
محمد رامي
في مجلس مدينة الدار البيضاء، يبدو أن صياغة القرارات ليست سوى تمرين يومي في إعادة التدوير البيروقراطي.
مناسبة القول ،جدول أعمال الدورة الاستثنائية لشهر نونبر 2024 الذي يقدم لنا صورة فريدة عن آلية العمل: قرارات تُتخذ واتفاقيات تبرم ويصادق عليها بالأغلبية أو بالإجماع لتُلغى في دورة لاحقة ثم يُعاد التصويت عليها مع بعض التعديلات بعد أن تكون سلطة الوصاية في حالات معينة قد نبهت إلى هذه النقطة أو تلك، وكأن المجلس يسعى لتأسيس مدرسة جديدة في فن العبث الإداري مادامت لعبة التصويت والإلغاء تتكرر في كل دورة.
خذ على سبيل المثال المقرر 119/2018 الخاص بشركة “الدار البيضاء موارد”، الذي أُلغي ليُعاد طرحه مع تعديلات في القانون الأساسي وميثاق المساهمين. وكأن المشكلة في الاسم أو ترتيب البنود، وليس في جوهر المشروع الذي أثبت فشله.
نفس الأمر ينطبق على اتفاقيات ترميم المجازر القديمة أو تهيئة السوق المركزي، حيث ألغيت واحدة لتُستبدل بأخرى لا تختلف في العمق، في مشهد أشبه بتبديل أثاث غرفة على أمل أن تبدو جديدة.
أما الأكثر إثارة للسخرية فهو الإصرار على تدوير نفس الأفكار، كما في المقرر 163/2024 الذي أُلغي بخصوص اقتناء حافلات سياحية، ليعاد تقديمه وكأن تغيير بعض الكلمات سيجعل المشروع أكثر إقناعًا… واللائحة طويلة
السؤال الذي يفرض نفسه هنا: هل المجلس يعاني من قصر النظر الإداري ،أم أن من دبج المسودة ومن ناقشها في أشغال اللجن ومن عرضها على التصويت ومن صوت عليها دون مستوى المسؤولية ويفتقرون للكفاءة اللازمة للتدبير المحلي، أم أن هناك شهوة لإبقاء الملفات مفتوحة خدمةً لمصالح خفية؟
ما الهدف من اتخاذ قرارات تُلغى بعد شهور قليلة ثم يُعاد طرحها بتعديلات كيفما كانت مبرراتها ؟
أوليس هناك حكيم بينهم يفطن لهذه الأمور؟ أوليست هناك سلطة وصاية يفترض أن تواكب أشغال اللجن وتوفد أهل الاختصاص للإستشارة والتوجيه عوض إعادة المقررات لتدارك الأخطاء؟
الضحايا الحقيقيون لهذا العبث الإداري هم سكان الدار البيضاء، الذين ينتظرون بفارغ الصبر مشاريع تنموية حقيقية بدل هذا الكرنفال البيروقراطي.
بينما يتحول المجلس إلى مسرحية طويلة بلا حبكة، يبقى السؤال: متى يُدرك المسؤولون أن اتخاذ القرار لا يعني مجرد ملء جدول الأعمال، بل يتطلب رؤية استراتيجية تضع حداً لهذه الدوامة المفرغة؟
ربما حان الوقت لأن يُمنح مجلس المدينة جائزة عن إنجازه الفريد: “أفضل مجلس في إعادة تدوير القرارات بلا نتائج”.
تعليقات
0