“الأنصار”، بخنيفرة، تفتح موسمها الثقافي بيوم دراسي للاحتفاء بأعمال الروائي المغربي عبدالواحد كفيح

16٬040
  • أحمد بيضي
دشنت “جمعية الأنصار للثقافة”، بخنيفرة، موسمها الثقافي والفني، لهذه السنة، بيوم دراسي احتفاء بتجربة وأعمال القاص والروائي المغربي، عبد الواحد كفيح، مع توقيع روايته “أتربة على أشجار الصبار”، وذلك في حضور الكاتب المحتفى به، ومشاركة النقاد د. علي وهبي، ذ. حسام الدين نوالي وذ. المصطفى داد، وبينما اختير لتسيير اللقاء ذ. محمد الزلماطي مكان الشاعر والناشر، ذ. محمد مقصيدي، الذي تعذر عليه الحضور في آخر لحظة لأسباب صحية، عرف هذا اللقاء حضورا نوعيا من المبدعين والفاعلين المدنيين والمهتمين بالشأن الثقافي.
اللقاء المنظم، عشية السبت 25 ماي 2024، بدار الشباب الحسني، بخنيفرة، افتتحه الفاعل المدني، ذ. المصطفى تودي، بعبارات قصيرة رحب فيها بالعريس المحتفى بأعماله، ذ. عبدالواحد كفيح، إنسانا ومبدعا وروائيا و”ابن الدار”، فيما تقدم رئيس الجمعية المنظمة، ذ. عبدالعزيز ملوكي، بكلمة استهلها بالدعاء للباحث والروائي، د. عبدالإله حبيبي، بالشفاء لمعاناته من حالة صحية حرجة، فيما وضع الحضور في صميم اللقاء المنظم للاحتفاء بالقاص والروائي، ذ. عبدالواحد كفيح، والذي “تتوخى الجمعية من ورائه تكريس ثقافة الاعتراف”.
وجدد ذ. ملوكي تذكيره بإصرار الجمعية على مواصلة عملها الميداني وفق ما تنجزه من برامج سنوية، إن على مستوى القصة والشعر والمسرح والتشكيل، أو الورشات والمعارض والمسابقات القصصية وتوقيع الإصدارات وتنظيم المهرجانات الوطنية والدولية، فضلا عن الشراكات الثقافية، والمشاركة في الملتقيات الوطنية والعربية، وكلها أمل في “جعل مدينة خنيفرة قبلة للثقافة والمثقفين”، انطلاقا من اعتبار “الثقافة قاطرة أساسية لكل تنمية اقتصادية واجتماعية”، واعتبار الرأسمال غير المادي رقما مهما في كل المعادلات التنموية.
ولم يفت عضو الجمعية، ذ. عبدالكبير لوديعي، استعراض حياة وأعمال المحتفى به، ذ. عبدالواحد كفيح، وكتاباته الروائية والقصصية والنقدية والمسرحية، وتجاربه الإبداعية المتميزة منذ بواكيره القصصية الأولى: “أنفاس مستقطعة” و”رقصة زوربا” و”رسائل الرمال” قبل رواياته الشهيرة التي لا تقل عن “روائح مقاهي المكسيك” و”أتربة على أشجار الصبّار”، وأعماله النقدية مثل “تناغمات نصية”، إلى أعماله القادمة التي منها “النص الموازي”، “بورتريهات لأدباء مغاربة وعرب” ورواية تحت عنوان “لعنة الطين الأخيرة”.
من جهته، افتتح ذ. المصطفى داد الجلسة النقدية بورقة تحت عنوان: “شعرية المكان بين فداحة الواقع وجمالية التخييل في رواية “روائح مقاهي الميكسيك”، لكاتبها ذ. عبد الواحد كفيح، قام فيها بتفكيك أغوار هذه الرواية، ومداخلها وعوالمها، وكذا شخصياتها وفضاءاتها المعتمة، قبل توقفه عند هيمنة عنصر المكان وكثافة أوصافه ضمن العمل الروائي، بوصفه “البؤرة الفنية المركزية التي تناسلت عبرها كل مكونات الرواية وشيدت معالمها الفنية الجمالية”، ومبرزا “القيمة الأدبية والنقدية للتجربة الروائية المتميزة للكاتب بشهادة النقاد والمتابعين”.
وفي ذات السياق، تناول ذ. داد “أهمية المكان في الرواية باعتباره مكونا جماليا في الرواية من خلال طروحات نقدية متنوعة”، و”علاقاته بباقي المكونات الروائية البانية للرواية”، قبل انتقاله للكشف عن “تجليات المكان في الرواية المدروسة”، حيث عمل الناقد ذ. داد على تشريح  تمظهراته، بدءً من “العتبات النصية، وصولا إلى الخطاب السردي الذي شكل فيه عنصر المكان المحور المركزي في الرواية، بحكم تقاطعاته وتواشجاته الجلية والمضمرة مع الشخصيات”، و”المنتصرة بالتالي لعالم الريف أو البادية المغربية”.
وبدوره، انطلق صاحب كتاب “العقل الحكائي”، ذ. حسام الدين نوالي، في ورقته من عنوان: “النسق السردي في إبداعات عبد الواحد كفيح” للحديث عن مدى تشبت الروائي كفيح بوحدة الحكاية التي “تتأسس على اعتبار المادة الحكائية بنية مقدسة”، ليتوقف عند ما يجذب ويغري القارئ في كتابات هذا الكاتب، ومن ذلك أسلوب “الإرجاء” المراهن على تمطيط الحكي ومضاعفته بغاية توريط هذا القارئ في التعلق بتتمة الكلام المباح، وبعدها ولج ذ. نوالي عوالم رواية “أتربة على أشجار الصبّار” وسر عنصر الحكاية التي جعلت من البطل سببا في تطور القبيلة.
وكشف ذ. نوالي عن سر الكتابة السردية عند عبد الواحد كفيح، باعتبارها “نمطا له مجموعة من السمات على مستوى الشكل، من حيث يشتغل هذا الكاتب بآليات محددة ومفكر فيها سلفا بما يشكل مشروعا سرديا يتم تطبيقه في نصوص مختلفة من أعماله”، وتتحدد سماته في وحدة الحكاية التي تنطلق منها كل المكوّنات الروائية، ومن ثمة فهي “معادل رمزي لوحدة الفعل ووحدة العمل”، ما يخلص إلى أن “منطق الفعل الإنساني لا يتحرك إلا داخل الحكي”، حيث تناول من هنا سلطة الحكي باعتباره العنصر الفاعل في تأسيس واستمرار كل المكونات الثقافية الأخرى.
أما صاحب مجموعة “الريح التي تصيح دون تصريح”، د. علي وهبي، فشارك بورقة: “التجريب المتجدد في اللغة والسرد في رواية “روائح مقاهي المكسيك”، والتي تنطلق من واقعة مفترضة، تجسدت في حكاية شخص توفت والدته، وتمت رعايته من طرف زوجة أبيه، ثم فراره من بيت الأسرة، لينتقل بين حرف ومهن وضيعة، ويستقر به الحال نادلا وعاملا بمقهى (مقهى الشعب/ مقهى المكسيك) لمسيريها: الشيبة العاصية، والعايدية، مرورا بأطوار علاقته بالخالدية، ووفاة الشيبة العاصية، وإصابة العايدية بالجنون، وصولاً إلى إقفال المقهى وحرمانه من منصبه.
ومن خلال استنطاقه أعماق هذه الرواية، أوضح د. وهبي مدى “استطاعة الروائي كفيح، بفضل ما ترسخ لديه من تقاليد الكتابة الفنية، أن يبدع رواية توظف الموروث والأعراف والتقاليد، وتستحضر المقدس والأسطورة، والجنس والدين، كما تقتحم آفاق الرؤيا والحلم، وتستدعي الواقع والقيم والأخلاقيات”، وأن “يكون بذلك رائدا من رواد الأدب المغربي الحديث والمعاصر”، وأحد “أهم الكتاب المتميزين والأدباء المتمرسين على أدب التسريد، وفن بناء المتون القصصية، وتشييد صروحها وطنيا وعربيا”.
وقبل اختتام اليوم الدراسي المنظم حول تجربته، لم يفت الروائي المحتفى به، ذ. عبد الواحد كفيح، تتويج اللقاء بكلمة استهلها بتأكيده على أن “كل نص أدبي يتشكل من منطلق النفس البشرية المكتظة أساسا بالأحاسيس والمشاعر والانفعالات، ومن الصعب القبض على أي نص أو تحديد مفهومه”، وقد “عرف اختلافا واسعا في معناه، رغم كل النقاشات حوله، بما فيها نقاشات المناهج النقدية التي عملت على استنطاق النصوص، وبناء عليها جاءت البنيوية وقالت كلمتها، ثم المدارس الأدبية والتأويلات الفلسفية”.
وحرص كفيح على طرح مشكل “افتقاد الوضع الثقافي  ل “نقد عربي”، ما جعل النقاد العرب يستمرون في استيراد النقد الغربي والاعتماد عليه في نظرياتهم وقراءاتهم”، ذلك “طالما أننا جميعا نكتب ما لا يمكننا قوله”، قبل دخول ذ. كفيح في حديث آخر استهله بقوله: “نحن فقراء في خيالنا، والعوالم الفقيرة أعطت كتابات عظيمة وعالمية”، ليختم كلمته بالإعلان عن عمل جديد له بطله “سادر أحول” لا يقبل بالتنازل عن عناده الشديد ولا بترك للكاتب حرية التوجه بالنص إلى ما يريد، والنص مكتظ بأشخاص وأمكنة وأحداث تتصارع في ما بينها للفوز بالبطولة.
error: