بين الواقع والخيال، يصعب التمييز، خاصة عندما يتحول الفساد إلى دراما سوداء يعيشها المغاربة يوميا.
الفراقشية، الذين كانوا بالأمس مجرد لصوص ماشية يتخفون في الظلام ليسرقوا خروفا أو بقرة نائمة في الزريبة….،صاروا اليوم “مستثمرين محترمين” ينهبون المال العام بطرق قانونية وأنيقة، دون الحاجة إلى
القفز فوق الأسوار ليلا فلم يعد الظلام لهم شرطا للسرقة.
في أحدث حلقات هذا المسلسل، خرج علينا وزير التجهيز والماء، نزار بركة، ليكشف أن 18 مستوردا حصلوا على دعم حكومي بقيمة 1300 مليار سنتيم، بدعوى خفض أسعار الأغنام، لكنهم فضلوا مضاعفة أرباحهم على حساب المواطنين.
و المفارقة الساخرة أن زعيم حزب الاستقلال – شريك الأغلبية الحكومية – يريد لعب دور “فاضح الفساد” و أنه بذلك سيبيض سمعة حزبه،..
و كأنه يريد أن يقول: “انظروا.. إنه لا يوجد أي مستورد من حزبي!” لكن السؤال المحرج له هو: ألم تكن انت جزءا من آلة التمكين لهؤلاء
من دعم تحول إلى مكافأة سخية،
فيما المغاربة يستغربون : كيف لأطراف حكومية شريكة في اللعبة تلعب دور متفرج مغلوب على أمره؟
لكن الإثارة لم تتوقف هنا، فقد دخل وزير التجارة والصناعة، رياض مزور، على الخط ليضيف جرعة جديدة من التشويق، اعترف بأنه يعرف أسماء المستوردين الذين التهموا الدعم “واحدا واحدا”.. لكنه يمنحهم “فرصة أخيرة” كأنهم تلاميذ في فصل دراسي!
فبدلا من كشفهم والمطالبة بفتح تحقيق و اتخاذ موقف سياسي واضح إزاء هذه الفضيحة، فضل “ممارسة السياسة” معهم. بل الأكثر طرافة، أنه لمح إلى إمكانية فضحهم إن لم “يتعظوا”، وكأن المال العام صار مجرد ورقة تفاوض في صفقات خلف الكواليس!
بل الواضح أن التهديد بالكشف عن أسماء المستوردين هو مجرد مناورة للحصول على عائد من هذه الصفقة في الانتخابات القادمة إلى جانب الحزبين الحليفين في الحكومة.
فبينما ينتظر المغاربة نهاية سعيدة لهذا المسلسل، يبقى الفراقشية المعاصرين مطمئنين:
لا محاسبة، لا عقاب، فقط تهديدات مؤجلة ووعود بالكشف عن الأسماء… إن لم “يتعظوا”!
“..فاسدون ضد الفساد ، و أغبياء ضد الجهل ، و منحرفون ضد الرذيلة، تلك معالم مشهد بات يتكرر بانتظام .”
منقول