كشف تقرير مجلس المنافسة الأخير، المعني بتتبع نشاط قطاع توزيع الوقود بالمغرب، عن أرقام تلقي الضوء على واقع تنافسي مقلق. فبينما يبلغ عدد الشركات المرخص لها بمزاولة نشاط استيراد المنتجات النفطية السائلة 31 شركة، يُظهر التقرير أن تسع شركات كبرى تستحوذ على 85% من إجمالي حجم وقيمة واردات السوق الوطنية للغازوال والبنزين. هذه النسبة العالية تطرح تساؤلات حول مدى سيطرة هذه الشركات على السوق، وإلى أي حد يسهم ذلك في خلق بيئة أقرب للاحتكار منها إلى المنافسة العادلة.
فوفقًا لتقرير مجلس المنافسة، بلغت نسبة واردات الغازوال والبنزين التي استحوذت عليها تسع شركات فقط حوالي 85% من حجم السوق، مما يضع هذه الشركات في موقع قوة بارز. وإذا أضفنا إلى ذلك أن هذه الشركات نفسها تسيطر على 74% من شبكة محطات الوقود في المغرب، تتضح الصورة: معظم المستهلكين يعتمدون على هذه الشركات للحصول على الوقود، سواء على مستوى الإمدادات أو البيع بالتجزئة. يثير هذا الوضع أسئلة حول فرص المنافسة الحقيقية أمام الشركات الصغيرة، التي تشكل الغالبية من حيث العدد، لكنها تُترك بأدوار هامشية في السوق بسبب قوة الشركات الكبرى.
التقرير، رغم حياديته، يشير بشكل ضمني إلى أن هذه الهيمنة قد تكون جزءًا من التفسير وراء تباين الأسعار بين السوقين المحلي والدولي. ورغم التغيرات في الأسعار العالمية، نلاحظ أن انعكاسها على الأسعار المحلية بطيء وغير متكافئ. عندما تهيمن حفنة من الشركات على واردات وتوزيع الوقود، فإن تأثير قوى العرض والطلب قد يتراجع، ما يجعل الأسعار أقل استجابة للمتغيرات الدولية وأقرب إلى استراتيجية الربحية الخاصة بالشركات الكبرى، دون منافسة فعلية من اللاعبين الأصغر.
ويشير التقرير إلى توسع شبكة محطات الوقود للشركات التسع إلى ما يقارب ثلاثة أرباع محطات الوقود في المغرب. هذه السيطرة تجعل المستهلكين النهائيين محدودي الخيارات عند الشراء، حيث تكون الأسعار موحدة أو متقاربة للغاية، مما قد يقلل من فرص أي تراجع في الأسعار أو تخفيضات قد تقدمها محطات أخرى أصغر. وعلى الرغم من أن الترخيص لمزاولة النشاط مفتوح، إلا أن غياب منافسين أقوياء في شبكة التوزيع، أو صعوبة دخول منافسين جدد للسوق، يعزز هيمنة الشركات التسع الكبرى.
مع صدور هذا التقرير، يُطرح السؤال حول دور مجلس المنافسة في ضبط السوق ومنع هذه الهيمنة من التحول إلى احتكار فعلي.
هذه البيانات يمكن اعتبارها مساءلة لمجلس المنافسة المفروض فيه إعادة النظر في آليات تنظيم قطاع توزيع الوقود، وتحديد سياسات تشجع المنافسة، مثل وضع حدود لحصص الشركات أو إتاحة خيارات أوسع للشركات الأصغر. إن تحقيق الشفافية وتوفير البيئة التنافسية ضروريان لضمان عدم استغلال المستهلكين واحتواء تقلبات الأسعار.
هكذا يبين تقرير مجلس المنافسة واقع هيمنة عدد محدود من الشركات على سوق توزيع الوقود بالمغرب، وهو ما يطرح تحديات جديدة أمام السلطات التنظيمية. يبقى على عاتق مجلس المنافسة العمل على تطوير تشريعات وآليات تحمي السوق من مخاطر الاحتكار، مع ضمان توفر الوقود بأسعار تعكس التغيرات الدولية وتراعي مصالح المستهلكين.
تعليقات
0