فعاليات “مهرجان أجدير إيزوران”، في دورته الخامسة، يُختتم، في خنيفرة، بلقاءات مفتوحة حول البيئة والماء والأمازيغية
أحمد بيضي
الثلاثاء 30 يوليو 2024 - 17:23 l عدد الزيارات : 27864
أحمد بيضي
تحت شعار “الابتكار الثقافي: بوابة التثمين الترابي للمناطق الجبلية”، احتضنت مدينة خنيفرة فعاليات “مهرجان أجدير إيزوران”، في دورته الخامسة، من تنظيم “مؤسسة روح أجدير الأطلس”، وتوزع برنامجه على قافلة طبية لتخصصات مختلفة، ومعرض لتثمين وتشجيع وتسويق منتجات الاقتصاد الاجتماعي والتضامني مقابل النهوض بالسياحة الجبلية والقروية، فيما تميزت التظاهرة بتنظيم ندوة علمية ومائدة مستديرة، بقاعة الندوات بمقر جماعة خنيفرة، وبمشاركة عدد من الباحثين والخبراء والجامعيين، حيث ناقشت الأولى موضوع اللغة والثقافة الأمازيغية، بينما تناولت الثانية محور الحقل البيئي والموارد الطبيعية والمائية.
وحول الندوة العلمية الموسومة بعنوان: “اللغة والثقافة الأمازيغية: استحقاقات وآفاق”، والتي جرت يوم السبت 27 يوليوز 2024، بتسيير الفاعلة المدنية، ذة. فاطمة أكنوز، وتقرير الجمعوي، ذ. محمد وشا، فقد عرفت مشاركة عدد من الباحثين، بينهم الأستاذ الباحث في الدّراسات الأمازيغيّة، ومؤلف “معجم المعاني الأمازيغي العربي”، ذ. محمد أمحدوك، الذي شارك بمداخلة قيمة حول “سؤال الأمازيغية بين توجيهات خطاب أجدير وتوصيات تقرير السياسة اللغوية بالمغرب”، أبرز فيها بأسلوب الباحث المتمكن “وجود ثقافات تمارس إبادة لغوية تستهدف 90 بالمائة من اللغات الحية”، بما في ذلك اللغة الأمازيغية.
وبخصوص ذلك، استند ذ. محمد أمحدوك، إلى تقرير مجموعة العمل الموضوعاتية المؤقتة، الذي يعتمد على مرجعية متنوعة تتضمن “السياسة اللغوية التي يدعو إليها دستور المملكة والرسائل الملكية”، علاوة على الرؤية الاستراتيجية 2015-2030، والقانون الإطار المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، ويشتمل التقرير على مجموعة من التوصيات، منها “تعزيز التعدد اللغوي وتفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية”، قبل اختتام المحاضر لورقته بنداء للجنة مجموعة العمل الموضوعاتية المؤقتة للانتقال من الرباط والانفتاح على مؤسسات مثل “مؤسسة روح أجدير” لتفعيل عملية النهوض باللغة الأمازيغية.
وبدوره، شارك الباحث الجامعي، ذ. م. هاشم جرموني، بورقة حول “البحث وتعليم الأمازيغية: التحديات والآفاق”، أوضح فيها أن البحث في الأمازيغية “مر بثلاث مراحل رئيسية، هي مرحلة الاستعمار، التي كان فيها أغلب الباحثين فرنسيين، ومرحلة الاستقلال التي شهدت اعتماد أغلب الباحثين المغاربة على أبحاث المرحلة الاستعمارية، ثم مرحلة الاعتماد على قواعد البحث العلمي”، وفيما يخص تعليم الأمازيغية، أشار ذ. جرموني إلى “وجود تحديات على المستويات الحضارية، المجتمعية، الهوياتية، القانونية والبيداغوجية”، ولمواجهة هذه التحديات، شدد على ضرورة توفر ثلاثة عوامل رئيسية: الإرادة السياسية، البيداغوجية والتطبيق، والتموضع في السوق اللغوي.
أما الفاعل المدني والباحث في الفلسفة، ذ. المصطفى تودي، فاختار المشاركة بمداخلة في موضوع “الاستراتيجيات الملكية والمسألة الثقافية”، أشار فيها، من زاوية نفسية لاشعورية، أن “للاستراتيجية الملكية، فيما يتعلق بالمسألة الثقافية بشكل عام، والأمازيغية بشكل خاص، أبعادًا متعددة تشمل الجوانب السياسية والاجتماعية، علاوة على البعد النفسي العميق”، فيما أوضح ذ. تودي أن “الاستراتيجية ليست هدفًا بحد ذاتها، وأن السلوك يتشكل بناءً على الأفكار”، كما أشار إلى “وجود معوقات ذات طبيعة نفسية”، مبينًا أن “الخطاب الملكي السامي بأجدير يحمل الكثير من الحلول التي تنهي كل جدال في شأن الثقافة واللغة الأمازيغية”.
وبخصوص المائدة المستديرة التي تم تنظيمها في اليوم الموالي، الأحد 28 يوليوز 2024، تحت عنوان: “الحقل البيئي ورهان تدبير الموارد الطبيعية والمائية”، فتميزت بمشاركة عدد من الباحثين المختصين، وتقدم لتسييرها الفاعل البيئي، ذ. أحمد حميد، فيما تكلفت بالتقرير الفاعلة في مجال السياحة البيئية، ذة. ثورية هاشي، حيث افتتحها المسير بكلمة أشار فيها لرهانات ومتطلبات المناطق الجبلية، ومن التحديات والإكراهات المرتبطة بالبيئة والماء والموارد الطبيعية، فضلا عما يتعلق بالمنظومات البيئية التي “تحتاج لتغيير في المقاربات القائمة للخروج بالقواعد التي تتماشى وبرامج التنمية والأمن الغذائي والسلم الاجتماعي والعيش المشترك”.
والبداية من الأستاذ المحاضر، ذ. الحسن عبا، الذي استهل ورقته بالتركيز على إشكالية الماء وعلاقته الجدلية بالاستثمار، فضلا عن التحديات التي تواجهها الثروة المائية و”الحلول التي ينهجها المغرب لتخطي أثارها في هذه الظرفية الاستثنائية التي لم تعرفها البلاد منذ ثلاثة عقود”، فيما تطرق لنسب المياه الموزعة على مستوى الأرض، العذبة والمالحة والسطحية، ومدى استعمالات العذبة منها في المجال الفلاحي والصناعي، كما توقف المحاضر للحديث عما أسماه بالمياه الافتراضيةالتي يتم تصديرها عند المتاجرة بها من مكان إلى آخر، مقابل حديثه عن “انتقال المياه من مرحلة الإجهاد إلى مرحلة الندرة”، قبل إشارته لسؤال التدابير اللازمة التي يمكن القيام بها.
ولم يفت ذ. عبا، التوقف كثيرا عند موضوع المياه العادمةوشروط استعمالها،علاوة على موضوع “الحروب المستقبلية التي ستكون بسبب التساقطات المطرية”، ومن خلال ورقته أيضا، تناول ذ. عبا موضوع تحلية المياه البحرية، وما تتطلبه من محطات قوية، حيث توقف كثيرا عند الآفاق الضرورية لمحطات تحلية مياه البحر التي “أضحت خيارا استراتيجيا لا غنى عنه في ظل شح الموارد المائية”، خاصة أن بلادنا تطل على واجهتين بحريتين مهمتين، وبالتالي أشار “للخسارات الممكن تسجيلها اقتصاديا وسياحيا بسبب عدم تدابير صحيحة للمياه”، سيما ونحن في أفق 2030 الموضوعة على رأس خطة التنمية المستدامة.
كما تعززت أشغال الندوة بمشاركة الخبير في مجال البيئة والتنمية المستدامة، عضو المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، والمنسق الوطني للإتلاف المغربي من أجل المناخ والتنمية المستدامة، ذ. عبدالرحيم كسيري، الذي انطلق في مداخلته مما يتمتع به المغرب من “مواصفات جيواستراتيجية”، فيما فتح موضوع ورقته من “جدلية فهم الإنسان من خلال فهم الأرض”، قبل انتقاله للوقوف عند سياسة السدود وأهميتها، وما حققته من فوائد بالنسبة للعديد من الأراضي الزراعية بالعالم القروي، دون أن يفوت المحاضر تبرئة بلادنا من “التورط في التغيرات المناخية الناتجة عن الغازات، إلا أن هذه البلاد أضحت من بين الدول المتأثرة بذلك”.
وبعد تشخيصه لتأثير التغيرات المناخية على عيش الساكنة، حاول إبراز مدى اتساع رقعة الجفاف بالشكل المثير جدا، قبل تطرقه للطاقة الشمسية ودورها في “تحفيز وتشجيع الاستثمار والانتاج بتكاليف مناسبة”، وكذلك لوضعية الواحات ومعاناتها مع أزمة الماء الصالح للشرب والري، فيما ركز ذ. كسيري بالتالي على “أهمية التحسيس بسبل الاعتماد على اقتصاد الماء بالطرق الناجعة والمنسجمة مع الرهانات والمتطلبات وقوانين السوق والبيئة”، كما تحدث عن تقاليد البنايات بالمغرب في “عملية ترابط قنواتها بين المطبخ والمرحاض مثلا”، الأمر الذي “يرفع من تكاليف وجهود أعمال تصفية المياه العادمة”.
وعلى المائدة المستديرة، لم يفت المدير الإقليمي للوكالة الوطنية للمياه والغابات، ذ. محمد صديق، المشاركة في هذا اللقاء البيئي، بمداخلة هامة استهلها بتشخيص استراتيجية الوكالة الوطنية للمياه والغابات، مع تعريف شامل بالغابة وغطائها الذي يمتد على أزيد من 30 بالمائة من الأراضي المغربية، ومساراتها وتنوعها البيولوجي والإيكولوجي، ليتوقف ذ. صديق كثيرا عند شجرة الأرز العتيقة والمعمرة، انطلاقا من تاريخها كأقدم شجرة عبر العصور القديمة والحضارات الفرعونية والفينيقية واليونانية، ومن الصناعات المستخرجة منها، واستعمالات أخشابها في البنايات والأدوات المنزلية إلى غير ذلك.
وصلة بالموضوع، قام ذ. صديق باستعراض أصناف شجرة الأرز، ومواطنها من الشرق الأوسط إلى الأطلس المغربي، ومدى “قدرتها على التكيف والانفعال مع مختلف التقلبات المناخية”، وعلى إنجاب ما يدهش من البذور، فيما حرص المحاضر على التحدث مطولا عن بعض الإكراهات، ومنها أساسا “مظاهر الرعي الجائر وأضراره الكبيرة على بنية التربة والغطاء النباتي والنمو الغابوي”، ثم “الضغوط البشرية وآفة الحرائق”، قبل مرور ذات المحاضر بحديثه على ما يتعلق بأنواع الطيور والحيوانات التي تعيش بين المناطق الأرزية، ومذكرا بظهير أكتوبر 1917 المتعلق بحفظ الغابات واستغلالها، وظهير يناير 1916 المرتبط بتحديد المجال الغابوي وفصله عن باقي العقارات.
وشارك في الندوة أيضا، الناشط في فرع إفران أزرو لجمعية علوم الحياة والأرض، ذ. م. إدريس هشمي، وذلك بورقة انطلق فيها من أهمية الحفاظ على الموروث الطبيعي، مرورا بحديثه عن الاستراتيجية الغابوية (غابات المغرب 2020/ 2030)، وعن غابات شجر الأرز والتنوع البيولوجي، ذلك ليستعرض “سبل تدبير المجالات الغابوية والمجالات المتصلة بالرعي”، ومن خلالها أبرز تجربة “الغابة النموذجية” بإقليم إفران، ودورها في حماية الثروة الغابوية ودعم التنمية المستدامة ونشر الوعي البيئي وتثمين المنتوج المحلي، فيما تناول إشكالية الرعي الجائر باعتباره التحدي الرئيسي للمنظومة الغابوية، والمساهم الكبير في التصحر والخلل البيئي.
وموازاة مع الأنشطة العلمية، تميز برنامج “مهرجان أجدير إيزوران”، بقافلة طبية، تمت بشراكة ودعم من “جمعية أطلس لدعم الوحدات الطبية المتنقلة”، مندوبية وزارة الصحة، حيث استفاد من هذه المبادرة أكثر من 100 شخص، وشملت تخصصات جراحة الغدة الدرقية، المرارة، الفتق والأمراض النسائية، فيما تميزت التظاهرة بالإشراف على معرض للمنتجات المحلية من باب تأكيد دور الاقتصاد الاجتماعي التضامني في تحريك الدينامية الاجتماعية وتحسين الدخل، والعمل على تثمين وتسويق المنتجات التي تبرز العمق الثقافي والفني المغربي وإبداع الحرفيين والصناع التقليديين ومكونات التعاونيات الإنتاجية والخدماتية والجمعيات المهنية والمقاولات الذاتية.
وقد جرى حفل افتتاح المعرض في حضور وفد يتقدمه عامل الإقليم، وعدد من رؤساء المصالح الخارجية والأمنية والعسكرية، ومن المنتخبين وممثلي الغرف المهنية، حيث تميز المعرض ب 57 عارضة وعارض من مختلف القطاعات والمجالات، والذين تم إشراكهم من طرف “المبادرة الوطنية للتنمية البشرية”، ذلك قبل توجه الوفد لقاعة الندوات بجماعة خنيفرة، حيث تم الإعلان عن انطلاق فعاليات “مهرجان أجدير إيزوران”، تحت الرعاية الملكية السامية، في دورته الخامسة، وذلك من خلال كلمة افتتاحية تقدم بها رئيس “مؤسسة روح أجدير الأطلس”، ذ. محمد ياسين، فيما سجل الافتتاح كلمة أخرى تقدم بها رئيس جماعة خنيفرة.
ومن بين ما أوضحه رئيس“مؤسسة روح أجدير الأطلس”، في كلمته، حرص هذه المؤسسة، منذ انطلاقة النسخة الأولى من المهرجان عام 2016، على “تركيز الاهتمام على الثقافة والرأسمال غير المادي وعلى اقتصاد المعرفة التي تتعتبر المداخل الاساسية لتنمية مندمجة ومستدامة قوامها تثمين الموروث الثقافي وجعله في خدمة الراهن الاقتصادي والاجتماعي، واستجماع الكفاءات والمؤهلات البشرية والعلمية، من أجل مشروع مواطن تتقاسمه المؤسسة مع شركائها المؤسساتيين والمدنيين والأكاديميين”، ومن هذا المنطلق اختارت المؤسسة، حسب رئيسها، توشيح الدورة الخامسة للمهرجان بشعار “الابتكار الثقافي بوابة التثمين الترابي للمناطق الجبلية”.