أزمة الشغل وانهيار القطاع الفلاحي : هل من علاقة ؟

نورالدين زوبدي الإثنين 28 أكتوبر 2024 - 20:13 l عدد الزيارات : 93286

نورالدين زوبدي

لاشك أن الحديث عن البطالة وغلاء المعيشة يعتبر من أهم المواضيع المطروحة على طاولة النقاش العمومي . لذا فإنه يشكل جوهر مداخلات الفرق البرلمانية (الاغلبية ، المعارضة ) بمناسبة عرض الحكومة لمشروع القانون المالي 2025 .

لقد أصبح التصدي للبطالة في الوقت الراهن على رأس الأولويات ، وذلك نظرا للارتفاع المخيف المسجل في عدد العاطلين خلال السنوات الأخيرة، بفعل عدة عوامل ، لابد من التطرق إليها، قصد تبيان المصدر ، وتقديم الحلول المناسبة .

والي بنك المغرب في عرضه أثناء الندوة الصحفية التي نظمها مؤخرا تحدث بشكل واضح عن الازمة ، ولخصها في التراجع الكبير للقطاع الفلاحي ، والذي يصعب تغطيته بالتقدم الحاصل في قطاعات أخرى كالصناعة ( صناعة السيارات ، الطائرات،.. ) والسياحة وغيرهما ، لأن المناصب التي تخلقها الفلاحة تشكل رقما مهما في سوق الشغل بالمغرب .

ارتباطا بأهمية القطاع الفلاحي في تشغيل فئات عريضة من الشعب المغربي ، فإنه تضرره خلق أزمة أخرى تتعلق بالغلاء ، و ضعف القدرة الشرائية ، بالإضافة إلى انهيار السيادة الغذائية، حيث تحولنا من بلد مصدر للمواد و المنتجات الغذائية إلى مستورد لها ( اللحم ، الحليب ، زيت الزيتون ،….) ، وهذا يفاقم عجز الميزان التجاري.

بعد هذا التشخيص ، الذي ربما قد يتفق معه الكثير من المهتمين ، يمكن أن نجزم بأن معالجة قضية البطالة والغلاء يمر عبر بوابة اعادة القطاع الفلاحي إلى سابق عهده ، واعتباره قطاعا استراتيجيا في كل السياسات العمومية .

* المدخل رقم 1: تطوير المدارات السقوية مدخل اساس للانتاج الفلاحي .

في ظل التحولات الناتجة عن التغيرات المناخية ، و ما صاحب ذلك من نتائج كارثية على الفرشة المائية ، التي تضررت بشكل جعلها غير قادرة على تلبية الحاجات الكافية من المياه . فبالنسبة الى التزود بالماء الصالح للشرب ، وسقي الاراضي الفلاحية ، يبقى الامل معقودا على المدارات السقوية المرتبطة بالاحواض المائية ( السدود ) ، بعدما يتم تخفيف الضغط عليها ، و ذلك بالشروع في استغلال محطات تحلية المياه المبرمجة من طرف الحكومة ، والتي تستهدف تلبية طلب المدن الكبرى والمتوسطة .

إن التركيز على هذه المدارات السقوية ، وتقوية قدراتها ، و دورتها الإنتاجية له ما يبرره ،لأن تجهيزها باحدث اساليب الري ، و تقديم الدعم لفلاحيها ، سيمكن من تدارك الخصاص المسجل في مجموعة المواد والسلع ، ذات الاصل الفلاحي ، وسيساهم في توفير الغذاء للمواطنين ، فضلا عن تحقيق السيادة المطلوبة في هذا الباب .

واقع الحال اليوم ، يُظهر تعرض هذه المدارات الى خسائر باهضة التكلفة ، جراء قطع ماء السقي ، مما تسبب في هلاك ضيعات عديدة ، واتلاف اشجار مثمرة يستحيل استرجاعها بعودة المياه الى قنوات الري . لذلك ،فإن التحرك لإنقاذها صار هو الأولوية ، قبل فوات الأوان .

إن الامل دائما سيبقى معقودا على عودة هذه الاستغلاليات الى طبيعيتها ، لتسترجع الفلاحة عافيتها ،وتتشافى من الضربات الموجعة التي تلقتها ، نتيجة سوء تدبير القطاع ، وعدم أخذ الاحتياطات اللازمة لضمان ديمومة الانتاج ، وعدم ضياع ملايين فرص العمل.

ضرورة استخلاص الدروس من الازمات ، تقتضي بأن يتحلى القائمون على تسيير الشأن الفلاحي بالجدية اللازمة ، واتخاذ ما هو مناسب ،كي تؤدي هذه المدارات الدور الذي أنشئت من أجله ، وذلك بمراجعة نُظم الري المعتمدة ، التي تجعل منها نظما متجاوزة وجب استبدالها ، لأنه بكل بساطة ، لاتستجيب لمعايير الترشيد ، ناهيك عن مساهمتها في ارتفاع تكلفة الانتاج ، والتأثير على المردودية .

إن عصرنة هذه المدارات السقوية ،تأتي في المقدمة، والتي يمكن اعتبارها مدخلا أساسيا لتحقيق الاهداف التي كان مخطط المغرب الاخضر يسعى الى بلوغها ، وكذلك جعلها حاضنة للانتاج الفلاحي المحقق للامن الغذائي ، و المتضرر من التغيرات المناخية التي صارت معطى بنيويا ، وجب اخذه بعين الاعتبار في إعداد المخططات التنموية ذات الصلة .

فتوسيع المساحات المزروعة ، ساهم بشكل كبير في اندحار الفرشة المائية ، حيث سرعان ما تبخرت الارقام المعلنة في وقت قصير ، وتراجع الانتاج الفلاحي الى مستويات قياسية لم يسبق تسجيلها،مما ادى الى ارتفاع اسعار المواد الغدائية ؛ كما أن فئة عريضة من الفلاحين أفلست لعدم قدرتها على اداء الديون ، وتلف مرزوعاتها واشجارها المثمرة جراء التوقف عن سقيها ، للاسباب التي ذكرناها سابقا .

خلاصة القول : المدارات السقوية تعتبر مساحات زراعية مهمة يمكن التعويل عليها في تحقيق السيادة الغذائية ، وجعلها حاضنة للانتاج الفلاحي العصري ، و مشغلة لملايين من اليد العاملة .

* المدخل 2: انقاذ الفلاح من حالة الإفلاس

إن ارتفاع أسعار اللحوم والخضر والفواكه إلى مستويات قياسية ، لايمكن تبريره بالمضاربات ، أو أي شيء أخر ، من غير ذكر الأسباب الحقيقية ، تجنبا لحصول الازمة بالكفية والصورة المآساوية ( استيراد أضاحي العيد،..)

من دون شك ، الجميع قد وصل إلى قناعة واضحة ، وهي أن نقص الإنتاج هو السبب في ارتفاع الأسعار، و في تكلفة المعيشة بشكل عام . هذا يتطلب بسطا دقيقا للعوامل التي ساهمت في حدوثه ، واقتراح المخارج الآنية والمستقبلية .

الجفاف يعتبر أحد الأسباب الرئيسة ، وكان بالإمكان تفادي أضراره، لو أن الحكومة اتخذت مجموعة من التدابير في وقتها منها :

– تسريع انجاز محطات تحلية ماء البحر ،وتعميم السقي الموضعي ، وفرض اجباريته من أجل أن نتمكن من تدبير الموارد المائية وفق المتطلبات، وحسب الحاجيات الضرورية .

– تفادي الضغط على الأحواض المائية من طرف الحواضر الكبرى ( الماء الصالح للشرب ) ،عبر تزويدها بالمياه البحرية المحلاة ، وتقديم الدعم للشركات المعبئة للماء الصالح للشرب ، كما هو معمول به في بعض الدول الاوروبية ، رغم من انها لا تعاني من نقص في المياه .

– دعم الفلاح لكي يبقى صامدا في وجه كل هذه التحديات ، وليس التخلي عنه ليواجه كل هذه المحن .فإفلاس العديد من المزارعين كان له الأثر السلبي على الإنتاج، وهنا يمكن أن نطرح مجموعة من الطرق لدعمه :
أ- اولها إيقاف كل المتابعات في حق الفلاحين جراء عدم أداء المستحقات ، سواء كانت اكرية الأراضي، أو تكاليف الإنتاج( اسمدة ، أدوية، بذور . ….) .
ب -اعادة جدولة الديون بالشكل الذي يضمن له الوفاء بها ،والاستمرار في ممارسة النشاط الفلاحي .

– تجنب الوسطاء وتقديم الدعم بشكل مباشر ، لأن تجار الازمات يتحينون الفرص ليفسدوا أية مبادرة ، والضحية دوما هو الفلاح والدولة التي لم تحقق الأهداف المرجوة من الدعم( اضاحي العيد ، الاعلاف ، الاسمدة ….) .

-،إيقاف البناء بالشواطىء بغرض استغلالها في الزراعة ، لأنها الأقرب إلى محطات التحلية ،لتفادي تكلفة نقل المياه إلى المناطق الداخلية ، التي يمكن تحويلها إلى مناطق صناعية مستقبلا ، كما هو معمول به في غالبية الدول الغربية .

لايمكن ابدا أن نحقق الأمن الغذائي ، والمعني بتنزيله على أرض الواقع ( الفلاح ) يعيش ضائقة مالية خانقة ، لايستطيع في ظلها ممارسة

تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على Google News تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على Telegram

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

تعليقات

0

مقالات ذات صلة

الأحد 6 يوليو 2025 - 14:02

السويد تضع “قيم المهاجرين” تحت المجهر: اندماج على الطريقة الاسكندنافية أم اختبار للولاء الثقافي؟

الأحد 6 يوليو 2025 - 13:57

الرباط.. تنظيم حفل ديني احتفاء بالعام الهجري الجديد

الأحد 6 يوليو 2025 - 13:08

المغرب يعزز قدراته الجوية: شراكة مع الولايات المتحدة لتحديث طائرات C-130H

الأحد 6 يوليو 2025 - 13:06

مرتيل تدخل موسوعة غينيس بأكبر منصة ألعاب مائية .. وسط جدل حول اثمنة الدخول

error: