كشف تقرير البنك الأوروبي للاستثمار لعام 2023 عن عدة جوانب أساسية في الاقتصاد المغربي، مشيرًا إلى التطورات التي يشهدها القطاع البنكي، إلى جانب بعض التحديات التي تلوح في الأفق. يعكس التقرير اهتمامًا متزايدًا من البنوك المغربية بالتمويل الأخضر والتحول الرقمي، كما يسلط الضوء على اعتماد الأسر المغربية المتزايد على الائتمان، الأمر الذي قد يشكل مصدر قلق في سياق اقتصادي عالمي متقلب.
شهد القطاع البنكي المغربي تحولاً كبيرًا نحو التمويل الأخضر، حيث يقدم حوالي ثلث البنوك منتجات مالية مستدامة تشمل القروض الموجهة للشركات الصغيرة والمتوسطة، وكذلك القروض العقارية. هذا التحول يُعد استجابة مهمة للمعايير البيئية العالمية، مما يعكس التزاماً واضحاً بالاستدامة. لكن ورغم هذا التطور الإيجابي، يظل التمويل الأخضر محدوداً إلى حدٍ ما، إذ لا يزال مقتصرًا على بعض المنتجات البنكية. وهذا يبرز الحاجة إلى توسع أكبر يشمل قطاعات مثل الصناعة والزراعة لتوسيع الأثر الاقتصادي والاجتماعي للتمويل المستدام.
وفي سياق آخر، أظهر التقرير أن القطاع البنكي المغربي يُواصل تقدمه في مجال التحول الرقمي، حيث طورت معظم البنوك خدماتها الإلكترونية لتشمل تطبيقات الهاتف المحمول وخدمات الدفع عبر الإنترنت. هذا التحول يعزز الشمول المالي، خاصةً في المناطق النائية، لكنه في المقابل يكشف عن فجوة رقمية قد تُعيق بعض الفئات السكانية، خاصة في المناطق الريفية التي قد تكون أقل قدرة على الوصول إلى هذه الخدمات.
تحتل الاستثمارات غير المدرجة في بورصة الدار البيضاء أيضًا اهتمامًا متزايدًا، حيث تجذب قطاعات ناشئة كالتكنولوجيا المالية والخدمات الصحية، وهو ما يسهم في تنويع الاقتصاد المغربي. ومع ذلك، تترافق الاستثمارات في هذه القطاعات بقدر من المخاطر؛ إذ أن الأداء السوقي فيها قد يكون متذبذباً وتحتاج بنية تحتية قوية وتشريعات داعمة لضمان استقرارها على المدى الطويل.
ورغم هذه التحولات الاقتصادية الواعدة، يُعد ارتفاع مديونية الأسر المغربية إلى نحو 30% من الناتج الداخلي الخام بمثابة تحدٍ رئيسي؛ إذ يعتمد العديد من الأسر على القروض لتلبية احتياجاتها الأساسية، مما يعرضها لضغوط مالية قد تتفاقم في حال ارتفاع أسعار الفائدة أو تزايد التضخم. هذا الوضع يضع الأسر المغربية في مواجهة تحديات اقتصادية تزيد من هشاشتها المالية، مما يتطلب سياسات اقتصادية رشيدة لحمايتها وضمان استقرارها المالي على المدى البعيد.
بالمجمل، يعكس التقرير مسارًا إيجابيًا نحو اقتصاد أكثر استدامة وتكيفًا مع التحولات التكنولوجية، إلا أن هناك حاجة لاستجابة فعالة للتحديات الراهنة. يتطلب ذلك توازناً دقيقاً بين دعم التحولات الاقتصادية وتوسيع نطاق التمويل الأخضر، وتعزيز الشمول المالي عبر معالجة الفجوة الرقمية، وضمان سياسات داعمة لحماية الأسر من مخاطر الديون المرتفعة، بما يسهم في تحقيق الاستقرار والنمو المستدام.
تعليقات
0