العيد الجميل.. اختطفوه خصوم الحياة و شناقة الإيمان

5٬342

مصطفى رابحي
الدورات السنوية للأعياد أخلفت عندنا الكثير من مواعيدها الطبيعية مع الأفراح . لم يحافظ عرف اللقاءات الطيبة على طيبوبة اللحظة و غادرت الكثير من المراسيم عنفوانها الجميل . أثبت الواقع أن هروب الناس نحو الاستعراض الجاف وحده يحافظ على الأجندة التي أنزلت رحمة و رأفة و غدت قسوة و استياء .
الذين يسابقون مجهود تنفيذ عيد الأضحى بما يقتضيه من شراء الخروف ، في الأغلبية يعصرون المجهود عصرا . الأمر لا يتطلب استقراء آراء . المعاني معروضة على الطريق و مفادها أن الشقاء يمشي مختالا في الأرجاء . الجموع لم تعد تستطيع المعاملة مع المعادلة الإبراهيمية العادلة .
بهاء العيد خرج من بهائه .
سياق الشقاء العنيد هذا تطاول على كبرياء الوجوه . هُزمت القدرات أمام اجتياح الضغوط . الشعوب التي لا تستطيع توفير لحظة فرحة ، لا تساق قسرا إلى ادعاء الارتياح .
غلبني حوار مع صديق عزيز في جلسة طوت بعض الشوق المتبادل وهو يطرح علي واقعة بدلالة حزينة . تحدث جليسي عن فنان شعبي باع آلة النغم التي يتوفر عليها لأجل جلب أضحية متواضعة يسد بها ضغط الأسرة . فنان أمازيغي من أهلنا في أطلسنا الشامخ قدم آلة ” الوتار” – و هي وسيلته لكسب الرزق – لكي لا يخلف أمانة نشر البسمة على وجوه أطفاله يوم يقوم جيرانه بنشر أمعاء أضحياتهم على مرآى ممن يمر بقرب الديار . الأمر مؤثر حقا .
لم يتردد الرجل الأطلسي في وضع حد لمسيرته الفنية و إنهاء ملامسته لخيوط آلة “الوتار ” . لم يعد النغم له جدوى أمام استحقاقات لحظة ضاغطة .
في الأحوال الأخرى للناس الأخرى، ستكون هناك الملايين من غُضون الشقاء المشمول بالعجز عن التوافق مع اللحظات الجميلة ، ستتعدد الأعياد و المناسبات في تضاريس الحياة الصعبة ، ستتحدث هذه التضاريس عن بؤس سرمدي عابر للأيام و الأسر و الجموع .
في الأحوال الأخرى للناس الأخرى، ستكون هناك الملايين من غضون الشقاء المشمول بالعجز عن التوافق مع اللحظات الجميلة ، ستتعدد الأعياد و المناسبات في تضاريس الحياة الصعبة ، ستتحدث هذه التضاريس عن بؤس سرمدي عابر للأيام و الأسر و الجموع .
حكاية الفنان الشعبي الأمازيغي الأطلسي المغربي ، تلح علينا قراءة المجال المعقد لظاهرة الاحتفال القسري ذات النزعة الفاقدة لظروف التخفيف على ذوي قلة ذات اليد . العيد الذي فهمناه من أجدادنا و آبائنا هو عيد الرحمة و المحبة المغذى من تربية إيمانية تضامنية مع الجميع . العيد فرح جماعي وليس مناسبة لعرض طبقي خادش بالذوق الإنساني العام . العرض الطبقي البئيس الذي يريده المهيمنون على غذاء الناس هو هكذا يزمجر فينا جميعا . يريد المهيمنون الطبقيون احتكار العيد و ترك الجموع قرابين لمداورة البؤس و الشقاء، و فوق هذا وذاك تنويع الحكايات الحزينة لنعيد سردها للأشقياء مثلنا .
الأجواء غير المسبوقة المخيمة على عيدنا المنزل جماعيا ، أضحى فاقدا للكثير من مخزونه الروحاني السعيد ، تعرضت المناسبة من جهة لتبويبها برجوازيا عبر تحويلها لخوصصة مقيتة تفرض علينا إرباح كارتيلاتها وفق سوق قاتلة للحظة ” مغافرة إيمانية ” ، و هي سوق مسيجة بتحصين فقهي يبقي الحوار في الموضوع متهما و مبعدا عن الحوار الاجتماعي العقلاني المنتج . ومن جهة أخرى أصبح عيدنا ( الذي كان عيدنا الجماعي ) محض مخالب استنزاف بلطجية من وسطاء معاملات .
الأمر ومافيه ، صار المناسبة فرصة للفتك مما تبقى من حياتنا التي أردناها متوازنة فقط لاغير ، و افتراسا لإيماننا الصافي من آراء الفقه الريعي المتزوج مع البلطجة الطبقية اللعينة .
قبح الله من اغتال الفرح الجماعي النبيل .

error: