ريبورتاج مصور:سلاح جديد يدخل الخدمة بالشرق الأوسط انفجارات متزامنة لأجهزة اتصال تهز لبنان.. صدمة و فوضى وضحايا
تسعة قتلى و نحو ثلاثة آلاف جريح وحزب الله يحمل إسرائيل "المسؤولية الكاملة"
41٬661
مشاركة
أ.ف.ب
شهدت الضاحية الجنوبية لبيروت، معقل حزب الله، فوضى عارمة اليوم الثلاثاء إثر انفجارات متزامنة لأجهزة اتصال. تدخل المسعفون اللبنانيون بسرعة في محاولة لإغاثة المصابين في مشاهد درامية شهدتها مداخل المستشفيات والشوارع، بينما تدفقت التبرعات بالدم لإنقاذ المصابين.
وأفادت وزارة الصحة اللبنانية بأن الانفجارات، التي هزت معاقل حزب الله في مناطق متعددة من لبنان، أسفرت عن مقتل تسعة أشخاص وإصابة نحو 3000 آخرين بجروح متفاوتة الخطورة. وفيما اتهم حزب الله إسرائيل بالوقوف وراء هذه الانفجارات ضمن صراع طويل بين الجانبين امتد عبر الحدود، فإن التصعيد جاء في سياق التوترات المتصاعدة بعد هجوم حركة حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أدى إلى اندلاع الحرب الحالية في غزة. و في مشهد مؤلم بإحدى مستشفيات الضاحية، رصد مراسل “فرانس برس” أشخاصًا يتلقون العلاج في مرآب المستشفى، وسط قفازات طبية متناثرة على الأرض ونقالات إسعاف ملوثة بالدماء. وفي مستشفى آخر، شوهدت إصابات مروعة، شملت شخصًا بجروح في الوجه والعين، وآخرين يعانون من إصابات في الخصر والأطراف.
موسى، أحد سكان الضاحية الجنوبية، تحدث عن اللحظات العصيبة التي عاشها قائلاً: “طوال حياتي لم أر شخصا يمشي في الشارع… ومن ثم ينفجر” وتابع “زوجتي وأنا كنا في طريقنا للطبيب (…) فجأة رأيت أشخاصا ممددين أرضا أمامي وأضاف موسى بأن “الناس لم يدركوا ما الذي يجري”.
الانفجارات المتزامنة، التي خلفت إصابات في مناطق حساسة كالأيدي والأذرع حيث تُحمل أجهزة الاتصال، أثارت صدمة كبيرة في البلاد، مع انتشار مقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي تُظهر أشخاصًا مصابين بشكل خطير. في أحد هذه المقاطع، تم التحقق منه بواسطة “فرانس برس”، يظهر رجل داخل محل للخضروات ينفجر جهاز اتصاله عند خصره، ما تسبب في حالة من الذعر بين الحاضرين.
وفي خطوة فورية للتعامل مع الإصابات، تم نصب خيم طبية للتبرع بالدم تحت جسر في الضاحية الجنوبية، حيث توافد العشرات لمساعدة المصابين، في مشهد تخلله أصوات سيارات الإسعاف المتقطعة. بينما في شارع الحمراء التجاري، تكدس المواطنون أمام المستشفيات في محاولة لمعرفة مصير ذويهم.
من جهتها، حاولت الطواقم الطبية والقوى الأمنية تنظيم حركة سيارات الإسعاف التي تدفقت على المرافق الصحية، والتي شملت سيارات تابعة للدفاع المدني اللبناني والصليب الأحمر وجمعيات تابعة لحزب الله وحركة أمل.
جنوبًا، في المناطق الأقرب إلى الحدود مع إسرائيل، أفاد شهود عيان بتسارع سيارات الإسعاف بين صيدا وصور، فيما فرضت السلطات طوقًا أمنيًا حول المستشفيات في تلك المناطق، في محاولة للسيطرة على الوضع المتأزم.
كما شهدت مناطق شرق لبنان انفجارات مشابهة، حيث تم تسجيل عشرات الإصابات في منطقة البقاع، مما يضيف إلى قائمة طويلة من المناطق المتأثرة جراء هذه الأحداث المفاجئة. وقال حزب الله في بيان إنه “بعد التدقيق في كل الوقائع والمعطيات الراهنة والمعلومات المتوافرة حول الاعتداء الآثم… فإننا نحمل العدو الإسرائيلي المسؤولية الكاملة عن هذا العدوان الإجرامي… هذا العدو الغادر والمجرم سينال بالتأكيد قصاصه العادل”.
وفي اتصال مع وكالة فرانس برس، رفض الجيش الإسرائيلي الإدلاء بتعليق على ما حصل. من جانبها، سارعت واشنطن إلى نفي “ضلوعها” أو “علمها” مسبقا بهذه الانفجارات، وحضت طهران على تجنب التصعيد. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية ماثيو ميلر للصحافيين “أستطيع أن أقول لكم إن الولايات المتحدة لم تكن ضالعة في الأمر، ولم تكن على علم بهذه الحادثة مسبقا، وفي هذه المرحلة نقوم بجمع المعلومات”. وأضاف “نحض إيران على عدم استغلال أي حادثة لمحاولة مفاقمة عدم الاستقرار وتصعيد التوترات في المنطقة”. وعزا مصدر مقرب من الحزب الانفجارات إلى “القرصنة الإسرائيلية”، علما أن هذه الأجهزة “موجودة لدى عدد من العاملين في وحدات ومؤسسات حزب الله المختلفة”، وفق الحزب. وقال مصدر مقرب من الحزب لفرانس برس إن “أجهزة الإشعار (بايجر) التي انفجرت وصلت عبر شحنة استوردها حزب الله مؤخرا تحتوي على ألف جهاز”، يبدو أنه “تم اختراقها من المصدر”. وعلى منصة إكس، كتب تشارلز ليستر الخبير لدى معهد الشرق الأوسط (MEI) إنه “وفقا لتسجيلات الفيديو … من المؤكد أنه تم إخفاء عبوة بلاستيكية متفجرة صغيرة بجانب بطارية يتم تشغيلها من بعد عن طريق إرسال رسالة”. وهذا يعني في رأيه أن “جهاز الموساد (الاستخبارات الخارجية الإسرائيلية المسؤولة عن العمليات الخاصة) اخترق سلسلة التوريد”.
وقالت المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان جينين هينيس بلاسخارت في بيان “تشكل أحداث اليوم تصعيدا مقلقا للغاية في ظل سياق قابل للاشتعال بشكل غير مقبول”، مطالبة “جميع الأطراف المعنية بالامتناع عن أي تصعيد إضافي أو خطابات عدائية قد تؤدي إلى نشوب نزاع أوسع لا يستطيع أي طرف تحمله”.
وقالت زينة خضر من قناة الجزيرة، إنه يبدو أن الأجهزة تعرضت للاختراق والتفجير في هجوم منسق، وهو ما يمثل “تطورًا كبيرًا” في الأعمال العدائية بين إسرائيل والجماعة اللبنانية المدعومة من إيران. وقالت: “هذا خرق أمني كبير. تم اختراق جهاز اتصالات حزب الله. لقد رأينا صورًا من جميع أنحاء لبنان لرجال ملقين على الأرض مصابين وينزفون. لقد رأينا تقارير عن مستشفيات تطلب الدم”. وقالت إن “الانفجارات شبه المتزامنة” وردت في جنوب لبنان، وفي شرق البلاد وفي الضاحية الجنوبية لبيروت، حيث سادت حالة من الذعر على نطاق واسع. وقالت خضر إن زعيم حزب الله حسن نصر الله دعا مقاتليه قبل بضعة أشهر إلى التوقف عن استخدام الهواتف الذكية لأن إسرائيل لديها التكنولوجيا اللازمة للتسلل إلى تلك الأجهزة. وقالت: “لذا فقد لجأوا الآن إلى نظام اتصالات مختلف باستخدام أجهزة بيجر، ويبدو أنها تعرضت للاختراق”. وقال إيليا ماجنييه، المحلل العسكري والسياسي المستقل، إن حزب الله يعتمد بشكل كبير على أجهزة بيجر لمنع إسرائيل من اعتراض اتصالاته، وتكهن بأن أجهزة بيجر تم العبث بها قبل توزيعها على أعضاء حزب الله. وقال للجزيرة: “هذا ليس نظامًا جديدًا. لقد تم استخدامه في الماضي، … لذلك في هذه الحالة، كان هناك تورط لطرف ثالث … للسماح بالوصول … لتفعيل الانفجارات عن بعد”. “هذه الانفجارات… قوية بما يكفي لضرب نفسية حزب الله بشدة”.