في خضم التحولات العالمية السريعة والمشهد الجيوسياسي المتغير، يبقى المغرب ركيزة أساسية في الاستراتيجية الأوروبية. وجاءت ردود الفعل الأوروبية الأخيرة على قرار محكمة العدل الأوروبية بشأن اتفاقيتي الفلاحة والصيد البحري بين المغرب والاتحاد الأوروبي لتؤكد هذا الواقع بجلاء، وتبرز المكانة الدولية الرفيعة التي يحظى بها المغرب. فرغم القرار القضائي المثير للجدل، شددت الدول الأوروبية، بدءًا من إسبانيا وفرنسا وصولًا إلى إيطاليا وهنغاريا، على أن الشراكة مع المغرب تتجاوز المصالح الاقتصادية لتلامس عمق المصالح الاستراتيجية والأمنية التي تجمع الطرفين.
من الواضح أن القرار لم يكن قادرًا على زعزعة متانة هذه العلاقة، بل كشف عن مدى قوة الروابط التي تم نسجها بين المغرب والاتحاد الأوروبي على مدار عقود. فإسبانيا، التي تجمعها بالمغرب علاقات اقتصادية وتجارية متميزة، سارعت على لسان وزير خارجيتها خوسي مانويل ألباريس إلى التأكيد على أن الشراكة مع المغرب لا تمثل مجرد علاقات تجارية، بل هي استثمار استراتيجي يضمن التعاون في قضايا حيوية كالصيد البحري والفلاحة. وفي موقف يعكس إيمان مدريد العميق بأهمية هذه العلاقة، أكدت إسبانيا دعمها المتواصل لموقف المغرب من قضية الصحراء، معترفة بأن الحكم الذاتي هو الحل الواقعي لهذه القضية.
أما فرنسا، التي تجمعها بالمغرب شراكة استثنائية، فقد جددت دعمها القوي لهذه العلاقة الاستراتيجية. لم تتردد باريس في التأكيد على أن المغرب يعد شريكًا أساسيًا لا غنى عنه للاتحاد الأوروبي، مشددة على ضرورة تعزيز التعاون، خصوصًا في ما يتعلق بتنمية الأقاليم الجنوبية. هذا الموقف الفرنسي يعكس الثقة الكبيرة التي يوليها الأوروبيون للمغرب، ويبرز أهمية دوره الإقليمي والدولي في تعزيز الاستقرار والتنمية في شمال إفريقيا.
في السياق ذاته، توالت تصريحات الدول الأوروبية الأخرى التي عبرت عن رفضها الضمني لأي محاولة للمساس بالعلاقات مع المغرب. بلجيكا، هولندا، إيطاليا، وفنلندا، وغيرها من الدول، جددت دعمها لاستمرار التعاون مع المغرب في مختلف المجالات، في موقف يعكس إجماعًا أوروبيًا على عدم التفريط في هذه الشراكة الاستراتيجية.
وما يميز ردود الفعل الأوروبية هذه هو الانسجام الكبير بينها وبين الموقف الرسمي للاتحاد الأوروبي. ففي تصريح مشترك، شددت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين والممثل السامي للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل على ضرورة الحفاظ على الشراكة مع المغرب وتعزيزها، وهو ما يعكس الوعي الأوروبي العميق بأهمية المغرب في استراتيجيات الأمن والهجرة والتنمية المستدامة.
ورغم التحفظات التي أبداها بعض النواب الأوروبيين حول قرار المحكمة، فإن مواقف الحكومات الأوروبية جاءت لتؤكد أن المغرب ليس مجرد شريك اقتصادي، بل هو شريك استراتيجي لا غنى عنه للاتحاد الأوروبي. هذه المواقف تمثل إقرارًا ضمنيًا بأن المغرب هو لاعب رئيسي في المشهد الدولي، قادر على تحدي أي قرار قد يمس بوحدته الترابية أو يضعف من نفوذه الإقليمي.
لقد أظهر المغرب بوضوح، من خلال مواقفه الحازمة تجاه قضية الصحراء، أنه لن يتهاون مع أي محاولة للمساس بوحدته الترابية. رسالته إلى المجتمع الدولي واضحة: مغربية الصحراء مسألة سيادية، وغير قابلة للتفاوض. ومن هذا المنطلق، نجح المغرب في كسب دعم العديد من الدول الأوروبية التي تدرك أهمية الاستقرار الإقليمي ودور المغرب كقوة صاعدة في المنطقة.
في الختام، تبقى الشراكة بين المغرب والاتحاد الأوروبي حجر الأساس في العلاقات الأورو متوسطية. ومع استمرار المغرب في نهجه الإصلاحي وتطوير بنيته التحتية وتعزيز قدراته الاقتصادية، سيظل شريكًا لا غنى عنه لأوروبا، وسيمثل حاجزًا منيعًا أمام كل من يحاول زعزعة استقراره أو التشكيك في سيادته.