أكد المجلس الاعلى للحسابات، أن إشكالية الاجهاد المائي تعد من أبرز التحديات التي تواجه بلادنا ولاسيما في ظل التأثيرات المتزايدة لظاهرة التغيرات المناخية، والتي نتج عنها توالي سنوات الجفاف. وقد عرفت نسبة الفرد من المياه الطبيعية بالمغرب تراجعا مستمرا في العقود الاخيرة، حيث تراجعت، حسب معطيات وزارة التجهيز والماء، من 2.560 متر مكعب في سنة 1960 إلى 606 متر مكعب سنة 2024 أي ما يقل عن 1000 متر مكعب للفرد في السنة المعتمدة عالميا كعتبة نقص المياه والقريبة من عتبة النقص المطلق للمياه المحددة في 500 متر مكعب للفرد في السنة.
وأوضح المجلس في تقريره السنوي لسنة 2023-2024، أنه من أجل التصدي للتحديات التي تطرحها مشكلة ندرة المياه، اتبعت بلادنا ومنذ فجر الاستقلال، سياسات مائية استباقية مكنتها من توفير مجموعة من التجهيزات الكبرى تشمل على الخصوص 154 سدا كبيرا بسعة إجمالية تقدر ب 20,7 مليار متر مكعب، و17 منشأة لتحويل المياه، و15 محطة لتحلية مياه البحر بطاقة إنتاجية إجمالية تبلغ 192 مليون متر مكعب سنويا و158 محطة لمعالجة المياه العادمة.
وسجل المجلس، أن الوضعية تفاقمت بشكل غير مسبوق خلال السنوات الاخيرة، حيث عرفت الفترة 2023-2018 مواسم جفاف متعاقبة وحادة ، إذ سجلت، حسب معطيات وزارة التجهيز والماء، نسب عجز في الواردات المائية بالسدود تقدر على التوالي في السنوات المذكورة بـ %48 و%67 و%54 و %83 و %66 ، وذلك بالمعدل السنوي لمتوسط الواردات المائية المقدر ب 11,5 مليار متر مكعب ما بين سنتي 1945 و 2023 . كما تتسم الواردات المائية بالمملكة بتوزيع جغرافي غير متوازن، حيث تتركز 51 في المئة منها في أحواض الشمال الغربي التي تشكل 7 في المئة من مساحة البلاد.
وجاء وفي التقرير الذي نشر في العدد من الجريدة الرسمية، “للتخفيف من حدة الأزمة المائية، خاصة في ما يتعلق بتأمين الماء الصالح للشرب وتلبية احتياجات القطاعات الانتاجية كالفلاحة والصناعة وغيرها، تم بداية سنة 2020 إطلاق البرنامج الوطني للتزويد بالماء الشروب ومياه السقي 2027-2020 في جلسة عمل ترأسها جلالة الملك، وذلك في إطار العناية والاهمية التي يوليهما جلالته، لهذا القطاع الحيوي والاستراتيجي، الذي طالما كان موضوع توجيهاته السامية بمناسبة الخطب الملكية، خاصة الخطاب الملكي السامي بمناسبة عيد العرش المجيد لسنة 2024 الذي خصص جلالته الحيز الاكبر منه لهذه الاشكالية.”
وشدد المجلس على ضرورة تدارك التأخر في بناء السدود لتعزيز القدرة التخزينية للموارد السطحية، وضرورة تسريع وتيرة التحول إلى نظام الري الموضعي وتعميمه للاستعمال الناجع والمستدام
للموارد المائية، و تسريع تنزيل مشاريع تحلية المياه كنقطة تحول ضرورية في السياسة المائية مع تحدي التزود بالطاقة النظيفة. داعيا إلى إعادة استعمال المياه العادمة المعالجة كمقاربة تأخذ بعين الاعتبار الخصوصيات المحلية وتستهدف سقي المساحات الخضراء والصناعة، و التعجيل باستكمال مشاريع الربط بين الاحواض المائية للتخفيف من تباين التوزيع المجالي للموارد المائية.
وخلص المجلس، إلى إن تحقيق أهداف السياسة المائية لبلادنا قد تواجهه بعض المخاطر، ولا سيما في ما يخص تنزيل الأوراش
الكبرى التي نص عليها البرنامج الوطني للتزويد بالماء الشروب ومياه السقي -2020 ،2027 وتتجلى خاصة في إمكانية ازدياد حدة التغيرات المناخية والاجهاد المائي البنيوي، و تأخر إنجاز محطات تحلية مياه البحر الموجهة أساسا لتأمين التزود بالماء الصالح للشرب ؛ و تأخر إنجاز مشروع الربط الكهربائي، لنقل الطاقة المتجددة، من الجنوب إلى الوسط والشمال قصد تزويد محطات تحلية مياه البحر بالطاقة النظيفة وذلك لخفض تكلفة إنتاج المياه المحالة لتعزيز الامن المائي؛ و التأخر في إنجاز مشاريع السدود وخاصة في المناطق التي تعرف تساقطات مطرية مهمة وإمكانية
ضياع موارد مائية إضافية وخاصة بحوضي اللوكوس وسبو؛ والتأخر في استكمال مشاريع الربط بين األحواض المائية قصد التخفيف من تباين التوزيع المجالي للموارد المائية.
ومن بين المخاطر، التأخر في التحول إلى نظام الري الموضعي من أجل الاقتصاد في استعمال الماء في الفلاحة بالنسبة لنصف إجمالي المساحة المسقية على الصعيد الوطني؛ وإشكالية توفير التمويل، خاصة أن الكلفة الاجمالية للبرنامج الوطني للتزويد بالماء الشروب ومياه السقي -2020 2027 تبلغ 143 مليار درهم؛ و ارتفاع تكاليف معالجة ونقل وتوزيع المياه العادمة وتتبع معايير جودة المياه؛ وإشكالية معالجة المياه الملحية الناتجة عن محطات تحلية المياه وتأثيرها على البيئة والتنوع البيولوجي البحري.
و أوصى المجلس وزارة التجهيز والماء بتعزيز التدبير المندمج للموارد المائية بالحرص على حماية أكبر للمخزون الاستراتيجي من المياه الجوفية، وعبر تفضيل الاستعمال المعقلن للمياه السطحية والموارد غير الاعتيادية، وذلك من خلال تشجيع اللجوء إلى الموارد المائية غير الاعتيادية، ولاسيما تحلية مياه البحر، وإعادة استعمال المياه العادمة المعالجة وتجميع مياه الامطار؛ وتحقيق الاهداف المسطرة في مجال تقليص الكميات المهمة للتسربات في شبكات النقل للرفع من مردوديتها، وكذا حماية أفضل للسدود من ظاهرة التوحل؛ و تسريع إنجاز المشاريع المتعلقة بالربط بين الاحواض المائية؛ و تفعيل وتقوية دور هيئات التواصل والتشاور والتنسيق والتوجيه الاستراتيجي على المستوى الوطني والجهوي والمحلي.
كما يوصى المجلس وزارة الاقتصاد والمالية بتعبئة التمويلات الضرورية من أجل إنجاز البرامج التي تستجيب للتحديات المطروحة. ويوصي كذلك وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات بتسريع برامج التحول إلى الري الموضعي.
يوصي المجلس، أخيرا، وزارة الداخلية، ووزارة التجهيز والماء، والوزارة المكلفة بالفلاحة، والوزارة المكلفة بالانتقال الطاقي بتطوير التكامل بين عناصر المثلث “الماء-الطاقة-الفلاحة” بشكل يسمح بالتقائية القطاعات الثلاث واندماجها الترابي والتلاؤم بين استراتيجياتها.
تعليقات
0