صادق مجلس النواب، مساء اليوم الثلاثاء، بالأغلبية العددية على مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالإضراب، في خطوة أثارت جدلاً واسعًا حول محتوى المشروع والإجراءات التي رافقت المصادقة عليه. وجاءت الموافقة بـ124 صوتًا مقابل معارضة 41 نائبًا، ما يبرز الانقسام الواضح داخل البرلمان وبين مكونات المشهد السياسي بشأن قانون يُعدّ واحدًا من القضايا الشائكة التي أثارت النقاشات لسنوات.
الجلسة العمومية، التي ترأسها رشيد الطالبي العلمي رئيس مجلس النواب، شهدت دراسة تعديلات عديدة على المشروع، بعضها لم يُناقَش مسبقًا في لجنة القطاعات الاجتماعية، ما أثار تساؤلات حول مدى احترام الإجراءات التشريعية ودور المؤسسات في ضمان نقاش شامل حول النصوص التي تؤثر على الحقوق الأساسية.
ومن بين التعديلات التي قدمتها الحكومة، إدراج العاملات والعمال المنزليين ضمن الفئات المعنية بالإضراب، وتقليص الآجال الموجبة للتبليغ عن تنفيذ الإضراب في القطاعات المختلفة، بالإضافة إلى تمكين السلطات العمومية من اللجوء إلى القضاء الاستعجالي لإيقاف الإضرابات بحجة الحفاظ على النظام العام.
وقامت المعارضة الاتحادية التي صوتت برفض القانون في صيغته الحالية بتعديد اشكالات المشروع واستنكرت المقاربة الأحادية للحكومة
من خلال تغييب التزام الحكومة بمنهجية تشاركية شاملة، وإلى التجاذبات التي ميزت العلاقة بين الحكومة والشركاء الاجتماعيين. كما أكدت على الحاجة إلى مركزية المنظومة التشريعية المتعلقة بالحوار الاجتماعي ضمن لجنة واحدة متخصصة، بما يضمن جودة النصوص ومناقشتها بشكل متكامل.
وأضاف الفريق الاشتراكي المعارضة الاتحادية في تعقيبه على الحكومة أن الحكومة لم تُظهر تصورا واضحا خلال المناقشة التفصيلية، بل طرحت صيغة جديدة للمشروع في مرحلة متقدمة، مما حال دون ممارسة النواب لدورهم التشريعي الكامل.
كما أكد الفريق الاشتراكي أنه لا ينظر إلى القانون كمجرد إطار تقني لتنظيم ممارسة الإضراب، بل يراه خطوة في مسار تدعيم دولة الحق والقانون. وأشارت إلى أن هذا الحق أقرته الدساتير المغربية منذ أول دستور سنة 1962، وتعتبر تأطيره ضرورة دستورية ودولية.
وشدد على أن ضمان ممارسة حق الإضراب يجب أن يتم في إطار يعزز الحريات والحقوق، دون فرض تنازلات على الأفراد أو المساس بجوهر هذه الحقوق، معتبرة أن الفلسفة الحقوقية تتطلب قوانين تحمي وتعزز الحقوق بدلاً من تقييدها.
هذه المصادقة تأتي في سياق يتسم بتوتر اجتماعي متصاعد، حيث عبرت النقابات العمالية عن استيائها من تجاهل الحكومة لمطالبها الأساسية، لا سيما أن المشروع يتضمن إجراءات يُعتبر بعضها تهديدًا لمكتسبات الحركة العمالية في المغرب. كما تُثير الطريقة التي مُرّر بها القانون مخاوف حول توجه الحكومة إلى فرض قوانين مفصلية دون توافق واسع أو حوار اجتماعي حقيقي، وهو ما يهدد بتعميق فجوة الثقة بين المواطنين ومؤسسات الدولة.
وفي ظل الانتقادات الحادة، يبقى السؤال المطروح: هل يُمكن لهذا القانون، بصيغته الحالية، أن يحقق توازنًا بين حماية النظام العام وضمان حقوق العمال، أم أنه سيكون عنوانًا جديدًا للجدل والصدام بين الحكومة والشارع؟
تعليقات
0