أكد رئيس الحكومة الانتقالية في سوريا محمد البشير إثر تكليفه بهذا المنصب الثلاثاء أن الوقت حان لينعم مواطنوه بـ”الاستقرار والهدوء” بعد يومين على إسقاط فصائل المعارضة المسلحة الرئيس بشار الأسد الذي فر إلى موسكو بعدما حكم البلاد طوال ربع قرن.
وكلفت هيئة تحرير الشام التي قادت الهجوم الذي أطاح بحكم الأسد، البشير الذي كان يرأس “حكومة الإنقاذ” في إدلب معقل فصائل المعارضة بشمال غرب البلاد، برئاسة حكومة تصريف الأعمال.
وقال البشير لقناة الجزيرة القطرية: “حان الوقت لأن يشعر هذا الشعب بالاستقرار والهدوء”، وذلك بعيد ساعات من تكليفه بتولي رئاسة الحكومة حتى الأول من آذار/مارس 2025.
وأتت هذه الخطوة في مسار المرحلة الانتقالية بعد أكثر من خمسة عقود على حكم آل الأسد في سوريا، في وقت واصلت فيه إسرائيل تدمير منشآت عسكرية سورية.
وفي توجه مشابه، رأى أبو محمد الجولاني، قائد هيئة تحرير الشام الذي بات يستخدم اسمه الحقيقي أحمد الشرع، أن الشعب السوري “منهك” جراء النزاع وأن البلاد لن تشهد “حربًا أخرى”.
في الأثناء، أكد مسؤول روسي للمرة الأولى الثلاثاء أن بلاده نقلت الأسد إلى أراضيها “بأكثر الطرق أمانًا”.
وكانت روسيا من أبرز حلفاء الأسد على مدى الأعوام الماضية، وتدخلت عسكريًا لصالحه اعتبارًا من العام 2015. وبدأت في سوريا تظاهرات مناهضة للحكم في 2011 قمعتها السلطات بشدة، قبل أن تتحول إلى نزاع دامٍ متعدد الأطراف.
وأعلن الجيش الإسرائيلي الثلاثاء أنه شن مئات الضربات خلال 48 ساعة على أهداف استراتيجية في سوريا.
وأشار إلى أن الأهداف شملت مواقع ترسو فيها “15 قطعة بحرية تابعة للبحرية السورية (…) وبطاريات صواريخ أرض-جو (…) ومطارات سلاح الجو السوري والعشرات من مواقع الإنتاج”.
وشدد وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس خلال زيارة لقاعدة بحرية في مدينة حيفا الشمالية على أن الجيش “عمل في سوريا في الأيام الأخيرة لضرب وتدمير القدرات الاستراتيجية التي تهدد دولة إسرائيل”.
وحذر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو القادة الجدد لسوريا من السير على خطى الأسد ومن السماح لإيران “بإعادة ترسيخ” وجودها في البلاد.
ومساء الثلاثاء، أعرب حزب الله اللبناني المدعوم من إيران والذي قاتل إلى جانب قوات الأسد خلال النزاع، عن أمله في أن تكون سوريا بقيادتها الجديدة “في موقع الرافض للاحتلال الإسرائيلي”.
وكان المرصد السوري لحقوق الإنسان أفاد بأن الغارات “دمرت أهم المواقع العسكرية”، ولا سيما مستودعات أسلحة ومنشآت عسكرية وإدارة الحرب الإلكترونية في دمشق وحولها، ومركز البحوث العلمية في برزة الذي تقول الولايات المتحدة إنه مرتبط ببرنامج الأسلحة الكيميائية السوري، وسبق أن استُهدف في نيسان/أبريل 2018 بضربات أميركية وفرنسية وبريطانية.
والثلاثاء، شاهد مراسلو فرانس برس أبنية المركز الثلاثة وقد سُويت بالأرض، بينما لا تزال النيران تتصاعد منها.
ولليوم الثالث على التوالي، تواصلت المعارك في شمال سوريا بين قوات موالية لأنقرة وأخرى موالية للأكراد، وقد أسفرت وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان عن سقوط 218 قتيلًا.
وليل الثلاثاء، أعلنت الفصائل السورية المعارضة أنها سيطرت على مدينة دير الزور (شرق)، في نبأ أكده أيضًا المرصد السوري لحقوق الإنسان.
وعلى صعيد آخر، شددت منظمة “مراسلون بلا حدود” على وجوب محاسبة الرئيس السوري المخلوع أمام القضاء عن مقتل عشرات الصحافيين إبان النزاع في سوريا، محذرة من أن الصحافيين المحتجزين حاليًا ما زالوا عرضة للخطر.
وأتى تكليف البشير غداة لقاء بين الجولاني ورئيس الحكومة السابق محمد الجلالي “لتنسيق انتقال السلطة”.
وحضّت الولايات المتحدة على دعم عملية سياسية “جامعة” في سوريا. وأكد وزير الخارجية أنتوني بلينكن أن “الشعب السوري سيقرر مستقبل البلاد”، مشددًا على أن واشنطن “ستعترف وتدعم بشكل كامل الحكومة السورية المستقبلية التي ستنبثق عن هذه العملية”.
وقبل الإعلان عن تعيين البشير، قال مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا غير بيدرسن إن الهيئة ينبغي أن تقرن بالأفعال “الرسائل الإيجابية” التي أرسلتها حتى الآن إلى الشعب السوري.
وحذرت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كايا كالاس من “التحديات الهائلة” التي تواجهها العملية الانتقالية الجارية، مناشدة السوريين عدم تكرار “السيناريوهات المرعبة” التي حدثت في كل من العراق وليبيا وأفغانستان.
كما أعلنت قطر التي لم تطبع علاقاتها مع حكومة الأسد رغم التقارب الذي حصل بين دمشق ودول عربية أخرى، “إنشاء أول قناة اتصال مع هيئة تحرير الشام”، التي قادت الهجوم الخاطف الذي شنته فصائل المعارضة اعتبارًا من 27 تشرين الثاني/نوفمبر انطلاقًا من إدلب.
وسعت الهيئة (جبهة النصرة سابقًا قبل إعلان فك ارتباطها بتنظيم القاعدة)، إلى تقديم صورة مغايرة عن تلك التي أدت إلى إدراجها على قائمة المنظمات الإرهابية بمبادرة من مجلس الأمن.
ولا تزال هيئة تحرير الشام تعد تنظيمًا “إرهابيًا” تحظره العديد من الحكومات الغربية التي أكد بعضها أنها ستحكم على أفعال الهيئة لا أقوالها.
في الأثناء، أفاد المرصد بأن تنظيم الدولة الإسلامية أعدم 54 عنصرًا من القوات السورية أثناء فرارهم من منطقة السخنة في بادية حمص (وسط).
وبمجرد سقوط حكم الأسد، بدأت إسرائيل حملة من الضربات على مقدرات عسكرية سورية، وتقدم جيشها للسيطرة على المنطقة العازلة في هضبة الجولان التي سبق للدولة العبرية ضم أجزاء واسعة منها. وأكد وزير الخارجية جدعون ساعر أن التقدم يعود لـ”أسباب أمنية”، وقال إنه “خطوة محدودة ومؤقتة”.
ودعا بيدرسن إلى وقف هذه الضربات. وقال في جنيف: “من المقلق جدًا رؤية تحركات وضربات إسرائيلية على الأراضي السورية. يجب أن يتوقف ذلك”.
إلى ذلك، نفى الجيش الإسرائيلي تقارير عن تقدم لدباباته داخل الأراضي السورية في اتجاه دمشق، مؤكدًا أنها موجودة فقط في المنطقة العازلة.
ووصفت الأمم المتحدة هذا التوغل بأنه “انتهاك” لاتفاقية فض الاشتباك الموقعة بين إسرائيل وسوريا في العام 1974.
وندّدت طهران الحليفة لدمشق الثلاثاء بـ”الانتهاك الصارخ” للقانون، بعد إدانات مماثلة من عمان والرياض.
أما تركيا التي تدعم فصائل مسلحة في سوريا، فندّدت بـ”العقلية الاحتلالية” لإسرائيل. وأكد رئيسها رجب طيب إردوغان رفض “تقسيم سوريا مجددًا”.
في الداخل، بدأت الحياة تعود إلى طبيعتها في دمشق مع إعادة فتح المحال التجارية. ولكن بالنسبة لكثير من السوريين، تبقى الأولوية البحث عن أقرباء مفقودين جراء عقود من القمع.
وأشار صحافي في فرانس برس إلى أن متاجر المواد الغذائية والأسواق والصيدليات أعادت فتح أبوابها.
وقالت لينا الأستاذ (57 عامًا) وهي موظفة حكومية: “الحياة تستمر”، مشيرة إلى أن “الخوف اختفى” منذ يوم الأحد.
ومع تقدمها نحو دمشق، أطلقت الفصائل المسلحة سراح الآلاف من المعتقلين، لكن يُقدر أنه ما زال هناك عشرات الآلاف من المفقودين الذين بدأت عائلاتهم البحث عنهم في السجون ومراكز الاحتجاز، ومن أبرزها سجن صيدنايا الواقع على مسافة نحو 30 كلم من دمشق.
وأعلن جهاز “الخوذ البيضاء” في وقت مبكر الثلاثاء “انتهاء عمليات البحث عن معتقلين محتملين في زنازين وسراديب سرية غير مكتشفة” داخل سجن صيدنايا “من دون العثور على أي زنازين وسراديب سرية لم تفتح بعد”.
ومنذ بداية الاحتجاجات التي تحولت إلى نزاع مسلح في العام 2011، توفي أكثر من 100 ألف شخص في السجون، وفق تقديرات للمرصد تعود إلى العام 2022.
وأكد الجولاني: “لن نتوانى عن محاسبة المجرمين والقتلة وضباط الأمن والجيش المتورطين في تعذيب الشعب السوري”، متعهدًا بملاحقة “مجرمي الحرب ونطلبهم من الدول التي فروا إليها حتى ينالوا جزاءهم العادل”.
وعرض مكافآت لمن يقدم معلومات عن كبار الضباط “المتورطين في جرائم حرب”.
وقتل ما لا يقل عن 910 أشخاص، من بينهم 138 مدنيًا، خلال الهجوم الخاطف الذي شنته فصائل المعارضة في 27 تشرين الثاني/نوفمبر، وفقًا للمرصد السوري لحقوق الإنسان، ونزح “ما بين 800 ألف إلى مليون” شخص، وفقًا للأمم المتحدة.
تعليقات
0