نورالدين زوبدي
لاشك أن الحديث عن البطالة وغلاء المعيشة يعتبر من أهم المواضيع المطروحة على طاولة النقاش العمومي . لذا فإنه يشكل جوهر مداخلات الفرق البرلمانية (الاغلبية ، المعارضة ) بمناسبة عرض الحكومة لمشروع القانون المالي 2025 .
لقد أصبح التصدي للبطالة في الوقت الراهن على رأس الأولويات ، وذلك نظرا للارتفاع المخيف المسجل في عدد العاطلين خلال السنوات الأخيرة، بفعل عدة عوامل ، لابد من التطرق إليها، قصد تبيان المصدر ، وتقديم الحلول المناسبة .
والي بنك المغرب في عرضه أثناء الندوة الصحفية التي نظمها مؤخرا تحدث بشكل واضح عن الازمة ، ولخصها في التراجع الكبير للقطاع الفلاحي ، والذي يصعب تغطيته بالتقدم الحاصل في قطاعات أخرى كالصناعة ( صناعة السيارات ، الطائرات،.. ) والسياحة وغيرهما ، لأن المناصب التي تخلقها الفلاحة تشكل رقما مهما في سوق الشغل بالمغرب .
ارتباطا بأهمية القطاع الفلاحي في تشغيل فئات عريضة من الشعب المغربي ، فإنه تضرره خلق أزمة أخرى تتعلق بالغلاء ، و ضعف القدرة الشرائية ، بالإضافة إلى انهيار السيادة الغذائية، حيث تحولنا من بلد مصدر للمواد و المنتجات الغذائية إلى مستورد لها ( اللحم ، الحليب ، زيت الزيتون ،….) ، وهذا يفاقم عجز الميزان التجاري.
بعد هذا التشخيص ، الذي ربما قد يتفق معه الكثير من المهتمين ، يمكن أن نجزم بأن معالجة قضية البطالة والغلاء يمر عبر بوابة اعادة القطاع الفلاحي إلى سابق عهده ، واعتباره قطاعا استراتيجيا في كل السياسات العمومية .
* المدخل رقم 1: تطوير المدارات السقوية مدخل اساس للانتاج الفلاحي .
في ظل التحولات الناتجة عن التغيرات المناخية ، و ما صاحب ذلك من نتائج كارثية على الفرشة المائية ، التي تضررت بشكل جعلها غير قادرة على تلبية الحاجات الكافية من المياه . فبالنسبة الى التزود بالماء الصالح للشرب ، وسقي الاراضي الفلاحية ، يبقى الامل معقودا على المدارات السقوية المرتبطة بالاحواض المائية ( السدود ) ، بعدما يتم تخفيف الضغط عليها ، و ذلك بالشروع في استغلال محطات تحلية المياه المبرمجة من طرف الحكومة ، والتي تستهدف تلبية طلب المدن الكبرى والمتوسطة .
إن التركيز على هذه المدارات السقوية ، وتقوية قدراتها ، و دورتها الإنتاجية له ما يبرره ،لأن تجهيزها باحدث اساليب الري ، و تقديم الدعم لفلاحيها ، سيمكن من تدارك الخصاص المسجل في مجموعة المواد والسلع ، ذات الاصل الفلاحي ، وسيساهم في توفير الغذاء للمواطنين ، فضلا عن تحقيق السيادة المطلوبة في هذا الباب .
واقع الحال اليوم ، يُظهر تعرض هذه المدارات الى خسائر باهضة التكلفة ، جراء قطع ماء السقي ، مما تسبب في هلاك ضيعات عديدة ، واتلاف اشجار مثمرة يستحيل استرجاعها بعودة المياه الى قنوات الري . لذلك ،فإن التحرك لإنقاذها صار هو الأولوية ، قبل فوات الأوان .
إن الامل دائما سيبقى معقودا على عودة هذه الاستغلاليات الى طبيعيتها ، لتسترجع الفلاحة عافيتها ،وتتشافى من الضربات الموجعة التي تلقتها ، نتيجة سوء تدبير القطاع ، وعدم أخذ الاحتياطات اللازمة لضمان ديمومة الانتاج ، وعدم ضياع ملايين فرص العمل.
ضرورة استخلاص الدروس من الازمات ، تقتضي بأن يتحلى القائمون على تسيير الشأن الفلاحي بالجدية اللازمة ، واتخاذ ما هو مناسب ،كي تؤدي هذه المدارات الدور الذي أنشئت من أجله ، وذلك بمراجعة نُظم الري المعتمدة ، التي تجعل منها نظما متجاوزة وجب استبدالها ، لأنه بكل بساطة ، لاتستجيب لمعايير الترشيد ، ناهيك عن مساهمتها في ارتفاع تكلفة الانتاج ، والتأثير على المردودية .
إن عصرنة هذه المدارات السقوية ،تأتي في المقدمة، والتي يمكن اعتبارها مدخلا أساسيا لتحقيق الاهداف التي كان مخطط المغرب الاخضر يسعى الى بلوغها ، وكذلك جعلها حاضنة للانتاج الفلاحي المحقق للامن الغذائي ، و المتضرر من التغيرات المناخية التي صارت معطى بنيويا ، وجب اخذه بعين الاعتبار في إعداد المخططات التنموية ذات الصلة .
فتوسيع المساحات المزروعة ، ساهم بشكل كبير في اندحار الفرشة المائية ، حيث سرعان ما تبخرت الارقام المعلنة في وقت قصير ، وتراجع الانتاج الفلاحي الى مستويات قياسية لم يسبق تسجيلها،مما ادى الى ارتفاع اسعار المواد الغدائية ؛ كما أن فئة عريضة من الفلاحين أفلست لعدم قدرتها على اداء الديون ، وتلف مرزوعاتها واشجارها المثمرة جراء التوقف عن سقيها ، للاسباب التي ذكرناها سابقا .
خلاصة القول : المدارات السقوية تعتبر مساحات زراعية مهمة يمكن التعويل عليها في تحقيق السيادة الغذائية ، وجعلها حاضنة للانتاج الفلاحي العصري ، و مشغلة لملايين من اليد العاملة .
* المدخل 2: انقاذ الفلاح من حالة الإفلاس
إن ارتفاع أسعار اللحوم والخضر والفواكه إلى مستويات قياسية ، لايمكن تبريره بالمضاربات ، أو أي شيء أخر ، من غير ذكر الأسباب الحقيقية ، تجنبا لحصول الازمة بالكفية والصورة المآساوية ( استيراد أضاحي العيد،..)
من دون شك ، الجميع قد وصل إلى قناعة واضحة ، وهي أن نقص الإنتاج هو السبب في ارتفاع الأسعار، و في تكلفة المعيشة بشكل عام . هذا يتطلب بسطا دقيقا للعوامل التي ساهمت في حدوثه ، واقتراح المخارج الآنية والمستقبلية .
الجفاف يعتبر أحد الأسباب الرئيسة ، وكان بالإمكان تفادي أضراره، لو أن الحكومة اتخذت مجموعة من التدابير في وقتها منها :
– تسريع انجاز محطات تحلية ماء البحر ،وتعميم السقي الموضعي ، وفرض اجباريته من أجل أن نتمكن من تدبير الموارد المائية وفق المتطلبات، وحسب الحاجيات الضرورية .
– تفادي الضغط على الأحواض المائية من طرف الحواضر الكبرى ( الماء الصالح للشرب ) ،عبر تزويدها بالمياه البحرية المحلاة ، وتقديم الدعم للشركات المعبئة للماء الصالح للشرب ، كما هو معمول به في بعض الدول الاوروبية ، رغم من انها لا تعاني من نقص في المياه .
– دعم الفلاح لكي يبقى صامدا في وجه كل هذه التحديات ، وليس التخلي عنه ليواجه كل هذه المحن .فإفلاس العديد من المزارعين كان له الأثر السلبي على الإنتاج، وهنا يمكن أن نطرح مجموعة من الطرق لدعمه :
أ- اولها إيقاف كل المتابعات في حق الفلاحين جراء عدم أداء المستحقات ، سواء كانت اكرية الأراضي، أو تكاليف الإنتاج( اسمدة ، أدوية، بذور . ….) .
ب -اعادة جدولة الديون بالشكل الذي يضمن له الوفاء بها ،والاستمرار في ممارسة النشاط الفلاحي .
– تجنب الوسطاء وتقديم الدعم بشكل مباشر ، لأن تجار الازمات يتحينون الفرص ليفسدوا أية مبادرة ، والضحية دوما هو الفلاح والدولة التي لم تحقق الأهداف المرجوة من الدعم( اضاحي العيد ، الاعلاف ، الاسمدة ….) .
-،إيقاف البناء بالشواطىء بغرض استغلالها في الزراعة ، لأنها الأقرب إلى محطات التحلية ،لتفادي تكلفة نقل المياه إلى المناطق الداخلية ، التي يمكن تحويلها إلى مناطق صناعية مستقبلا ، كما هو معمول به في غالبية الدول الغربية .
لايمكن ابدا أن نحقق الأمن الغذائي ، والمعني بتنزيله على أرض الواقع ( الفلاح ) يعيش ضائقة مالية خانقة ، لايستطيع في ظلها ممارسة
تعليقات
0