حفل ثقافي في خنيفرة لتقديم وتوقيع الرواية المرشحة للجائزة العالمية البوكر: “الفسيفسائي” لعيسى ناصري

145٬389

أحمد بيضي

أبرز الكاتب والروائي، ذ. عيسى ناصري، في حفل تقديم وتوقيع روايته “الفسيفسائي”، بخنيفرة، بأنه “لم يكن يراهن على الجائزة بقدر إيمانه بما يكتب، ما دامت الكتابة بالنسبة إليه مغامرة واستمتاع بالنص”، كما أن “الشهرة لا تغريه مطلقا”، وعن وصول روايته ل “القائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية البوكر 2024″، أكد أن “التعامل مع الجائزة يجب أن يكون برزانة وثبات وليس بشكل سلبي”، فيما لم يفته الكشف عن ثنايا وتشعبات روايته من خلال قوله : “إن مزيجا من القراءات شكلت هذه الفسيفساء التي فرضها عليه غموض العالم” وأكدتها له التحولات التي “لم يعد فيها الإنسان مركزا للكون بل عنصرا من عناصره”.

وفي ذات السياق، أوضح صاحب “الفسيفسائي” أن رحلته السردية في هذا العمل “لم تكن محض إلهام أو فطرة حين كانت أحداثا وأمكنة في حاجة إلى نقد وتصور وأرضية، خصوصا بعد ما يعرف بالحداثة”، ومن خلال أسئلة تشابك الحكي والسرد في منجزه الروائي، حرص ذ. ناصري على وضع الحضور في سر ترصيف روايته “وكيف عمد إلى جعلها عملا يهيمن عليه الوصف بهدف شد القارئ إلى تداخل الأزمنة والأمكنة، وجره إلى تعدد الجغرافيات والذوات والشخصيات”، كما إلى اللغة بما فيها “الشعرية والإيحائية والنفسية والباحثة عن الصيغ المتفردة”، ليتوقف عند ذكر نماذج من أعمال روائية مغربية وعالمية نقلت إلى الشاشة السينمائية.

جاء ذلك خلال الحفل الذي نظمه “المركز الثقافي أبو القاسم الزياني”، في خنيفرة، عشية يوم السبت 10 فبراير 2024، وتم فيه تقديم وتوقيع آخر أعمال ذ. عيسى ناصري السردية “الفسيفسائي”، في حضوره وبمشاركة النقاد ذ. محمد العمراني، ذ. رشيد مسيد وذ. مصطفى داد، فيما قام بتسيير اللقاء ذ. محمد عياش، وبينما سجل اللقاء حضورا نوعيا من المتتبعين للشأن الثقافي والفني بالإقليم، من مختلف الأعمار والأطياف، تميز بأسلوب ومنهجية ذ. محمد عياش في التسيير، والذي انساب بالحضور في دلالة اللقاء وشخصية الروائي المحتفى به، وفي “فسيفسائيته” التي قال بأنها تذكره بروايات عبدالرحمن منيف ذات النفس الطويل.

من جهته، انطلق ذ. محمد العمراني في ورقته حول “السرد الفسيفسائي و تقعير الكتابة” من العلاقة التي تجمعه بالروائي عيسى ناصري، ومن الإشارة لتفرع مسارب السرد والمواضيع المتعددة في قلب الرواية، وما تتضمنه من أحداث وتقارير وأحلام ورؤى وأمكنة وأزمنة متباعدة، لتكون بذلك، حسب المتدخل، “مختبرا جماليا عبر تقنية وتجليات التقعير، وعملا يتحدث عن نفسه وينير عتمة لياليه”، قبل تركيزه بالتالي على ثلاث تقنيات بنيت عليها رواية “الفسيفسائي”، كالتناص والحلم والميتاقص، والميتاسرد، ومحاولة التنظير وجينية الكتابة، ومدى “تمكن الكاتب من تحريك شخصيات وأبطال “مخطوطات” روايته من خلال بطل واحد”.

وبعد استحضاره لبعض شخصيات الرواية المذكورة، و”أحلامها الشبيهة بأحلام الكاتب”، تلا المتدخل، ذ. العمراني، مقاطع من هذه الرواية، ونماذج من حضور المرجعية الفرويدية والإدمونية فيها، و”عقدة الخصاء” و”الحلم الارتدادي” وغيرها من مستلهمات بعض الكتابات النفسية والفلسفية، ليصف طبقات الرواية وحواريتها العجيبة ب “لعبة البوزل”، و”العمل الفريد في مزجه الخيال بالواقع، وتعدد الأمكنة بتعدد الأزمنة”، وفي “ضمان الانتصار للحياة” من خلال رحلة طويلة من الإثارة والتّشويق عبر ما يقارب ثمانية عشر قرنًا، وأزيد من 450 صفحة، وفسيفسائية من التفكيك والتشظّي والتداخل والتشابك.

أما ذ. رشيد مسيد، فتناول مداخلته حول رواية “الفسيفسائي” من “جمالية التشكيل الفني: تفاعل الأجناس نموذجا”، حيث انطلق مما تحمله هذه الرواية من فيض الجمالية، ومما جعل عنوانها يبرهن على أن “الفسيفساء حب قبل أن يكون صنعة”، وعلى تمكن كاتبها من “نحت صخر الكتابة بقلمه، إلى درجة أن الرواية مارست عليه كقارئ سلطة إغراء لقراءة عوالمها وأسرارها وأحداثها”، ولأجناسها المتوزعة بين المعمار والسينما والنحت والأغنية والملحمة والبرامج الإذاعية والمذكرات والطقوس والتقارير الصحفية، ولما وظفته من أساطير ممزوجة، ببراعة نادرة، بين المقدس والمدنس، وبين التاريخ القديم والعالم المعاصر.

ولم يفت المتدخل، ذ. مسيد، من خلال ورقته، التوقف أكثر عند بعض الأساطير التي تم اعتمادها في بناء رواية “الفسيفسائي”، مقتصرا على نموذج أسطورة باخوس، إله العنب والخمر لدى الرومان، وتمثاله الخشبي بأحد العيادات، وأثره بالموقع الأثري لمنطقة وليلي المغربية، حيث “صنع الروائي من وجود التمثال بهذا الموقع صرخة لأجل إنقاذ وحماية ما تبقى من الحضارة القديمة بالمملكة”، سيما بعد جريمة تعرض التمثال للسرقة في ظروف غامضة، ذلك إلى جانب أسطورة هاديس الواردة في الرواية أيضا، وهي “إله العالم السفلي” لدى اليونان والرومان، والذي هبط بابنة إلهة القمح والربيع، پيرسيفوني، لهذا العالم لتكون ملكة.

وبدوره، اختار ذ. مصطفى داد المشاركة في تقديم رواية “الفسيفساء” من قراءة “التجريب الروائي” فيها، شكلا ومضمونا ومعنى، ومدى تمكن صاحب هذه الرواية من “إرباك القارئ بعيدا عن نمط الرواية التقليدية”، دون أن يفوت المتدخل وصف هذا الروائي ب “الروائي والمبدع الحقيقي”، وروايته ب “الرهان السردي الحكائي الباذخ الذي له من القيمة الفنية والجمالية ما يشجع القارئ على اقتحام مجاهلها وعوالمها التي ليس من السهل تفكيكها”، فيما توغل أكثر في فصول الرواية و”الخلفية النظرية والمنهجية التي نُسجت بها هذه الفصول”، و”المفاهيم الجديدة في علاقتها بالمتلقي وواقع التراث الوطني والعالمي”.

وانطلاقا من سؤال: “أي تجديد إبداعي يدعو للبحث في الجمالية على ضوء طبيعة التغيرات البشرية والعلمية والاجتماعية؟”، أبرز المتدخل، ذ. مصطفى داد، مدى “قدرة صاحب الرواية على رصد التحولات المجتمعية ومطبات الواقع لتشييد بناء روايته بذلك”، كما غاص في ما سيكتشفه المتلقي للرواية من وقائع وعوالم وأنفاس وأفكار ورؤى ومخطوطات وبنيات نصية وعُدة مفاهيمية، ومن تماه بين ما هو واقعي وتاريخي وشخصي واللازمني، وأعطاب باحثة عن أشكال فنية جمالية لأجل تشخيصها ومحاورتها، ومن أجناس متجانسة مع عمق التحولات المجتمعية التي ترخي بظلالها على العالم القائم والإنسان المعاصر.

error: