ليس أمرا مفهوما، أو مستساغا، أن نظل نجاهر بأنه ٱن الأوان أن يخطو المجتمع المغربي خطوات أخرى إلى الأمام، في ما يتعلق بشأن القضية النسائية ككل، وعلى الخصوص مدونة الأسرة .
ذلك أننا في مجالات عديدة استطعنا كأمة مغربية ملتحمة، أن نحقق نجاحات أبهرت العدو قبل الصديق، وكان لها جميل الأثر على مستوى صورة البلد دوليا ،وعلى قرارات بعض الدول مؤخرا في ما يخص قضيتنا الوطنية، إذ استطاع المغرب أن يقدم جديدا على مستوى حركته الدبلوماسية، كما تمكن من أن يحقق الكثير من التقدم في حقول كثيرة، مما ساعده على فرض احترامه على الجميع في المنتظم الدولي .
أمر نصفق له بحرارة، ويشعرنا بفخر الانتماء للوطن، لكنه يدعونا في الوقت نفسه إلى أن نتحسس مواطن النقص والضعف التي يمكن أن تخدش هذه الصورة الملمعة، لأن سيرورة التحول الذي يحدث الآن في البلد، تقتضي أن تشمل أيضا وضعية الإنسان المغربي عموما، والمرأة على الخصوص، الذي يجب أن يحظى بكامل حقوقه المدنية والسياسية، أسوة بغيره في دول صنفت دولا تحفظ فعليا حقوق الإنسان .
وما دام المغرب قد صادق على هذه المواثيق الدولية، وهو حدث يحسب له، فإنه مطالب بالالتزام بها جملة وتفصيلا، والعمل بمحتوياتها ومضامينها، حتى يكون في انسجام تام مع مشروعه التنموي العام، الذي ستكون فرصة نجاحه أكبر، لو تحقق هذا الالتزام بهذه المواثيق.
والقضية النسائية اليوم، ومراجعة مدونة الأسرة، تطرح علينا كبلد، نفسها بشكل لا مناص منه، ولا يمكن أن نحيد عن ذلك، لأننا مجتمعيا بلغنا نقطة تحول إيجابي لا يمكن أن تأخذ مسارها الصحيح والكامل إلا إذا تم الإقرار بإجماع الكل بضرورة النهوض بالأسرة المغربية، وبكل مكوناتها، خصوصا تلك التي تعاني من هشاشة كبيرة على مستوى وجودها اليومي والحقوقي، والمقصود هنا المرأة والطفل، لارتباطهما معا على الدوام .
فالمجتمع السليم المقبل على التطور والتحول الإيجابي، كي يكون في مصاف الدول التي يدخل معها في تحديات كثيرة وكبيرة، لا يمكنه أن يترك هذه الثغرة التي قد يلج منها الضعف والخلل اللذان يلحقان حتما الأسرة والمجتمع، إذ لا يمكن المرور في عالم متطور ومجتمع متحول إلى مرحلة أكثر تقدما ونجاعة، والأسرة تعاني من فوضى في علاقات مكوناتها ببعضها البعض، حيث ثمة غياب عدالة داخلها وكذلك غياب اعتراف بأهمية وقيمة إحدى ركيزاتها، وهي المرأة التي إن لم يستطع المشرع إنصافها وهي شريك أساسي في كل صغيرة وكبيرة داخل هذه المؤسسة الهامة أي الأسرة، فلن تحقق لقفزة نوعية من خلال قوانين تصون لكل الأطراف حقوقهن /م، وفق ما يرضي الضمير الإنساني، وهو العدل والإنصاف .
إذ لا يجوز الوقوف في وجه إحقاق حق، هو لصاحبه، والمرأة هنا ذات حقوق انتزعت منها بغير وجه حق، حقوق تم هدرها، بل الوقوف في وجه من طالب بها ،بحجة مخالفته لما هو ثابت في المجتمع، وما هو متعارف عليه، وغير ذلك من الذرائع غير المؤسسة عقليا، ولا إنسانيا ، بل بالعكس تكشف عن إغفال وربما جهل تام أو مُبيت، بأنه لا مشروع مجتمعي متقدم يخطو بنا كبلد نحو تنمية شاملة تكون معبرا للخروج من فلك الدول التي لا تزال تحت وطأة التخلف، إلا إذا سرنا في اتجاه توفيرالأمن الحقيقي للأسرة المغربية، من خلال القضاء على كل أشكال التصدع الحاصل فيها والمدمر لعلاقات كان يجب أن تكون ناجحة بين الأطراف المشكلة لها، وفي ذلك مراعاة المصلحة الفضلى للطفل الذي، وفي تجاهل توفير الشروط الصحية والسلامة التي يجب أن تتاح له خلال تنشئته الاجتماعية، نكون أمام أعداد من الشباب الذين يعانون من مشاكل نفسية ستلقي بظلالها المأساوية على المجتمع ككل .
لا يمكن أن يقف العاقل منا في وجه هذه المراجعة، باسم وفاء لثوابت توهم البعض أنها تعقل كل تغيير مرتقب، في أنها تكون سوى محصلة تمثلات بعيدة كل البعد عن مقاصد الشريعة، التي لا يمكن أن تذهب في غير اتجاه مصلحة الفرد الصالح في المجتمع، والذي لن يتحقق صلاحه الحقيقي والفعلي إلا إذا تم التهييئ لمناخ أسري يستشعر فيه كل من الطفل،الأم ،الأب، الأمان والراحة النفسية، وهذا لن يتحقق إلا إذا تمت مراجعة القوانين المجحفة في حق المرأة ،التي تعتبر إلى جانب الرجل، قوام هذه المؤسسة، التي لا يجب تكبيلها، والتكالب على مصلحتها الفعلية، تحت غطاء المحافظة على ثوابت ومراعاتها، من أجل صيانة الأسرة، ثوابت وضعت المرأة في خانة الموصى عليها، وهذا أمر يكذبه الواقع، حيث أثبتت النساء أنهن في مستوى المسؤولية الملقاة على عاتقهن في كل المجالات، فقط يكفي أن يتحقق لهن الاستقلال المادي والفكري، وأن يتمتعن بكل الاحترام والتقدير الذي يستحققنه، بوصفهن ذواتا حرة عاقلة، وهذا هو ما يسعى إليه كل من يحمل في ذاته بذرة تفكير سليم، وإيمان قوي بأنه لا تنمية ولا تقدم بدون إنصاف عادل للمرأة…