آمنة بوعياش تتسلم جائزة شمال – جنوب بمجلس أوروبا و تستعرض إنجازات المغرب وتجربتها الشخصية كمدافعة عن حقوق الإنسان
محمد اليزناسني
الأربعاء 22 مايو 2024 - 09:13 l عدد الزيارات : 27816
لمتتركآمنةبوعياش، رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان الفرصة تمر وهي تتسلمجائزةشمال – جنوببمجلسأوروبا دون أن تترافع للدفاع عن التطور الحاصل في المغرب في الشق المتعلق بحقوق الإنسان انطلاقا مما عاشته في تجربتها.
واعتبرت بوعياش في كلمتها خلال حفل التتويج أن هذا التكريم له دلالة خاصة بالنسبة لها، لأنه يتزامن مع الذكرى العشرين لإحداث هيئة الإنصاف والمصالحة. و تمثل هذه الهيئة نموذجا رائدا للعدالة الانتقالية في العالمين العربي والإسلامي، فهي تعد تجربة فريدة في العالم بفضل اشتغالها على جبر الأضرار الجماعية، واعتمادها لمقاربة النوع الاجتماعي، وتقديمها لتعويضات فعلية لضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.
كما شكلت هذه المرحلة الهامة في بناء دولة الحق والقانون في المغرب لبنةأساسيةلمقاربةمغربيةلحقوقالإنسان، تقوم على التفاعل المستمر بين المجتمع المدني والدولة، وتتميز بثلاثة عناصر رئيسية: (أ) التوافق بين جميع أصحاب المصلحة، بدلا من المساومة، (ب) ابتكار الاستجابات الأنسب للسياق الوطني، (ج) انخراط جميع الفاعلين ضمن مقاربة تشاركية تشمل الجهات الاثنتي عشرة للمملكة.
وبفضل هذه المقاربة، اعتمد المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان سابقا، المجلس الوطني لحقوق الإنسان، الذي تترأسه حاليا، توصية من المجتمع المدني بإنشاء لجنة لتقصي الحقائق، قبل أن يوافق عليها جلالة الملك محمد السادس.
من جهة أخرى، لم يكن إصلاح مدونة الأسرة ممكنا دون الرؤيةالمتبصرةلجلالةالملك، الذي استطاع أن يجعل من تردد المجتمع، سنة 2000، بشأن قضية حقوق المرأة والمساواة بين الجنسين نجاحا حاسما ونادرا في المنطقة.
وبذات الرؤية، تقول بوعياش، يستعد المغرب لإصلاح مدونة الأسرة، للمرة الثانية خلال عشرين سنة، كما تم فتح المجال للنساء لولوج مهنة العدول بقرار ملكي، وهو ما شكل منعطفا تاريخيا وثورة حقيقية.
“عملنا ليس عملا عاديا، بل هو بالنسبة لي، دعوة وجودية تستدعي الانضباط والعزم والتواضع. إن الأمر يتعلق بالإيمان الراسخ بإنسانية الجميع والاقتناع بأن الكرامة والعدالة والمساواة هي مصيرنا المشترك“
وأضافت رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان : « وبالتالي، فإن الحوار بين المجتمع المدني ومختلف الفاعلين المؤسساتيين مكن من تنفيذ المبادئ والقيم الدولية لحقوق الإنسان بالشكل الملائم، وفي الوقت المناسب، مما أتاح تملكها وتعميمها تدريجيا لتشمل المجتمع بكل مستوياته. ومن شأن الزخم الذي أعطاه المجتمع المدني لهذه العمليةالمعيارية، أن يعزز ترسيخ مبادئ حقوق الإنسان ويحث الفاعلين المعنيين على العمل من أجل دعم هذا المسعى.
وأظهرت الأشواط التي قطعها المغرب في مكافحة التعذيب أو غيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة أن هذه العملية هي متعددة الاتجاهات.
في عام 2009، سهرت على قيادة جهود مجموعة من المنظمات غير الحكومية المغربية لحقوق الإنسان الرامية إلى الترافع من أجل التصديق على الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري والبروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب، وإنشاء آلية للوقاية من التعذيب التي أحدثت ضمن هياكل المجلس الوطني لحقوق الإنسان في عام 2019، بناء على توصيةمؤسسية صادرة عن هيئة الإنصاف والمصالحة.
وتعتبر الشراكة القائمة بين المجلس الوطني لحقوق الإنسان والمديرية العامة للأمن الوطني، بالإضافة إلى البرامج التدريبية الدورية التي نعقدها بالتعاون مع الدرك الملكي، فريدة من حيث نطاقها الشاسع الذي يجمع بين النهوض بحقوق الإنسان وحمايتها.
ذلك هو النهج المؤسسي الذي ننشد أن نبني عليه علاقاتنا مع المؤسسات الوطنية النظيرة بأفريقيا وتفاعلنا معهم، وهو ما مهدنا الطريق نحوه العام المنصرم بمراكش من خلال تأسيس الشبكةالإفريقيةللآلياتالوطنيةللوقايةمنالتعذيب، والتي تتخذ المغرب مقرا لأمانتها الدائمة.
ولم يكن تفعيل الإصلاحات المهيكلة في مجال حقوق الإنسان في المغرب ليتحقق دون الانخراط الفعلي لكافة الأطراف المعنية، فترسيخ أسس دولة الحق والقانون مشروع مجتمعي يهم الدول على كل مستوياتها، ولا ينبغي اعتباره مآلا حتميا أو إكراها لا مناص منه، بل هو قرار طوعي وسيادي، يجمع بتوازن بين التقدم والمساواة والتنمية والديمقراطية. وهذا التوازن هو ما يسعى النهج المغربي في مجال حقوق الإنسان إلى صونه وتعزيزه.
ومن أجل تحقيقفعليةالحقوقالقانونية المنصوص عليها في أكثر من ثلث المواد الـ 180 من دستور المملكة، يتعين على المقاربة المغربية لحقوق الإنسان أن تبلور إجابات مناسبة تراعي خصوصية السياق ودينامياته، بما يضمن لجميع المواطنين التمتع الفعلي بحقوقهم الأساسية.
ويتمثل الرهان الرئيسي الذي تواجهه كافة الدول، لاسيما دول الجنوب، في ضمان التمتعالفعليبالحقوق؛ وما زلت على اقتناع بأن إرساء دولة القانون رهين ببناء دولة تضمن حقوق مواطنيها وتدافع عن حرياتهم ومصالحهم، وعلى رأسها الحقفيالحياة.
إن تعدد التحديات وشموليتها لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يقوض التزامنا بحماية حقوق الإنسان والنهوض بها، ولاسيما الحق في الحياة، هذا الحقالمتأصلوالأسمىوالمطلق،الذيتخضعلهجميعالحقوقومنهتنبثق. لا يمكن التسامح مع أي انتهاك لهذا الحق. فلا يمكن تبرير عقوبة الإعدام ولا الفظائع الناتجة عن الصراعات أو تجاهلها في عالم إنساني بحق.
في هذا العالم الذي يطبعه الانقسام والقطبية أكثر من أي وقت مضى، يجب أن تكون المبادرات بين دول الجنوب ودول الشمال من قبيل جائزةشمال–جنوب مثالا يحتذى به. ونحن نؤمن إيمانا راسخا بأننا جميعا متساوون، ويتعين علينا تذكير أولئك الذين ربما قد نسوا، أنالحياة هي أثمن ما نملك.
وبمناسبة تخليد اليوم العالمي للتنوع الثقافي من أجل الحوار والتنمية، أود أن ألفت انتباهكم إلى المسؤولية الثقيلة التي تقع على عاتقنا جميعا، من خلال تاريخنا المشترك وتقاليدنا العريقة في التعايش السلمي، للعمل من أجل التزام مشترك بالقيم التي توحدنا، وهي المساواةوالتضامنوعدمالتمييز.
في الختام، أود أن أعرب عن خالص شكري للشعب البرتغالي وممثليه، على حفاوة الاستقبال بقصر ساو بينتو، رمز التاريخ العريق للبرتغال.
هذه هي المرة الثانية التي أتواجد فيها داخل هذه المنشأة العظيمة. في المرة الأولى، كنت أرافق رجلا أتشرف بأن أعتبره شريكي في الجائزة بكل تواضع، رجل علمني الكثير عن قيمة العمل الجماعي وأهمية الموضوعية والدقة والأخلاق في عملنا للدفاع عن حقوق الإنسان. رجل حضر إلى هذا المكان لتسلم هذه الجائزة المرموقة، إنه السيد عبد الرحمن اليوسفي، رحمه الله.
وقد كان بذلك أول مغربي يتسلم هذه الجائزة، تلاه صديقي العزيز، السيد أندري أزولاي، مستشار جلالة الملك، الذي يجب أن يكون التزامه المستمر بالحوار بين الثقافات مصدر إلهام لنا جميعا.
عملنا ليس عملا عاديا، بل هو بالنسبة لي، دعوة وجودية تستدعي الانضباط والعزم والتواضع. إن الأمر يتعلق بالإيمان الراسخ بإنسانية الجميع والاقتناع بأن الكرامة والعدالة والمساواة هي مصيرنا المشترك.