عبد الحميد جماهري.. ربع قرن من حكم جلالة الملك محمد السادس تفوق بكثير كل ما كُتب وما سيكتب عنها
5٬899
مشاركة
نعترف منذ البداية بأن المناسبة التي أوحت بإصدار هذا العدد ، والمتمثلة في مضيِّ ربع قرن من حكم جلالة الملك محمد السادس تفوق بكثير كل ما كُتب وما سيكتب عنها: تغيير مستمر، طموح دائم، إنجازات فاقت ما خطر على قلب المغاربة، تطلُّعٌ الى المستقبل بقدر التجذر في التاريخ، تحديث مادي وفكري متواصل، تأهيل مدني وقطاعي بمعايير متعارف عليها دوليا في القضاء والاعلام ، وجهد حضاري لم يسبق في تاريخ المغرب أنْ عرفته بلادنا إ لا في لحظات العصور الذهبية من عمرها، تموقع إقليمي وقاري ودولي بارز ، وتحسن اقتصادي واستراتيجي وسياسي وروحي ، غير مسبوق، قوة في الخطاب، والحقيقة في الحديث عن الاوضاع، تجويد مؤسساتي، في قلبه دستور عانق آفاق الاصلاح كما رافع عنه المجتمع وقواه الحية،وغيره كثير..مع ما ترتب عن ذلك من نتائج ومكتسبات مادية ومعنوية، مست تطور الذهنيات والشعور بالاعتزاز المليء بالمستقبل…
كل هذا يجعل من ادعاء تلخيص ما حصل، ذهنيا وماديا، معنويا ومؤَسساتيا، اقتصاديا واجتماعيا، نوعا من المجازفة غير المسموح بها مهنيا و أدبيا واخلاقيا.
لهذا نعتبر أنه عدد خاص، للاحتفال بمناسبة خاصة، مناسبة شكلت في تاريخ المغرب المعاصر مرحلة فاصلة، وثورية جمعت بين استمرار قواعد الملكية الوطنية المناضلة والمبادِرة، والقطيعة في التدبير و ترتيب الأولويات والاستراتيجيات حتى تساير عصرها وسمحت بالشروع في بناء مقومات مجتمع قوي ومتضامن ، حي يستثمر في تاريخه وتعدده الثقافي كما يستثمر في المستقبل الممكن. وفي هذا الأفق تأتي مساهمات المسؤولين الاتحاديين في القيادة، وفي مقدمتهم الأخ الكاتب الأول ادريس لشكر والأخ رئيس المجلس الوطني الحبيب المالكي والأخوات والإخوة في الواجهات المجتمعية ، والنقابية والنسائية والحكاماتية والتشريعية والمجتمعية عموما،متأسفين لكون بعض الأخوات والإخوة لم نكن محظوظين بمشاركتهم لظروف خاصة أو لاعتبارات طارئة. ولقد اخترنا «رؤية اتحادية لعهد محمد السادس » عنوانا لمساهمات الجميع لشعورنا، المتواضع والمشروع في الوقت نفسه ، بأن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية من المساهمين الكبار في بناء اللحظة الحالية.
يذكر التاريخ، والجيل الذي رافق العهد الجديد،كما الأجيال التي سبقته أن أول خطاب للعرش يوم 30 يوليوز 1999، ورد فيه تجديد الثقة في الفقيد الكبير عبد الرحمان اليوسفي، رمز الاتحاد وقائده في تجربة التناوب،وقد قال جلالته :«سنظل نسند جهود حكومة جلالة الملك الراحل، الذي جعل منها حكومة التناوب، تطبيقا للنهج الديمقراطي في التداول على السلطة، وأناط مسؤولية وزيرها الأول بالسيد عبد الرحمان اليوسفي، الذي توسم فيه جلالته حسن التوفيق، والذي سيلقى منا كل سند ودعم.».. وهو ما تم بالفعل.
ونعتبر بأن الاعتزاز بالمرحلة كلها وبما تحقق فيها، يجد مبرراته كذلك في كون القيم والقواعد السياسة والاخلاقية ومعها الاصلاح والوظيفة التاريخية في توفير شروط نجاحه ودمقرطة العلاقات مع السلطة وداخل المجتمع وما بينهما،وغير ذلك من المباديء والاهداف التي اعتبر الاتحاد نفسه منْذورا لها تاريخيا وشعبيا وبناءً على شرعيته النضالية الوطنية، من قبيل دولة الحق والقانون، والسيادة الشعبية وأولويتها في بناء المسؤولية ، وحقوق المرأة، والتعددية الحقيقية وإصلاح القضاء، والمواطنة الحية إلى غير ذلك من المهام قد تَصادت، بل وجدت تحققها في ما تم إنجازه من طرف العهد الجديد.
وقد ساهم الاتحاد كذلك، كقوة اقتراحية، سواء من موقع المعارضة أو من موقع المسؤولية، حكوميةً كانت أو غير حكومية ، في الدفاع عن الخيارات الصائبة للعهد الجديد في قضايا التحديث الفكري ،وفي الدفاع عن قضية الوطن الأولى، التي جعلها ملك البلاد النظارات التي من خلالها يرى المغرب بوضوح ويميز بها خصومه من أعدائه. و من الإنصاف أن يُحْسب للاتحاد أنه شغَّل كل أذرع ديبْلوماسيته الموازية، في المنظمات الشبيبية والنسائية والسياسية الدولية، سواء في الأممية الاشتراكية أو في التحالف التقدمي ، في افريقيا وأمريكا اللاتينية او في أوروبا، من أجل تقوية وتحصين التواجد المغربي، بل وفي تكريس الاعتراف بالحقوق المغربية الترابية والوطنية والاعتراف بمجهودات بلادنا في الانسجام مع المعايير الكونية في حقوق الانسان وفي القيم الحضارية وفي التعايش ..
في هذا العدد ، انفتحنا على المسؤولين في القطاعات ذات الحساسية الكبرى لبلدنا، ومنها قطاع الأمن بشقيه ، المادي والروحي بمحاورة المسؤولين فيهما، السيد احمد التوفيق وزيرالأوقاف والشؤون الإسلامية والسيد بوبكر سبيك الناطق الرسمي باسم المديرية العامة للامن الوطني والمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، كما تحدثنا الى السيدة أمينة بوعياش، رئيسة المجلس الوطني لحقوق الانسان. و لثقتنا في العقل المغربي، والكفاءة الفكرية المغربية، ولأجل تعميق الفهم والمقاربة الشاملة تحاورنا مع الاساتذة محمد الطوزي، ومحمد نورالدين أفاية والموساوي العجلاوي وسعيد الصديقي ومنصف اليازغي.. وإذ نجدد لهم الشكر جميعا نشير إلى أنه كان بودنا أن نوسِّع دائرة الحوار لفهم أرحب وأَعْمق ، وهوما ننوي القيام به مستقبلا..
نشكر مجددا كل الذين يسَّروا لنا القيام بهذه المهمة، ونحن ندرك بأننا لن نوفِّيَ المناسبة كل حقها، نظرا لما قلناه عن اتساع دائرة الانجاز وما تفتَّح من آفاق لبلادنا، وندرك في الوقت نفسه أن ما تحقق هو في الواقع تراكم يسمح لنا بأن نعتلي، كما يعتلي النَّاظر تلة الجبل للنظر الى الأفق البعيد ويقيس الطريق الذي ما زال عليه قطعه وسلكه. ولعل ما أنجز هو بذاته يبرر الطموح الى ما هو أكثر، ولعلها أيضا لحظة فارقة من أجل حزم تاريخي حاسم ضد مظاهر التراخي والفساد والعراقيل المقصودة التي تعطل إرادة الصعود التي يريدها الملك ونحن نعي أن بلادنا تدركه ، فما زال الطريق رفقة الملك المصلح والاستراتيجي المجدِّد طويلا إن شاء الله. وإلى الأمام…