الفنيدق: من رواج التهريب إلى أزمة اقتصادية خانقة بعد إغلاق معبر باب سبتة
محمد اليزناسني
الأربعاء 25 سبتمبر 2024 - 20:21 l عدد الزيارات : 38380
الفنيدق: أنوار بريس.. مراسلة خاصة
كانت مدينة الفنيدق لسنوات تعتمد على نشاط اقتصادي مزدهر مرتبط بالتهريب المعيشي الذي أسس لتجارة محلية بالأسواق دون تطور أو تأهيل يذكر، رغم التحولات التي عرفتها المدن المحيطة كطنجة وتطوان وسبتة. كانت الفنيدق محطة عبور لتجارة منظمة تنطلق من مدينة سبتة نحو باقي المدن المغربية، ما ساهم في اتساع دائرة المشتغلين في التهريب الذي أصبح مصدر دخل لآلاف العائلات، مما أدى إلى تزايد ديموغرافي ملحوظ. فعدد سكان المدينة ارتفع من 5000 نسمة في 1995 إلى حوالي 85000 نسمة في 2018، وهو ما نتج عنه انتشار البناء العشوائي، وتدهور البنية التحتية، وظهور اختلالات في التعليم والصحة.
لم يسلم معبر باب سبتة من الانتقادات المحلية والدولية بشأن الطريقة التي تتم بها عمليات التهريب، والتي وصفت بالبشعة من قبل المنظمات الحقوقية. عدة لجان استطلاعية، منها لجنة برلمانية، أوصت بضرورة الحد من هذا النوع من التهريب، في حين شهدت المدينة زيارات متعددة من المسؤولين بهدف إيجاد حلول.
بعد إغلاق معبر باب سبتة بشكل مفاجئ، فقد حوالي 14000 عامل وعاملة مصدر رزقهم الأساسي، منهم 3000 شخص كانوا يعملون داخل سبتة في مهن مختلفة، بينما كان الآخرون يعتمدون بشكل كلي على التهريب. هذا الإغلاق أثر بشكل سلبي على الاقتصاد المحلي وأدى إلى توترات اجتماعية تجلت في تنظيم احتجاجات متكررة من سكان المدينة.
حاولت السلطات إيجاد بدائل لإنعاش اقتصاد الفنيدق، من خلال منح رخص استثنائية لاستيراد الملابس المستعملة، وهي تجارة كانت الفنيدق مركزًا وطنيًا لها. كما تم توظيف 2500 امرأة في إطار الإنعاش الوطني، غير أن هذه الحلول لم تحقق النتائج المرجوة. بدلاً من ذلك، استحوذت شركة واحدة على تجارة الملابس المستعملة، متجاهلة التزاماتها مع تجار السوق المركزي، ما أدى إلى رفع دعاوى قضائية ضدها، وطرحت أسئلة برلمانية حول هذه القضية.
كما تم إحداث منطقة للأنشطة الاقتصادية، إلا أن تأثيرها على التجارة المحلية كان محدودًا، نظرًا للصيغة الجمركية المنظمة التي حرمت تجار المدينة من الاستفادة الكاملة منها. استفاد عدد قليل من التجار، فيما يشتكي الغالبية من كلفة المصاريف الجمركية، مع تزايد التلاعبات في الرسوم والحمولات المستوردة.
من ناحية أخرى، تم تخصيص التوظيف في الإنعاش الوطني للنساء فقط دون الشباب، مما أثار انتقادات لعدم توجيه الميزانيات المخصصة لتأهيل الشباب لسوق العمل، خاصة في ظل وجود مشاريع كبرى مثل ميناء طنجة المتوسط ومصانع السيارات.
كل هذه العوامل أدت إلى إحباط معنويات الشباب، ودفع العديد منهم إلى الهجرة السرية نحو سبتة، بل وأصبحت الهجرة علنية وعلقت عليها آمالًا كبيرة في البحث عن حياة أفضل. هذه الظاهرة تفاقمت حتى انتكست المدينة بأحداث الهجرة الجماعية التي أعلنتها جهة مجهولة، ما كشف عن فشل الشعارات الحكومية في تحقيق التنمية الاجتماعية.
اليوم، تجد الفنيدق نفسها في مواجهة مستقبل غامض يتطلب تدخلًا عاجلًا من الحكومة لإعادة تفعيل المشاريع المتوقفة وفتح باب الاستثمار، الذي شهد جمودًا وهروبًا لرؤوس الأموال، لإنقاذ المدينة من حالة الركود الاقتصادي والاجتماعي التي تعيشها.