مع تسارع الأحداث على الساحة السورية، تبدو البلاد على أعتاب مرحلة جديدة قد تعيد رسم المشهد السياسي والعسكري، وسط تقارير متواترة عن انسحابات عسكرية للنظام السوري من مواقع استراتيجية وتقدم الفصائل المسلحة في مناطق عدة. يأتي ذلك في وقت يواجه فيه النظام ضغوطًا متزايدة داخليًا وخارجيًا، ما يشير إلى احتمال انهيار وشيك، وفق مراقبين ومصادر ميدانية.
أبرز التطورات جاءت من مدينة حمص، ثالث أكبر مدن سوريا، حيث انسحبت القوات الحكومية بالكامل من المدينة، تاركة مواقعها للفصائل المسلحة. وأكد المرصد السوري لحقوق الإنسان دخول الفصائل إلى أحياء رئيسية في حمص، عقب انسحاب القوات الحكومية والجيش السوري من آخر معاقلهم هناك.
وكشف مدير المرصد، رامي عبد الرحمن، أن مئات السجناء خرجوا من سجن حمص المركزي بعد سيطرة الفصائل المسلحة على المدينة، ما يعكس حالة الفوضى والانهيار في قبضة النظام على المناطق التي كانت تحت سيطرته. وقد أظهرت مقاطع فيديو متداولة خروج السجناء وسط مشاهد احتفالية بالفصائل المتمركزة هناك.
من جهته، أكد مصدر عسكري أن قافلة كبيرة من الجيش السوري انسحبت من حمص باتجاه جسر القصير جنوب المدينة، بينما تم إجلاء قادة عسكريين وأمنيين من مطار الشعيرات بواسطة طائرات هليكوبتر، وفقًا لتصريحات ضابط كبير نقلتها وكالة رويترز. كما شهدت حمص انسحاب عناصر من قوات “الرضوان” التابعة لحزب الله اللبناني، ما يعكس انحسار النفوذ الإيراني في تلك المنطقة.
في ريف حمص، تبدو مدينة القصير خالية تمامًا من القوات السورية، حسبما أفادت مصادر ميدانية. وذكرت مصادر من “هيئة تحرير الشام” أن المفارز الأمنية انسحبت من المدينة بالتزامن مع انسحاب حزب الله باتجاه لبنان. هذا التطور يفتح المجال لتقدم الفصائل المعارضة، التي أعلنت أنها أخرجت أكثر من 3500 سجين من سجن حمص المركزي، ما يعزز مكانتها كفاعل رئيسي على الأرض.
على الصعيد الدبلوماسي، عقد وزراء خارجية الدول العربية والإقليمية اجتماعًا في الدوحة للتشاور حول الأزمة السورية. وركز البيان الختامي للاجتماع على ضرورة إيجاد حل سياسي شامل استنادًا إلى قرار مجلس الأمن رقم 2254.
وأكد المشاركون، ومن بينهم وزراء خارجية قطر والسعودية والأردن ومصر والعراق، إلى جانب ممثلين عن إيران وتركيا وروسيا، أن استمرار الأزمة السورية يشكل تهديدًا خطيرًا على الأمن الإقليمي والدولي. كما دعوا إلى وقف العمليات العسكرية وإطلاق عملية سياسية تضمن وحدة وسيادة سوريا، وتحفظ أمن المدنيين وتتيح العودة الطوعية للاجئين.
وشدد البيان على أهمية زيادة المساعدات الإنسانية وضمان وصولها بشكل مستدام ودون عوائق إلى المناطق المتضررة، ما يعكس القلق الدولي من تداعيات الوضع الإنساني المتدهور في سوريا.
التطورات الأخيرة تشير إلى تراجع غير مسبوق للنظام السوري على الصعيدين العسكري والإداري، ما يثير تساؤلات حول قدرته على الاستمرار. انسحاب القوات من مواقع استراتيجية مثل حمص والقصير، وهروب قيادات عسكرية وأمنية بارزة، يعكس هشاشة المنظومة الحاكمة وعجزها عن مواجهة التحديات الميدانية المتزايدة.
في الوقت ذاته، يثير صعود الفصائل المسلحة وسيطرتها على مناطق واسعة مخاوف من تصاعد الفوضى واستمرار دوامة العنف. كما أن انسحاب حزب الله من مواقع مهمة يشير إلى إعادة تقييم دوره في الصراع، في ظل الضغوط الدولية والإقليمية المتزايدة على إيران وحلفائها.
رغم التصعيد العسكري، يبدو أن هناك إجماعًا إقليميًا ودوليًا على أن الحل السياسي هو الخيار الوحيد لإنهاء الأزمة. ومع ذلك، يظل تحقيق هذا الهدف بعيد المنال في ظل استمرار الخلافات بين القوى الدولية والإقليمية حول مستقبل سوريا.
إن ما يجري في سوريا اليوم ليس مجرد تحول في موازين القوى على الأرض، بل هو انعكاس لأزمة عميقة تتطلب جهودًا حثيثة لإنقاذ البلاد من الانزلاق نحو مزيد من الفوضى والدمار.
تعليقات
0