هناك عمليات إجهاض لم تتناولها الدراسات والإحصائيات، ولم يتم الانتباه إليها، بالرغم من خطورتها وعواقب نتائجها، ليس على الفرد فحسب، بل على المجتمع برمته، فالإجهاض المتحدث عنه هنا ليس ذلك المرتبط باسقاط الجنين؛ بل باسقاط أحلام جيل بأكمله وهو لايميز بين ذكر وأنثى، فلا اعتبار فيه للجنس البشري، ولا للفئة العمرية، ولاللمجال الجغرافي
إنه إجهاض تطلعات فئات من المجتمع كانت تحلم بولوج عالم الشغل بعد الحصول على شهادة جامعية، أو دبلوم تكوين متخصص، أنفقت في سبيل الحصول عليه أموالا طائلة على مدى سنتين أو أربع أو خمس سنوات .
والمآل، ركن منزو في البيت، في انتظار الآتي من الأيام، أو عمل موسمي باجتهاد شخصي أو بنظام السخرة أوراش، كما تسميه الحكومة يغني الشاب عن دريهمات الصباح التي يتركها له الوالد أوالوالدة أو الإخوة، وفي أسوأ الحالات السقوط في مستنقع الإدمان بأشكاله المتعددة أو الإرتماء في أحضان التطرف بكل تبعاته..
إنه إجهاض أخطر بكثير من ذلك الذي تحدثت عنه الدراسات ، إجهاض أتى على آدمية مجموعة من الشباب وحول حياتهم إلى معاناة وشك وانتظار، إجهاض جعل البعض منهم يفضل المغامرة بحياته وعبور التيارات البحرية إلى الضفة الأخرى، على أن يقضي بقية عمره في غرفة الانتظار.
فماذا لو أنجزت دراسة على هذا النوع من الإجهاض؟ من المؤكد أن النتائج ستكون صادمة لدرجة لاتتصور.
لمعرفة حجم الأضرار الناجمة عن هذا النوع من الإجهاض أقترح أن تتناول الدراسة عدد الساعات التي يقضيها المجهضة أحلامهم في النوم، أوفي المقاهي، أو يغوصون في بحار التواصل الاجتماعي ، بحثافرصة أو عن علاقة شرعية أو غير شرعية للعبور إلى بر الأمان.
ولتتناول الدراسة عدد كؤوس القهوة المحتساة خلال السنة الانتظارية، وعدد الأفلام التي تمت متابعتها. ولتتناول أيضا عدد طلبات الشغل المرسلة والسِّيَر الذاتية المنجزة والمباريات المجتازة، ولتتناول عدد اللكمات والهراوات التي زارت أجساد البعض منهم.
الأكيد أن نتائج دراسة من هذا القبيل ستكون صادمة، وتؤرخ لجيل أجهضت أحلامه، وتُرك وحيدا أمام خيارات أحلاها مر، إما البقاء في غرفة الانتظار إلى أن يأتي القدر المحتوم، أو ركوب قوارب »النجاة« إلى الضفة الأخرى أو الدار الباقية، أو البحث عن عمل موسمي يغني عن السؤال …