تحلية مياه البحر في المغرب: حل لأزمة المياه أم خيار مكلف بيئيًا واقتصاديًا؟

جواد رسام الأربعاء 12 مارس 2025 - 16:19 l عدد الزيارات : 88801

يواجه المغرب في السنوات الأخيرة أزمة مائية خانقة بسبب التغيرات المناخية، حيث أصبح الجفاف وندرة المياه من أكبر التحديات التي تهدد الأمن المائي والغذائي للبلاد. فبحسب التقارير المناخية، تراجعت نسبة التساقطات المطرية بشكل ملحوظ، ما أدى إلى انخفاض منسوب السدود واستنزاف المياه الجوفية، خاصة في المناطق الأكثر عرضة للجفاف، مثل جهة سوس ماسة والجنوب الشرقي.

المغرب وأزمة المياه: بين التغيرات المناخية والحلول المستدامة

ولمواجهة هذا الوضع المقلق، تبنت الدولة استراتيجية تعتمد على تعبئة الموارد المائية غير التقليدية، ومن بينها تحلية مياه البحر، كحل بديل لتعويض العجز المتزايد في المياه الصالحة للشرب والاستعمال الصناعي والفلاحي. ولكن، رغم أن هذه التقنية تبدو واعدة، إلا أنها تثير العديد من التساؤلات حول جدواها الاقتصادية وتأثيراتها البيئية على المدى الطويل.

تحلية مياه البحر في المغرب: بين الضرورة والإكراهات

بدأ المغرب تجربة تحلية مياه البحر منذ سنوات، حيث تم إنشاء محطات في عدة مدن مثل الحسيمة وأكادير، إضافة إلى مشروعات قيد الإنجاز في مدن أخرى، أبرزها الدار البيضاء.
تعتمد هذه المحطات على تقنيات متطورة لتحويل مياه البحر إلى مياه عذبة صالحة للاستعمال، لكن هذا الخيار يواجه مجموعة من العقبات والتحديات، أبرزها:
* التكلفة المرتفعة: تحلية المياه تتطلب استثمارات ضخمة سواء في البنية التحتية أو في تشغيل المحطات وصيانتها، مما يجعل تكلفة المتر المكعب من المياه المحلاة أعلى بكثير من تكلفة المياه التقليدية المستخرجة من السدود أو المياه الجوفية.
* الاستهلاك العالي للطاقة: عملية التحلية تعتمد بشكل كبير على الكهرباء، وهو ما يزيد من الضغط على الشبكة الوطنية للطاقة ويرفع من انبعاثات الغازات الدفيئة، ما يتعارض مع التوجه المغربي نحو الطاقات المتجددة وتقليل البصمة الكربونية.
* التأثير البيئي: تصريف المياه المالحة المتبقية بعد عملية التحلية في البحر قد يسبب أضرارًا جسيمة للنظام البيئي البحري، إذ يمكن أن يؤدي إلى ارتفاع ملوحة المياه الساحلية، مما يؤثر سلبًا على الكائنات البحرية والثروة السمكية.

مشروع محطة تحلية مياه البحر في الدار البيضاء: طموح كبير لكن…

يُعد مشروع محطة تحلية مياه البحر في الدار البيضاء أحد أكبر المشاريع التي تراهن عليها المملكة لتعزيز الأمن المائي في منطقة تضم أكثر من 5 ملايين نسمة.  و  من المنتظر أن توفر هذه المحطة، التي تُعد الأكبر من نوعها في إفريقيا، حوالي 300 مليون متر مكعب من المياه المحلاة سنويًا، مع إمكانية توسيع قدرتها الإنتاجية في المستقبل.

ورغم أن هذا المشروع يشكل خطوة مهمة نحو تقليل اعتماد المدينة على الموارد المائية التقليدية، إلا أنه يثير عدة مخاوف تتعلق بكلفته المرتفعة والتحديات البيئية المصاحبة له. فالمشروع سيحتاج إلى استثمارات تقدر بمليارات الدراهم، كما أن تشغيله سيتطلب كميات هائلة من الطاقة، مما يطرح تساؤلات حول مدى استدامته على المدى الطويل، خاصة إذا لم يتم دمجه مع حلول مبتكرة تعتمد على الطاقات المتجددة للحد من أثره البيئي.

هل تحلية مياه البحر هي الحل الأمثل؟

في ظل الأزمة المائية المتفاقمة، قد تبدو تحلية مياه البحر حلاً لا مفر منه، لكن لا يمكن اعتبارها الحل الوحيد أو الأمثل، خاصة بالنظر إلى كلفتها العالية وتأثيراتها البيئية. لهذا، من الضروري أن تكون جزءًا من استراتيجية متكاملة تشمل ترشيد استهلاك المياه، تطوير تقنيات إعادة التدوير، والاستثمار في مشاريع الطاقات المتجددة لضمان تشغيل المحطات بطريقة مستدامة.

في النهاية، يبقى السؤال مفتوحًا ، بحيث  يمكن ان نتساءل حول امكانية المغرب تحقيق توازن بين الحاجة الملحة إلى المياه والحفاظ على بيئته واقتصاده، أم أن تحلية المياه ستظل مجرد حل ظرفي مكلف قد يعمّق التحديات المستقبلية بدل حلها .

تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على Google News تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على Telegram

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

تعليقات

0

مقالات ذات صلة

الأحد 20 أبريل 2025 - 23:21

حينما تتحول الجمعيات إلى أذرع انتخابية

الأحد 20 أبريل 2025 - 15:06

لقاء يسلط الضوء على آفاق الاستثمار بالحسيمة على ضوء قانون المالية 2025

السبت 19 أبريل 2025 - 09:20

سعر الدرهم يرتفع أمام الدولار…

الجمعة 18 أبريل 2025 - 15:22

من فشل البرامج إلى شراء الذمم… مغرب يرهق مواطنيه ويكافئ نخبا عاجزة

error: