في خضم هجوم البعض و الذي أعقب التصريحات الأخيرة للأستاذ إدريس لشكر، الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، خرجت أصوات نشاز تشكك في مواقف الحزب الثابتة تجاه القضية الفلسطينية، مستغلة عبارة “النكسة” لتوجيه سيل من الاتهامات المغرِضة.
لكن الأكثر إثارة للاستغراب ليس الانتقاد ذاته، بل انسياق بعض المتربصين بالحزب وقيادته وراء خطاب يخلط بين التحليل السياسي الرصين والشعبوية العاطفية، في محاولةٍ لتحويل النقاش من مساره الجوهري إلى معركةٍ من التهمِ المجتزأة.
لنكن واضحين منذ البداية:حزب الاتحاد الاشتراكي لم و لن يتخلى عن موقفه التاريخي المناصر لحقوق الشعب الفلسطيني، لكن الفارق الجوهري بينه وبين خصومه هو رفضه الانسياق وراء الخطابات الانفعالية التي تختزل قضية عادلة في شعارات ترويجية.
فهل يعقل أن يتهم الحزب، وهو من يدافع عن فلسطين طيلة تاريخه، لمجرد أنه تجرأ على وصف الهجوم الأخير لـ “حماس” في السابع من أكتوبر بما هو عليه: نكسة؟
لا يمكن مناقشة الموقف دون استحضار المشهد الكارثي الذي تعيشه غزة اليوم: آلاف الشهداء، دمار غير مسبوق، ومشاريع تهجيرٍ تهدد وجود الفلسطينيين على أرضهم.
فبينما كان البعض يرفع لافتات التهنئة بـ “النصر المزعوم” – كما فعل تنظيم الإخوان المسلمين في المغرب عبر بيان عبد الإله بنكيران – كان الواقع على الأرض يسجل فصولا من المأساة. السؤال الذي يتجنبه هؤلاء: أين هو “الانتصار” حين تقاس نتائج المعركة بأرواح الأبرياء وخراب الوطن؟.
إن وصف لشكر للهجوم بـ”النكسة”، ليس انتقاصا من نضال الفلسطينيين، بل قراءة واقعية لتداعيات مغامرة سياسية وعسكرية حوَّلت غزة إلى ساحة انتقام، وأعطت الذريعة للاحتلال لتصعيد عدوانه. فمنطق “الانتصار” الذي تروجه بعض الأطراف يذكرنا بخطاب حزب العدالة والتنمية سابقا، الذي امتدح الهجوم في أكتوبر معتبرا إياه “مفتاح التحرير”، بينما النتيجة كانت مزيدا من التهجير والتوسع الاستيطاني.
المفارقة تكمن في أن من يهاجمون لشكر اليوم هم أنفسهم من يتجاهلون حقيقة واضحة: الشجاعة في قول الحقيقة ليست خيانة، بل مسؤولية.
ففي وقتٍ يختبئ الكثيرون خلف الخطابات المبهمة خوفا من “ذباب التنظيم العالمي المزعج” – كما يُسميهم الكاتب – جاء موقف الأمين العام للاتحاد الاشتراكي ليُذكرنا بأن السياسة الحقيقية تُبنى على الحقائق، لا على الأوهام.
ختامًا، لا يجوز أن تتحول القضية الفلسطينية إلى ورقةٍ للمزايدات الانتخابية أو صراعات الأحزاب الضيقة. الاتحاد الاشتراكي، بقيادة لشكر، يقدم نموذجًا للسياسة الواعية التي ترفع شعار “لا مكان للعاطفة في معادلات الدم”. فلكم أن تُعارضوا الرأي، لكن لا يحق لأحدٍ أن يزايد على إرثٍ نضاليٍ ثابتٍ لمجرد أنه يرفض الرقص على إيقاف الطبل الجوفاء.
في زمنِ الضجيج، تكون الشجاعةُ هي أن تقول ما تعرفه صحيحًا حتى لو خالَفَ التيار. وهذا بالضبط ما فعلته قيادة الاتحاد الاشتراكي.
تعليقات
0