
محمد رامي
يقول المثل الشعبي المغربي “خَدَّمْ صْغَرِي لْكْبَرِي”، وهو دعوة للتخطيط وتأمين مستقبل مريح. لكن في الواقع المغربي، يصبح هذا المثل مجرد وهم، حيث يجد المتقاعدون الذين عملوا بضمير واستقامة أنفسهم في خريف العمر مثقلين بأعباء الحياة وهموم العلاج، بينما أولئك الذين استغلوا نفوذهم في سنوات العمل يعيشون حياة مترفة، لا تهددها معاشات هزيلة ولا ضرائب مجحفة.
في المغرب، يتحول التقاعد من فترة الراحة والاستقرار إلى مواجهة صادمة مع “الفواتير المؤجلة”. سنوات العمل الشاق تتوج برحلة علاج مرهقة لأمراض مزمنة، وسط نظام صحي يفتقر للإنصاف وواقع مالي يزيد الأوجاع. المعاشات الهزيلة بالكاد تغطي الضروريات، ومع غياب دعم حكومي فعّال، يصبح المتقاعد وحيدًا أمام تكاليف الحياة، ضحية مزدوجة لنظام صحي مترهل وتقصير رسمي يهدد كرامته.
الأكثر مرارة هو الواقع الذي يعيشه المتقاعدون الذين حملوا على عاتقهم أسرًا بأكملها، تشمل عاطلين عن العمل نتيجة سوق شغل متدهور. هؤلاء الذين التزموا بالقيم وأخلصوا في عملهم يجدون أنفسهم اليوم يتحملون أعباء مزدوجة: إعالة الأبناء الذين لا يجدون فرصًا للعمل، ومواجهة الإهمال الحكومي الذي يغض الطرف عن حقوقهم المشروعة.
وبينما يكابد هؤلاء، تقرر الحكومة، بكل برود، اقتطاع الضرائب من معاشاتهم المتواضعة. هذه الضرائب، التي كان يمكن توجيهها نحو الثروات الضخمة، تُفرض على من بالكاد يكفيه دخله لتأمين أساسيات الحياة. في المقابل، يُترك أصحاب الثروات التي تراكمت بطرق مشبوهة خارج دائرة المحاسبة.
احتجاجات المتقاعدين أمام البرلمان ليست مجرد خطوة رمزية، بل صرخة تعكس واقعًا مريرًا. الإعفاء الضريبي المحدود الذي شمل أقل من 4% من المعاشات لا يعدو كونه محاولة لتهدئة الأوضاع، بينما البقية يواصلون معاناتهم مع معاشات هزيلة لا تليق بتضحياتهم.
إذا كانت الدولة جادة في بناء “دولة اجتماعية”، فعليها أن تبدأ من هنا. المتقاعدون الذين أفنوا أعمارهم في خدمة الوطن لا يستحقون أن يصبحوا ضحايا الإهمال والسياسات الظالمة. العدالة الاجتماعية ليست شعارًا يُرفع، بل حقًا يُنفذ، وأولى خطواتها ضمان حياة كريمة لهؤلاء الذين بنوا هذا الوطن بعرقهم وكفاحهم.
تعليقات
0