
محمد رامي
منذ سنوات ونحن نكتب عن قطاع دمره المخطط الأخضر، منذ سنوات ونحن نصرخ في وجه عزيز أخنوش – الوصي الأسبق على القطاع قبل أن يصبح رئيسا للحكومة – و نقول له أن المسار الذي سلكه قطاع الدواجن بالمغرب غير صحيح، وبأن الملايير التي تصرف عليه بسخاء لن تنعكس لا على الإنتاج ولا على الأسعار وأن سلسلة الانتاج التي ابتدعوها ليست إلا شهادة وفاة صغار المنتجين ووسيلة إثراء المحتكرين. لكن لاحياة لمن تنادي ولا تفاعل اللهم محاولات يائسة لتثبيت وضع جديد يخدم أجندة معينة .
لم يكن الطريق إلى تحرك مجلس المنافسة سهلاً، فقد بحت أصوات المهنيين والمستهلكين على حد سواء مطالبة بالتدخل لوقف الاختلالات التي تعصف بقطاع تربية الدواجن وإنتاج اللحوم البيضاء حيث لم يسلم من الممارسات التي أرهقت المربين وأثقلت كاهل المستهلكين، خاصة مع تركيز عالٍ في السوق وهيمنة قلة من الفاعلين.
رأي مجلس المنافسة الأخير رقم ر/3/24 المؤرخ في 26 شتنبر 2024، كان بمثابة جرس إنذار على واقع لا يمكن تجاهله. كيف لا، والسوق تُظهر مستويات تركيز مقلقة وتكشف عن ممارسات تجارية تثير تساؤلات مشروعة حول مدى مطابقتها لقانون المنافسة؟
فجأة أصبح الكتكوت، الذي يُفترض أن يكون مدخلًا بسيطًا في سلسلة الإنتاج، عاملاً رئيسيًا في رفع تكلفة دجاج اللحم، حيث يشكل مع الأعلاف نحو 75% من سعر التكلفة الإجمالي حسب المهنيين وما قاله مجلس المافسة.
فجأة تحولت شركات أعلاف إلى فاعل رئيسي قي سلاسل الإنتاج من البداة إلى المستهلك..
فجأة أفلس العديد من صغار ومتوسطي مربي دجاج اللحم وتوقفت الضيعات عن الإنتاج ، فجأة ارتفعت الأسعار وكثرت التبريرات في وقت ارتفع معدل التركير والاحتكار..
وفجأة قرر مجلس مجلس المنافسة فتح تحقيق في الممارسات التجارية التعريفية وغير التعريفية في سوق الأعلاف المركبة وسوق الكتاكيت، قرار يُعد خطوة جريئة لكنها وإن تأخرت كثيرًا، إلا أنها بادرة مهمة ، فقد بات واضحًا أن هناك حاجة ملحة لإعادة تنظيم هذا القطاع الذي ينعكس بشكل مباشر على قدرة المواطنين الشرائية. فعندما ترتفع أسعار الدجاج إلى مستويات غير مسبوقة، لا يعود الأمر مجرد مشكلة اقتصادية، بل يتحول إلى قضية اجتماعية تمس الأمن الغذائي لفئات واسعة من الشعب.
ومع ذلك، يبقى هذا القرار إجراء مسطريًا، ولا يعني بالضرورة رغبة في كشف ممارسات منافية لقواعد المنافسة، لكن مع ذلك يبقى الأمل معقود على أن يكون هذا التحقيق نقطة تحول تفتح الباب لإصلاحات شاملة تعيد التوازن لهذا القطاع المضطرب، وتضع حدًا لهيمنة الشركات الكبرى التي تملي شروطها دون رقيب أو حسيب.
مجلس المنافسة صمام أمان اقتصادي واجتماعي ببلادنا ، وعليه أن يتحمل مسؤوليته كاملا في هذا الملف وأن يصبح مثل ذللك الرقيب الذي يراقب وينجز تقارير عبارة عن شهادة إبراء ذمة وإذا كان مجلس المنافسة قد تأخر في التحرك، فإن الوقت الآن للعمل الجاد على محاسبة المخالفين وتطوير سياسات تنظيمية للقطاع تضمن منافسة تعزز الشفافية وتخفف العبء عن كاهل المربين والمستهلكين على حد سواء.
المغاربة ينتظرون بفارغ الصبر أن تُترجم هذه الإجراءات إلى تغييرات ملموسة في السوق، فلا يمكن السماح بأن يبقى الأمن الغذائي رهينة لاعتبارات الربح الضيق. هل ستصمد إرادة التغيير أمام الضغوط؟ أم أن أصوات المتضررين ستعود لتبح من جديد؟
الإجابة ستحدد مستقبل قطاع بأكمله.
تعليقات
0