عدوى ضغط الامتحانات الإشهادية يضعف النمو النفسي والتحصيل الأكاديمي للتلاميذ في المرحلة الابتدائية
Said mouzg
-
تُعتبر البيئة الأسرية (l’environnement familial) النواة الأساسية التي ينطلق منها نمو الطفل وتطوره. خلال المراحل الأولى من الطفولة، يتلقى الطفل أهم المبادئ التنموية والتربوية والاجتماعية (les principes de développement, d’éducation et sociaux) والتي ستشكل له المرجعية الأساسية (la référence de base) لكافة السلوكيات المكتسبة (les comportements acquis) لاحقًا.
وخلال المراحل التعليمية الأولى، يمر التلاميذ بتحولات نمائية سريعة وواضحة (les transformations de développement rapides) بين المراحل المختلفة، حيث يكون الفارق الزمني (l’écart temporel) بين مرحلة وأخرى قليلاً (بأشهر أو أيام)، مما يزيد من تعقيد وتداخل عمليات النمو (les processus de développement) لديهم.
ومع ذلك، يغفل الكثير من أولياء الأمور هذه الحقيقة العلمية الهامة حول طبيعة النمو والتطور (la nature de la croissance et du développement) خلال المراحل المبكرة من حياة الطفل. وهنا تبرز أهمية دور العائلة في رعاية وتنشئة الطفل منذ البداية.
و يعد النمو والتطور المعرفي والنفسي للطفل من العمليات الديناميكية الشديدة التأثر بالعوامل البيئية والاجتماعية المحيطة به. فالطرق والأساليب التي يتم التعامل بها مع الطفل من قبل المحيطين به، سواء الوالدين أو المعلمين، لها انعكاسات مباشرة وحاسمة على نظامه العصبي والنفسي.
على سبيل المثال، فإن الصراخ المستمر والتوبيخ المتكرر للطفل بسبب تدني مستواه التحصيلي، يؤثر سلبًا على وظائف مناطق محددة في الدماغ، مثل اللوزة (l’amygdale) et (l’hypothalamus) والمناطق العصبية المجاورة لها والمرتبطة بالانفعالات (l’affectivité). هذا التأثير السلبي ينعكس بشكل مباشر على الأداء المعرفي (les fonctions cognitives) والتحصيل الأكاديمي (les résultats scolaires) للطفل.
في المقابل، فإن الأساليب التربوية القائمة على التعزيز الإيجابي والتشجيع تسهم في تعزيز الترابطات العصبية بين مختلف مناطق الدماغ. وهذا بدوره ينتج عنه تحسن ملحوظ في الوظائف المعرفية والتحصيل الأكاديمي للطفل. هذا ما أثبتته العديد من الدراسات العلمية التي أجريت على عينات متنوعة جغرافيًا وثقافيًا.
فعلى سبيل المثال، أظهرت دراسة أجريت في الولايات المتحدة على عينة من الأطفال في سن المدرسة الابتدائية، أن الأطفال الذين تعرضوا لأساليب تربوية قائمة على الدعم والتشجيع من قبل المعلمين والوالدين، أظهروا تحسنًا ملحوظًا في الوظائف التنفيذية (les fonctions exécutives) كالانتباه والذاكرة العاملة والمرونة المعرفية. كما تفوقوا أكاديميًا على أقرانهم الذين تعرضوا لأساليب تربوية قائمة على التوبيخ والتهديد.
وتؤكد هذه الدراسات والبراهين العلمية أهمية دور البيئة والمحيط الاجتماعي في تشكيل النمو المعرفي والنفسي للطفل. فالأطفال الذين ينشؤون في بيئات داعمة وإيجابية، تتسم بالتشجيع والتعزيز، يظهرون تطورًا أكبر في وظائفهم المعرفية والأكاديمية مقارنةً بأقرانهم الذين ينشؤون في بيئات متسمة بالصراخ والتوبيخ.
ومن هنا، فإن على المعلمين والوالدين الاهتمام بتوفير بيئة تربوية داعمة وبنَّاءة للطفل، تعزز نموه الشامل وتحقق أقصى إمكاناته المعرفية والأكاديمية. وذلك من خلال استخدام أساليب التعزيز الإيجابي والتشجيع، واجتناب الأساليب القائمة على الصراخ والتوبيخ السلبي.
إن المسؤولية الملقاة على عاتق الأولياء والمعلمين جسيمة، فبأيديهم توجيه التوظيف النفس _عصبي للطفل من خلال طريقة تعاملهم معه في المواقف المختلفة، والحيطة والحذر (la prudence et la vigilance) إن كانا يستوجبان التحقيق، فحيال الطفل يكونان أوجب. ودليل مسؤولية هذين الشريكين الاجتماعيين في تقرير المصير الأكاديمي والمكانة الاجتماعية للطفل، هو الفروقات الميدانية بين نتائج أنماط التنشئة الاجتماعية (les modalités de socialisation) بين التلاميذ في نفس البيئة وفي بيئات مختلفة.
إن الهوس التحصيلي (l’obsession de la réussite scolaire) الذي استحوذ على عقول الأولياء جعل الاهتمام بالكينونة التركيبية (l’essence même de l’être) للأبناء تركن على الهامش، ففي خضم التنافس الدراسي وتحقيق أعلى العلامات غاب عن وعي الأولياء أن هذا الكائن كتلة من المشاعر والأحاسيس التي إن استُنزفت وحُمّلت من الضغوطات ما يفوق طاقة تحمّلها، فستنحو منحى يكبّد الأولياء وقطاع التعليم خسائر مادية ومعنوية. ولهذا يتطلب الأمر منا قبل السعي الجنوني وراء التحصيل المتميّز والمراتب الأولى للتلميذ، التخطيط لكيفية احتوائهم مشاعريا وأخلاقيا. فمتى تم ذلك فسيكون البناء المعرفي (l’édification des connaissances) تحصيل حاصل.
-
بقلم سعيد موزك طالب باحث في علم النفس