شذرات من “سيرة ذاتية لحياة عادية” للكاتب والإعلامي سعيد الحبشي

30٬519

عبد الرحيم الراوي

من المنتظر أن يصدر قريبا للكاتب والصحفي سعيد الحبشي كتابا بعنوان “سيرة ذاتية لحياة عادية” وهو عبارة عن شذرات من ذكرياته في شكل سيرة ذاتية، يحكي من خلالها الكاتب عن مساره المهني الذي يمتد لأكثر من ثلاثة عقود بإحدى الصحف الوطنية، ويكشف فيها كذلك عن الأجواء التي كانت تحيط به وهو يقوم بمهنة المتاعب داخل وخارج المؤسسة الإعلامية، كلقاءاته مع شخصيات بارزة في عالم السياسة والثقافة والفن..

 كما يتناول الأستاذ والصحفي سعيد الحبشي في كتابه -قيد النشر- جزءا من ذكرياته خلال مرحلة الطفولة التي تكتنفها العديد من المغامرات والذكريات كان يقضيها بين الدار البيضاء وتطوان وأولاد حريز مسقط رأس الوالدة..

بعد مرور عدة سنين ، أصبحت تلك الذكريات بالنسبة لسعيد الحبشي لوحة تشكيلية تختلط فيها ألوان السعادة بالحزن، لكنها تبقى لوحة جميلة رسمها القدر بدقة متناهية، تختزل الماضي البعيد بكل تجلياته

عشت بعضا من الحياة التي حلمت بها كما شئت،

ومشيت على الدروب التي اخترت

أن أمشيها، سقطت ونهضت، لم أكره أي قطعة من حياتي،

لم أكره أحدا
ولكني أتذكر أسماء كل ما ومن أحببت

1- في طفولتي المبكرة، ارتبط الصيف في ذاكرتي بالكتاب القرآني “لمسيد”، الذباب والعصا، التكدس والضجيج، والشجارات، ورائحة الغبار التي تعلو من تحت السجاد ” لحصيرة ” لم تجرب أن تكون معتقلا ويمتد فضاء الزقاق أمام ناظريك ولا يفصلك عن الحرية سوى خطوتان، ماذا سيشغل تفكيرك في هذه اللحظة؟ التمرد، الهرب، ثم الجولان واللعب فالعصا على أسفل القدمين، يوم يحضرك أهلك مرغما إلى الفقيه، ويوصونه بسلخك وهم سيعلقونك في البيت.

 هل أهلك هؤلاء أم الأعداء؟

كان الفقيه في مسيده جهازا  كاملا، له زبانيته ومحصلو خراجه وشرطته ومخبروه، ومسخريه  وكان على رأسهم  المرسول المكروه (الرقاص) الذي يخبر ذويك بأنك تغيبت عن الحضور.

2- لماذا أكره الصيف، لأنه حار، ولأنه ارتبط في ذاكرتي بالسفر، وهو ليس كأي سفر، حين كانوا يجزون شعرك عند الحلاق مثل الخروف، ويلبسوك الحذاء والملابس البالية، ويأخذوك إلى كراج علال مباشرة إلى الحافلة المتوجهة إلى إحدى الجهات في أولاد حريز، بعد تحميلك ببعض الهدايا، كان أحد أخوالي هناك هو وعائلته، وكان له ولد أصغر مني بسنتين لكنه يفوقني في المكر بأشواط.

كان هذا الخال وزوجته يرحبان بي حين أصل، ويدخلوني إلى “القبة” وهي المضافة، وكنت في طفولتي أعتقد أنهم طيبون،  حتى سمعت جدالا دار  بين والدتي وأخوها، اكتشفت منه أن الخال يستولي على أرض تعود لوالدتي غصبا، وأنه يحاول أن يراضيها من خلال معاملتي بلطف.

العروبية، فضاء ممتد خالي، ويسوده الصمت والسكون، ولكنها كذلك، روائح الروث وأشواك الأرض  “الخشلاع” والذباب،  مع شعور بالحرية المشوبة بالملل، لهذا كنت أصر على مرافقتهم في الرعي أو جلب الماء من البئر  كي ترد الشياه إليه وترتوي، والمساعدة في القيام بالعديد من الأعمال.

ورغم أن النوم على الأرض كان غير مألوف بالنسبة لي، كنت من شدة التعب أسقط بعد العشاء البسيط على فراشي كالميت.

3- أكره الصيف لأنه يذكرني بالأعراس الكثيرة لدى العائلة، حيث تتم دعوتنا فيتم أخذي عنوة مع العائلة،  لأسمع تلك الموسيقى وأشاهد ذلك الرقص، اللذان لم أكن أحبهما، ومشاهدة البقرة وهي تذبح، والدخول في الزحمة مع تشديد الحراسة على حركاتي وسكناتي، حيث أصبح مقيدا إلى جنب والدتي، الحسنة الوحيدة كانت تبدو لي هي قطع الحلوة التي كان يتم توزيعها على الحضور.

سواء كان عقيقة، خثانا، أو قرانا، نفس الجو  مع نفس، الأهازيج والضجيج الممزوج  بالحلوة وكؤوس الشاي.

خلاصة:

ها أنا الآن رجل مسن، معمر قديم، لكنني سعيد، فرحلتي في هذا العالم السيئ، صارت مع كل إشراقة شمس، توشك على النهاية،  عشت بعضا من الحياة التي حلمت بها  كما شئت، ومشيت على الدروب التي اخترت أن أمشيها، سقطت ونهضت، لم أكره أي قطعة من حياتي، لم أكره أحدا ولكني أتذكر أسماء كل من أحببت.

 لم يتبقى لي شيء جميل مما ألفته، وعجزت عن الانخراط في كل هذه المتغيرات القوية، لأنني أنتمي للحظة في الزمان والمكان، غير هذه تماما، قد أكون بقيت عالقا عند تلك اللحظة، والحياة جرت من حولي غير مبالية بما ستخلفه من دمار.

 

error: