقته ب “المكان الذي كبر مع أخباره وطقوسه وصوفيته”، وكذا بالكاتب الذي وصفه بالباحث المهووس بالبحث العلمي الأكاديمي.
ومن خلال مداخلته، تناول د. أمحدوك قيمة العمل من باب مرامي “تثمين التراث الثقافي والتاريخي وارتباطه بما هو تنموي رغم كل تيارات العولمة”، واستطاعة هذا العمل “مزاوجة التاريخ كبحث والمستقبل كاقتصاد”، قبل انتقاله لتفكيك بعض عادات وطقوس وأعراف المجال الذي حدده العمل المذكور، ليضع سؤالا عريضا حول: “الكيفية التي يمكن بها قراءة تراثنا الثقافي المحلي والتعامل معه علميا”؟، و”كيف أن اسم مولاي بوعزة ما يزال يحيلنا على المقدس دون المكان والمجال والتراث؟”، فيما اختار ذات المتدخل التوقف كثيرا عند مضامين العمل وفصوله وبنيته المورفولوجية ومدى انتسابه لتاريخ الذهنيات والرؤى المتطرفة له.
أما ذ. المصطفى فروقي فانطلق في ورقته من تحليل بعض المفاهيم الأساسية، والمحيطة بالعمل المحتفى به، ومنها مثلا المفهوم المعماري، والزاوية واقتصاد التراث والمقدس الصوفي، قبل تناوله السياق البحثي لهذا العمل و”جرأته في اقتحام جوانب غير معروفة في البحث التاريخي، ومنها المقدس والأضرحة”، وكذا تناوله “مدى انتساب العمل للإطار الأكاديمي والبحث العلمي”، و”احترامه لضوابط وقواعد المنهجية المطلوبة في الحقل التاريخي”، فيما عاد المتدخل بالحضور لبعض الكتابات الكولونيالية التي تناولت موضوع الأضرحة بالمغرب، والتي جاءت عكس الطريقة التي تناول بها د. جواد التباعي هذا الموضوع بحس المؤرخ الذي يعتمد الكتابة التاريخية السليمة.
وفي ذات السياق، أشار ذ. فروقي لتمكن الباحث من “إيجاز فترة زمنية طويلة في بضع صفحات بطريقة مفهومة ومتكاملة”، ومن “الدور الاقتصادي للزخم المحيط بالضريح والمجال والمعمار”، فيما انتقل للحديث أكثر عن محتوى العمل الذي “استطاع نقل المغرب العميق لدائرة الضوء”، وعن “الصلحاء وسعيهم إلى الحفاظ على العُرف والشرع خلال تموقعهم في القبائل”، قبل تطرقه للعمق الإيديولوجي للزاوية البوعزاوية و”البدع” التي اقتحمتها، ولما يرتبط بالكرامة الصوفية التي لم يفته فيها قراءة ما تحتوي عليه من أحداث ورموز وخطابات، وخلالها استحضر مجموعة من الحكايات التي حضر فيها الأسد واستعماله في قصص الكرامات والسياسات السلطوية المختلفة.
وخلال اللقاء، لم يفت صاحب العمل المحتفى به، د. جواد التباعي، التفاعل مع مداخلات المشاركين، حيث انطلق من ظروف قيامه بالبحث في موضوع “مولاي بوعزة”، ومن الفكر الكرامي والخطاب الصوفي والجانب المعماري لضريح مولاي بوعزة الذي صار يحظى بكثير من الاهتمام، وكذا هندسته وألوانه وزخارفه ونقوشه التي “لا تختلف عما هو عليه الحال بضريحي المولى إسماعيل والشيخ الكامل”، فيما أشار الباحث لبعض الحكايات التي لا تقل عن “بغلة أو أفعى مولاي بوعزة”، ولعلاقة الضريح بالزاوية، دون أن يفوته القول بأنه “لا يدافع عن الطقوس ولا يحاربها باعتباره مجرد باحث يقدم للقارئ ما أنجزه رغم عائق اندثار مجموعة من الوثائق الهامة”.
وتميزت أشغال اللقاء/ الحفل بفتح باب المناقشة، حيث تم تسجيل مجموعة من التدخلات المتفاعلة مع أوراق المشاركين من خلال عدة أسئلة ومقترحات وآراء غنية لا تقل عن نقاط نظام حول ما أضحت تعرفه مواسم مولاي بوعزة من طقوس وممارسات وظواهر رهيبة، وحول التصوف كظاهرة دينية، ومدى العلاقة بين الزاوية والضريح، وهل الضريح ما يزال فعلا يؤدي ما كان يؤديه السلف؟، وما يمكن القيام به لتصحيح الصور التي انتجتها الكتابات الكولونيالية؟، فيما حملت أسئلة أخرى ما يتعلق بعلاقة السياسي بالزوايا؟، ودلالة المقاربات السوسيولوجية في البحث التاريخي، والكيفية التي ينبغي التعامل بها مع اقتصاد التراث كماض أو كمشروع مستقبلي؟.